استمع إلى الملخص
- التقى نورلاند صدام حفتر لمناقشة حماية سيادة ليبيا وتوحيد المؤسسات الأمنية، بينما استقبل خليفة حفتر نائب وزير الدفاع الروسي لمناقشة مكافحة الإرهاب. تأتي هذه التحركات وسط تقارير عن رغبة واشنطن في زيادة نفوذها.
- يرى الباحثون أن زيارة نورلاند تعكس خطوة جديدة في السياسات الأميركية للضغط على الأنشطة الروسية، مع احتمال تغير النهج في حال وصول إدارة جديدة للبيت الأبيض، وسط تنافس لتحديد مواقع القوة دون تصعيد التوترات.
أعادت الزيارات المتلاحقة لمسؤولين أميركيين وروس إلى جنوب شرق ليبيا، خلال الأيام الماضية، السؤال حول تنافس الجانبين غير المعلن في ليبيا إلى الواجهة، في الوقت الذي أجرى فيه وفد أممي موسع زيارة متزامنة إلى الجنوب. وأنهت القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني خوري، مساء الأمس الأربعاء، زيارة إلى مدينة سبها، جنوبي البلاد، برفقة عدد من ممثلي الوكالات الأممية في مجال الإغاثة والتنمية والإسكان، التقت خلالها مسؤولين في بلدية سبها وأساتذة جامعيين.
وخلال لقاءاتها في سبها، قالت خوري إن زيارتها جاءت "لتؤكد أن المنطقة الجنوبية من بين أولويات الأمم المتحدة"، مضيفة: "لقد حان الوقت لكي يأخذ الليبيون زمام الأمور في حياتهم السياسية.. ولن ندخر أي جهد للعمل معكم جميعاً لدعم التماسك الاجتماعي والسلام الدائم". وفي وقت تُعدّ فيه زيارة خوري هي الزيارة الأممية الأولى منذ سنوات إلى الجنوب، أجرى المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند زيارة إلى سبها الأحد الماضي، التقى خلالها مسؤولي البلدية لبحث "سبل تعزيز الشراكة بين بلدية سبها والوكالة الأميركية للتنمية الدولية في مجال تنمية القطاع الخاص في البلدية"، وفقا لمنشور لبلدية سبها على صفحتها الرسمية.
وخلال الزيارة، التقى نورلاند قائد القوات البرية في قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، صدام حفتر، وناقش معه قضايا حيوية تتعلق بحماية سيادة ليبيا، وتوحيد المؤسسات الأمنية، بحسب بيان لشعبة الإعلام الحربي بقيادة حفتر. والثلاثاء، استقبل خليفة حفتر، برفقة نجله خالد الذي يتولى رئاسة أركان القوات الأمنية، نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف في مكتبه في بنغازي، وناقش معه "سبل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز الجهود المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة".
وتأتي زيارة مسؤولي الجانبين، الأميركي والروسي، بعد أشهر من تداول تقارير حول عزم واشنطن وحلفائها الأوروبيين زيادة نفوذهما في ليبيا، وتعبيرهما عن قلقهما من تنامي النفوذ الروسي الذي يسعى لبناء "الفيلق الأفريقي" بإشراف يفكيروف، الذي زار بنغازي ست مرات منذ أغسطس/ آب 2023، للتمدد نحو دول العمق الأفريقي انطلاقاً من قواعد عسكرية تابعة لحفتر في الجنوب الليبي.
ولا يرى الباحث في الشأن السياسي والأمني عماد أخويط زيارة خوري وفريقها الأممي أكثر من تماهٍ مع الدور الأميركي الساعي للتمدد في الجنوب، مشيراً إلى أن تصريحاتها ونوع لقاءاتها مع المسؤولين الليبيين في الجنوب "جاءت خالية من أي جديد يلفت الانتباه، باستثناء تسجيل الحضور الأممي في الجنوب للقول إن المجتمع الدولي يمكنه التعاون مع مسؤولي الجنوب في إطار خطط العملية السياسية".
ويؤكد أخويط، في حديثه مع "العربي الجديد"، أهمية زيارة نورلاند لاعتبارين، الأول لأنها الأولى من نوعها لمسؤول أميركي رفيع المستوى يزور الجنوب، والثاني لأنها زيارة لا يمكن فصلها عن الأنشطة الروسية في عدد من القواعد العسكرية في الجنوب، ووصولاً إلى الحدود الجنوبية وما بعدها من مجالات أفريقية.
