زيارة المنفي للشرق الليبي: خلق قاعدة مؤيدة لتغيير مسار الانتخابات؟

زيارة المنفي إلى الشرق الليبي: خلق قاعدة مؤيدة لتغيير مسار الانتخابات؟

15 أكتوبر 2021
تستمر زيارة المنفي إلى طبرق عدة أيام (Getty)
+ الخط -

لا يزال جدل الانتخابات الليبية قائما، في الوقت الذي يسعى فيه المجلس الرئاسي والحكومة لحشد المواقف الدولية والمحلية لدعم إجرائها وفقا لرؤية خاصة بهما، يعتزمان طرحها في مؤتمر وزراي دولي الشهر الجاري، بينما تتزايد الخطوات التصعيدية من جانب شخصيات وأطراف من شرق ليبيا. فما الأسباب التي تقف وراء التصعيد الجديد في المشهد؟

المنفي في طبرق

وصل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى طبرق، أمس الخميس، في زيارة تستمر عدة أيام للمنطقة الشرقية، بحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، مشيرا إلى أن المنفي سيلتقي خلال الزيارة عدداً من عمداء البلديات والفاعلين السياسيين والضباط ومشايخ القبائل، فيما كشفت مصادر مقربة من المجلس الرئاسي، لـ"العربي الجديد"، أن الزيارة تأتي في سياق محاولته توضيح الرؤية بشأن مبادرة "استقرار ليبيا"، التي تتضمن مقترحا بتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى منتصف العام المقبل، والاكتفاء بإجراء الانتخابات البرلمانية في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، كأفضل سبيل لإنقاذ العملية الانتخابية، كون انتخابات رئيس الدولة محل جدل وخلافات بين مختلف الأطراف الليبية.

وتوافقت معلومات المصادر حول سعي المنفي، خلال الزيارة الحالية لمناطق شرق ليبيا، إلى التواصل مباشرة مع القاعدة الاجتماعية والقبلية لشرح وجهة نظر المجتمع الدولي والضغوط القادمة من الخارج بشأن ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، والتحذيرات بشأن دعم إطلاق أي حكومة موازية في شرق ليبيا في هذا التوقيت.

وفيما لفتت المصادر إلى أن المنفي يحاول العمل بعيدا عن تأثيرات القبة، مقر رئيس البرلمان عقيلة صالح، وبنغازي، أقوى مراكز حكم اللواء خليفة حفتر العسكرية، رجحت أن تلقى مساعيه تجاوبا في أوساط الثقل القبلي والاجتماعي في أقصى الشرق الليبي، لتشكل ضغطا خلفيا على عقيلة صالح لتخفيف حدة مواقفه التي بدت متجاوبة وقريبة من مصالح حفتر في الآونة الأخيرة، كما أشارت إلى أن أحد أهداف اللقاءات التي سيجريها المنفي إيصال رسالة لمكونات شرق البلاد القبلية والاجتماعية، مفادها أنهم لا يزالون ممثلين في السلطة، للتقليل من المخاوف التي حدت بالكثير منهم لتأييد اتجاه إنشاء حكومة موازية في الشرق للحفاظ على حقوق إقليم برقة.

ودفع مجلس النواب، في 18 أغسطس/ آب الماضي، بقانون جدلي للانتخابات الرئاسية لمشهد الإعداد للانتخابات المقبلة، فعلاوة على شكوك في طريقة التصويت عليه لإقراره، ومخالفته لنصوص الاتفاق السياسي التي توجب على النواب مشاركة المجلس الأعلى في إعداده، تضمن عدداً من البنود الفضفاضة، التي لا تحدد شروطا ولا صلاحيات واضحة لرئيس الدولة، بينما لم يدر أي خلاف بشأن قانون الانتخابات البرلمانية.

وتطورت حالة التعقيد السياسي في المشهد لتتسرب إلى داخل الحكومة، بإعلان النائب الأول لرئيس الحكومة حسين القطراني، الأسبوع الماضي، عن جملة من الاتهامات لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، في بيان حمل مسمى "مسؤولي برقة في الحكومة"، بل وهدد بأن إنشاء حكومة موازية في شرق البلاد أمر "قائم وقريب".

تطورت حالة التعقيد السياسي في المشهد لتتسرب إلى داخل الحكومة

وعلى الرغم من التجاوب الذي أبداه الدبيبة، من خلال اجتماع عقده مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الأربعاء الماضي، لمناقشة "أسباب وتداعيات" بيان القطراني، بحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، إلا أن الأخير عاد ودعا، أمس الخميس، كافة المؤسسات الحكومية إلى "عدم إحداث أي تغيير في المراكز الإدارية"، إلا بعد التنسيق معه، بل وهدد بأن تجاوز مطالبه قد "يهدد وحدة البلاد".

وعلى خلفية هذا التصعيد، حذر المجلس الأعلى للدولة في بيان، ليل أمس الخميس، من تداعيات هذه الخلافات، ودعا للعمل على "ضرورة تماسك حكومة الوحدة الوطنية، والعمل بانسجام وتوافق في ما بين جميع أعضائها، للمحافظة على وحدة مؤسسات الدولة". 

