زيارة أميركية إلى غرينلاند تثير غضب الدنمارك وساسة الجزيرة: تحذير من مصير "القرم"

24 مارس 2025
تظاهرة أمام القنصلية الأميركية في نووك، 15 مارس 2025 (رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب محاولاته للسيطرة على جزيرة غرينلاند، مما يثير استياء الدنمارك وغرينلاند بسبب تهديد هذه التحركات لسيادتهم، وزيادة التوترات نتيجة إرسال وفود أمنية دون تنسيق مسبق.
- يواجه ترامب رفضًا واسعًا من شعب غرينلاند وحكومتها والحكومة الدنماركية، حيث تظاهر السكان المحليون ضد محاولات "أمْرَكَة الجزيرة"، وأظهرت الانتخابات المحلية رفضًا شعبيًا لهذه الرغبات.
- تثير زيارات شخصيات أميركية مثل أوشا فانس ومايك والتز جدلاً واسعًا، حيث تُعتبر استفزازًا لسيادة الدنمارك وغرينلاند، ويحذر الخبراء من تصعيد يشبه ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب محاولات فرض السيطرة على جزيرة غرينلاند "بطريقة أو أخرى"، دون أن يأبه لاعتراض كوبنهاغن، المسؤولة عن السيادة عليها، وأغلبية أحزاب الجزيرة القطبية الشمالية، فيما يذهب بعض الخبراء للتحذير من قيام ترامب بضمّ غرينلاند مثلما فعلت روسيا مع شبه جزيرة القرم في 2014.

وتثير التصرفات المرافقة لتصريحات ترامب المتكرّرة منذ عودته إلى البيت الأبيض، امتعاضاً دنماركياً إضافياً، وخصوصاً بعد أن هبط أمس وفد أمني أميركي تحضيراً لزيارة إلى الجزيرة سيقوم بها مستشار الأمن القومي مايك والتز، وزوجة نائب ترامب جي دي فانس، أوشا فانس، دون استشارة أو تنسيق لا مع الدنمارك ولا مع غرينلاند، ما جعلهما تنظران إلى الخطوة بوصفها استمراراً لمزيج نهج ترامب "بالتهديدات والتسويق الساحر لخطته". وكان ترامب قد أرسل بداية العام الحالي ابنه ترامب جونيور، مع بعض المقربين منه، ليوزعوا قبعات "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" وبعض الدولارات على الشباب لتسويق "أمْرَكَة الجزيرة".

ولم تستطع التصريحات والتحركات الأميركية حتى الآن اختراق جدار رفض أغلبية شعب الإنويت (نحو 56 ألف نسمة)، الذين يواصلون التظاهر ضده تحت يافطتَي "غرينلاند ليست للبيع" و"أرحل أيها اليانكي"، وشهد يوم 15 الشهر الحالي تظاهرة هي الأكبر أمام قنصلية واشنطن في العاصمة نووك، كذلك لم تنل تصريحات ترامب من عزيمة رفض الحكومة الدنماركية، مسنودة بموقف حزبي وشعبي واسعين، في رفض العروض والتحركات الأميركية للسيطرة على الجزيرة.

ولا يزال أنصار ترامب في غرينلاند عبارة عن قلّة معزولة، كما أظهرت انتخابات البرلمان المحلي قبل أقل من أسبوعين، إذ خرجت بعدها الأحزاب البرلمانية الخمسة بموقف رافض لرغبات ترامب، ويعتبر هؤلاء أن الزيارة التي تأتي في فترة مفاوضات تشكيل حكومة جديدة، وقبل انتخابات البلدية بداية الشهر القادم، نوعاً من التدخل في الشؤون الداخلية، وتغيراً في سياسات واشنطن التي لا تزور بلداً في غمرة عملية انتخابية، كما صرح عدد من سياسيي الجزيرة، بمن فيهم رئيس حكومتها موتي إيغيد، الذي طالب المجتمع الدولي بالتدخل في وجه محاولات ترامب الاستيلاء على جزيرته.