ومن هذه الزاوية، يرى أخويط أن زيارة نورلاند تعكس خطوة جديدة في السياسات الأميركية في الملف الليبي، لافتاً إلى أن "زيارة نورلاند وطبيعة لقاءاته تشيران إلى أن الرؤية الأميركية تستهدف الحضور في ملفين، الأول أمني، والثاني في الاقتصاد والإعمار، ويحقق الاثنان حضوراً أميركياً مهماً للضغط على الأنشطة الروسية ويجعله قريباً منها".
ويذكّر أخويط بأن نورلاند سبق أن التقى بلقاسم حفتر الذي يقود ملف الإعمار في الشرق والجنوب، والآن التقى صدام الذي يقود مليشيات والده في الجنوب، موضحاً أن "واشنطن تحضّر لانتقال أكثر كثافة في الجنوب الليبي، ولوزن الزيارة، بادر يفكيروف بزيارة بنغازي ولقاء حفتر، وهو لقاء لا يمكن فصله أيضاً عن زيارة نورلاند".
ويتحدث أخويط عن موقع حفتر في خريطة الصراع الأميركي والروسي، موضحاً أن حفتر يحاول عدم مواجهة أي من الجانبين، "فقد قسم الأدوار بين أولاده، صدام للتعامل مع واشنطن، وظهر ذلك في لقاءاته العديدة من الأميركيين وآخرها مع نورلاند، وخالد المعروف بقربه من الروس، ويظهر في استقباله الدائم ليفكيروف، أما بلقاسم، فيتعامل في ملف الإعمار مع الجميع"، مشيراً إلى أن تقسيم الأدوار هذا يعكس في بعض جوانبه مخاوف من جانب حفتر، "تلزمه بالتعامل مع الجميع، وتعكس أيضاً غياب الرؤية الواضحة لمستقبل وجوده وقوته".
وفيما ينتهي أخويط إلى أن زيارة نورلاند إلى الجنوب "خطوة جديدة بمثابة البدء نحو اتجاه إعلان حرب باردة مع روسيا"، لا يرى رمضان النفاتي، الأكاديمي وأستاذ العلاقات الدولية، من جانبه، ذلك، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية "ليست في وارد تحديد سياسات خارجية بسبب تغير الرئاسة الأميركية، لا في أشخاصها فقط، بل في رؤاها السياسية التي كان يعبر عنها جو بايدن الديمقراطي، وقريباً ستختلف بوصول دونالد ترامب الجمهوري إلى البيت الأبيض".
ووفق رأي النفاتي، فإن زيارة نورلاند إلى الجنوب تأتي في سياق الضغوط الأميركية على روسيا، موضحاً في حديثه مع "العربي الجديد" أنه "نهج أميركي لم يتغير منذ سنوات طويلة في موقفه الأساسي من موسكو، لكنه في طريقة التعاطي معه قد يتغير في إدارة ترامب لما هو معروف من طريقة تعاملاته السابقة مع موسكو، وقد يحدث تفاهم بأن يتحصل ترامب على وعد روسي بعدم تهديد البحر المتوسط والدول الأوروبية، مقابل تركها للتحرك في أفريقيا وفقاً لاتفاقات معينة".
ويؤكد النفاتي أن واشنطن "ليس من السهل عليها تعويض انسحاب حليفتها باريس من أفريقيا في وقت قريب، ولذا قد تضطر لاتفاقات محددة من الروس النشطين في العمق الأفريقي عبر ليبيا، لانشغال واشنطن بملفات حساسة في أكثر من منطقة في العالم"، وفي الجانب الآخر، يرى أن روسيا "ليست من مصلحتها الدخول في حرب باردة مع الأميركيين في ليبيا، وربما التنافس الحالي بينهما في ليبيا هو لتحديد أكثر المواقع قوة، مثل مواقع الطاقة والحدود الجنوبية، والإبقاء على الوضع على ما هو عليه انتظاراً لحسم ملفات أخرى أكثر حساسية، مثل ملف أوكرانيا".
وينتهي النفاتي إلى أن الزيارة الأممية التي قادتها خوري برفقة عدد من المنظمات الأممية إلى سبها مؤشر تؤدي قراءته إلى اتجاه الجنوب لحضور أممي لضمه إلى مفاوضات سياسية مقبلة، ما يعني عدم اتجاه المنطقة إلى تصعيد مقبل بين قوى كبرى مثل واشنطن وموسكو.