خلق قاعدة مؤيدة

ويرجح المحلل السياسي الليبي مروان ذويب نجاح مساعي المنفي في خلق قاعدة مؤيدة بين مكونات شرق ليبيا القبلية والاجتماعية لمساعي المجلس الرئاسي والحكومة في تغيير مسار الانتخابات، موضحا أنه بالرغم من تقارب مواقف عقيلة صالح وخليفة حفتر، أبرز شخصيات الشرق الليبي، إلا أن الثقة بينهما لا تزال تتخللها مواقف الماضي المتوتر بينهما، ويعتبر بروز القطراني، المقرب من حفتر، في واجهة المشهد لخلط الأوراق مؤشرا إلى أن حفتر لا يعول كثيرا على صالح، وبدأ يعمل هو الآخر بالضغط على مقرّبين منه.

وعن الأسباب التي تقف وراء التصعيد الأخير، يرى ذويب أن حفتر وصالح، وكذلك أغلب الأطراف الليبية، باتت تدرك استحالة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وقال: "هذا ما يفسر سعي حفتر للحصول على مركز قوي داخل الحكومة، وتحديدا وزارة الدفاع، لقناعته بأنها ستستمر في المشهد إلى حين الاتفاق على الانتخابات التي لن تجري في المستقبل القريب كما تؤكد كل المعطيات".

حلف حفتر وصالح "مصيري"

ومقابل إعلان المجلس الأعلى للدولة عن موقفه من بيان القطراني، لزم مجلس النواب الصمت حيال البيان، وهو ما يراه الناشط السياسي من طبرق صالح المريمي، مؤشرا إلى تأييد المجلس للبيان وقربه من شخصياته، مؤكدا أن حلف صالح وحفتر "مصيري ولن ينفك، خصوصا في الوقت الحالي".

ولا يرجح المريمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، نجاح جهود المنفي خلال زيارته الحالية للشرق الليبي، لافتا إلى أن "الاهتزاز الواضح في نسيج وحدة مواقف القبائل في شرق البلاد لن يخدم سعي المنفي".
وأضاف في هذا السياق: "المنفي هو الآخر تطاوله الضغوط القادمة من شرق ليبيا، ولن يكون بمقدوره فرض تأجيل الانتخابات الرئاسية التي يطالب بها أيضا المجلس الأعلى للدولة، ما سيظهره أمام الرأي العام مصطفاً إلى جانب المجلس الأعلى ورافضاً لمطالب مجلس النواب".

المنفي هو الآخر تطاوله الضغوط القادمة من شرق ليبيا، ولن يكون بمقدوره فرض تأجيل الانتخابات الرئاسية التي يطالب بها أيضاً المجلس الأعلى للدولة

واستدرك الناشط السياسي بالقول: "نجاح هذا المقترح سيكون رهين أمر واحد، هو تنفيذ مقترحه الذي صرح به في السابق، ويتعلق باستبعاد كل الشخصيات النافذة في المشهد الحالي من الدخول في الانتخابات، وهو أمر سيلقى ترحيبا كبيرا بسبب الانزعاج الواضح في الشارع ولدى الرأي العام من مجلسي النواب والدولة، ونسبيا من حفتر في الشرق الليبي، إضافة إلى أن حفتر مرفوض تماما في الغرب الليبي".

وعكس بيان أصدره 18 نائبا من المقربين من عقيلة صالح، أمس الخميس، صحة معلومات المصادر، حيث اتهموا خلاله الحكومة ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش بالتحرك بين عدة عواصم لـ"الالتفاف على الانتخابات"، و"لحشد دعـم لمبادرة أطلق عليها اسم (مبادرة السلام)، تقوم على أساس تأجيل أهم استحقاق ينتظره كل الليبيين، وهو الانتخابات"، ودون أي توضيحات بشأن سعي الحكومة لتأجيل الانتخابات.

واعتبر البيان أن "كل التحركات والمؤتمرات التي لا تدعم هذا الاستحقاق وبشكل واضح خلط للأوراق ومخالفة لمخرجات برلين وجنيف، وتعتبر إعاقة لاستكمال خريطة الطريق المتفق عليها محليا ودوليا".

وفي إطار استعداد المجلس الرئاسي والحكومة لتنظيم مؤتمر وزاري دولي، في 21 من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، لطرح مبادرة استقرار ليبيا، التي ستناقش عدة ملفات، من بينها إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بقيادة وزيرة الخارجية بالحكومة نجلاء المنقوش، أجرت الأخيرة عدة زيارات لعواصم إقليمية، وقدمت لها الدعوة للمشاركة في المؤتمر، آخرها دعوة لنظيرها التركي مولود جاووش أوغلو، أثناء زيارتها التي أجرتها لتركيا، اليوم الجمعة، بحسب وزارة الخارجية الليبية.

المساهمون