وزيارة أوشا فانس، التي بررت أمس في واشنطن برغبة حضور السباق السنوي للزلاجات التي تجرها الكلاب، أو "للتعرف على شعب وثقافة غرينلاند"، لم تكن لتثير جدلاً لو أنها جاءت في سياق "سياحي" طبيعي في علاقة الحليفَين، لكنها تتحول إلى إشكالية في سياق مشاركة رجل ترامب مايك والتز، الذي يطلقون عليه في كوبنهاغن "دبلوماسي الحرب"، بسبب معرفتهم بتاريخه ومواقفه بوصفه عسكرياً متشدداً ومذيعاً في محطة فوكس نيوز، وبوصف الزيارة "استفزازاً لسيادة كومنولث مملكة الدنمارك".

وسريعاً أبدى أمس الأحد ساسة الجزيرة ورسميوها، بمن فيهم رؤساء بلديات، من الغرينلانديين والدنماركيين، رفضهم القاطع للاستجابة لمطالب والتز عقد اجتماعات معهم. وخرجت رئيسة حكومة الدنمارك ميتا فريدركسن، بموقف رافض للاستفزاز الأميركي، مشددة للصحافة المحلية على أنها ستتعاون مع واشنطن كحلفاء "ونحن على استعداد دائماً لبذل المزيد من الجهد في العالم الذي نحن جزء منه، لكن حدودنا يجب أن تحترم، ويجب احترام سلامة أراضينا، واحترام الشعب الغرينلاندي أيضاً".

وبالنسبة إلى الدنماركيين وأحزاب غرينلاند فإن جملة ترامب التي يكررها، عن أنه سيسطر على الجزيرة "بطريقة أو أخرى"، تنم عن "عقلية توسعية"، وبعضهم ينعتها بالإمبريالية الاستعمارية. لكنهم أيضاً يدركون أهدافه، إذ يريد بكل وضوح الاستحواذ على ما في باطن الأرض من معادن ومواد خام نادرة، وذلك لأن حليفهم يشعر بقلق من إمكانية قيام الصين بتقييد ورادات المعادن والأتربة النادرة إلى واشنطن.

ومن الواضح أن ما يزيد التوتر في العلاقة أن إبداء كوبنهاغن رغبة بالتعاون مع ترامب، على أساس سيادتها على غرينلاند، لا تلقى تجاوباً كبيراً، فلدى ترامب فلسفة تقوم على أن غرينلاند من المستحيل أن تحافظ على استقلاليتها بوجود مصالح كبرى للصين وروسيا في المنطقة القطبية الشمالية. في المقابل، ذكّرت فريدركسن، ترامب في مناسبات عدة أن وحدة الكومنولث الدنماركي (يضمها مع غرينلاند وجزر الفارو) في خطر، وأن استقلالية غرينلاند مضمونة بسيادتها عليها وبتحالفها الغربي تحت مظلة حلف شمال الأطلسي (ناتو).

اللافت في السجال المندلع اليوم بسبب الزيارة الأميركية إلى غرينلاند (المقررة الخميس القادم وتستمر أياماً) أن النقاشات باتت تحذر من أن الأميركيين يعملون جدياً للقيام بشيء ما للاستيلاء على الجزيرة، إذ حذّر أبرز خبراء القضايا الدفاعية في البلد من أكاديمية الدفاع الدنماركية، كلاوس ماتياسن، من أنّ ما يجري الآن حول غرينلاند "يذكرنا بالفترة التي سبقت ضمّ (روسيا) شبهَ جزيرة القرم"، ويعتقد ماتياسن أن السياسيين الأميركيين "سيأتون تباعاً بأعداد كبيرة، لتقديم وعود بأن غرينلاند ستكون أفضل معهم (بيد الأميركيين)".

ومثل هذا التحذير من تحول مصير غرينلاند إلى ما يشبه مصير جزيرة القرم يعكس معضلة علاقة أميركا-ترامب بالحلفاء الأوروبيين، وفي مقدّمتهم الدنمارك التي تلتقي بواشنطن تحت سقف الحلف الأطلسي منذ تأسيسه، بالإضافة إلى مشاركتها في معظم حروب الأميركيين وتدخلاتهم العسكرية حول العالم، ويبدو أنّ كل ذلك وغيره لم يعد يشفع للدنماركيين حتى يتركَهم الأميركيون ليحافظوا على كومنولث مملكتهم من التقسيم.