استمع إلى الملخص
- تتصاعد التوترات بين الحكومة الإيطالية والنظام القضائي، حيث تتهم ميلوني القضاة بعرقلة جهودها، وتتعرض القاضية سلفا ألبانو لتهديدات، مما يعكس الاستقطاب المتزايد.
- قرارات محكمة العدل الأوروبية تعرقل خطط ميلوني، حيث لا يمكن اعتبار ألبانيا بلدًا آمنًا، مما يجعل المشروع غير قابل للتنفيذ، وتسعى ميلوني لتغيير الحكم عبر الاستئناف.
تواصل رئيسة حكومة إيطاليا، جيورجيا ميلوني، الآتية من حزب "إخوة إيطاليا" (فراتيلي دي إيتاليا)، المتهم بجذوره شبه الفاشية، فتح النار على القضاء في بلدها وفي أوروبا، بعد أن رفض الأخير منح ميلوني التصرف بحرية مطلقة في قضية نقل طالبي اللجوء نحو مركزي استقبال على الأراضي الألبانية. وكان هدف تشييد المركزين في الأراضي الألبانية، اللذين افتتحا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يهدف إلى نقل طالبي اللجوء "من دول آمنة" لدراسة طلباتهم خارج الاتحاد الأوروبي.
واعتبرت مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، مشروع ميلوني بأنه "مبادرة مهمة" وشيء يمكن لبقية الاتحاد الأوروبي "التعلم منه" لمواجهة تحديات الهجرة واللجوء في القارة. مع ذلك، لم ير القضاء الإيطالي ولا الأوروبي ما تريانه ميلوني وفون دير لاين. فبعد نحو شهرين من إنشاء المراكز، عاد ضباط الشرطة الإيطالية ومئات الموظفين المدنيين، الذين كان يفترض بهم تشغيل المعسكرين، إلى روما في نهاية الأسبوع الماضي. ذلك لأن المركزين لم يستقبلا أكثر من 24 طالب لجوء، نصفهم مصريون. خمسة منهم لم يقضوا على الأراضي الألبانية أكثر من 12 ساعة والباقون 48 ساعة. فمحاكم روما وجدت أنه من غير القانوني احتجازهم في ألبانيا بعد طلبهم اللجوء في إيطاليا. واستندت في قرارها إلى حكم صدر قبل شهرين عن محكمة العدل الأوروبية، التي اعتبرت أنه لا يجوز نقل طالبي اللجوء إلى خارج إيطاليا، ما اضطر روما لإعادتهم إليها.
"القضاة الشيوعيون" يفشلون الخطة
في خلال الشهرين الماضيين، وصل نحو إيطاليا حوالي 6 آلاف لاجئ/مهاجر عبر قوارب البحر الأبيض المتوسط، ووقف مشروع ميلوني يعتبر ضربة قوية لتطبيق وعودها الانتخابية، التي ركزت على "حماية حدود إيطاليا من المهاجرين". إدراكها أن مصداقيتها أصبحت على المحك أمام الشارع يدفعها مع شركائها في الحكم في حزبي "ليغا" و"فورزا إيطاليا" إلى رفع عيار المواجهة مع النظام القضائي في البلاد، حيث أصبحت المحاكم الإيطالية تتهم مع النظام القضائي بـ"الاختطاف من قبل اليسار"، والتحول إلى عصي في عجلة السلطة التنفيذية.
كما يذهب مؤيدو حزبها ميلوني، إخوة إيطاليا، إلى حد اتهام القضاة بأنهم "مرتزقة حمر، يريدون إلغاء حدود إيطاليا"، وبرأيهم فإن القضاة "يعوقون حرية عمل الحكومة المنتخبة ديمقراطياً لمواجهة تحدي الهجرة"، وبالتالي تتواصل عبر السياسة والإعلام لعبة التحريض على سلطة القضاء في البلد، باعتبارها "منحازة سياسياً". وتتعرض القاضية سلفا ألبانو التي حكمت بوقف التسفير إلى ألبانيا لهجمة ضخمة وتهديد بالقتل. وألبانو هي رئيسة جمعية القضاء الديمقراطي، التي تتهم السياسيين بخلق "مناخ استقطابي من الكراهية"، بحيث جعل القضاة هدفاً لهجمات المواطنين الغاضبين.
وتلقى مواقف ميلوني دعماً من شريكيها في الحكم، رغم اختلافهما السياسي. فيشدد وزير الخارجية، أنطونيو تاجاني، القادم من صفوف حزب فورزا إيتاليا (مصنف يمين وسط)، على أنه "لا ينبغي للمحاكم استخدام سلطتها لمنع الحكومة من القيام بعملها". بينما ذهب الشريك الآخر، زعيم حزب ليغا اليميني القومي المتشدد، ماتيو سالفيني، إلى الانسجام مع تحريض ميلوني على القضاة، حين رأى أن "القضاة الشيوعيين يحكمون ضد الإيطاليين وأمنهم، وهم يمثلون مشكلة للبلد"، داعياً إياهم إلى الاستقالة.
وفي المقابل، يعتبر بعض خبراء السياسة الإيطالية أن تزايد استهداف النظام القضائي في روما يشير إلى السمات المناهضة للديمقراطية عند ميلوني. وأشار إلى ذلك في تصريحات صحافية أستاذ السياسة في جامعة سابينزا الإيطالية، ماتيا ديليتي، معتبراً أن ما تقوم به ميلوني هو بمثابة تحد لسلطة القضاء، ومؤشر على أن سياساتها غير ليبرالية. وشدد ديليتي على أن هذه الحكومة "تعتبر النظام القانوني والقضاة عقبة أمام السلطة السياسية، وبالتالي يتوجب محاربتهما لتكون أكثر حرية في التصرف، وذلك يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت تؤمن بالفعل بمبدأ الفصل بين السلطات".
بعض صحف ووسائل إعلام إيطالية ترى أن ما يجري بحق القضاء "حملة مطاردة وشيطنة للمسؤولين عن احترام القانون". وتبث ميلوني وتحالفها القومي على الدوام نظرية المؤامرة لتبرير أن سياساتها غير قادرة بسبب المؤامرات على تقديم الحلول في بعض القضايا، ومنها وعودها الانتخابية بشأن سياسات هجرة/لجوء أكثر تشدداً. وحذر تقرير حديث لمجلس أوروبا من أن "الانتقادات المفرطة للقضاة الأفراد الذين يتعاملون مع قضايا الهجرة، ووجود طبقة سياسية تقوض استقلال المحاكم" يمكن أن تؤدي إلى تآكل النظام القضائي وسلطة القضاة.
دول غير آمنة
لقد أثر قرار "العدل الأوروبية"، في بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي يشير إلى أنه "لا يمكن وصف بلد آمن إلا إذا لم تكن هناك أمثلة على الاضطهاد أو التعذيب أو معاملة غير إنسانية في أي مكان داخل حدوده"، على خطة ميلوني بشأن الهجرة، وذلك لأن روما لن ترسل المهاجرين إلى مراكز اللجوء إلا في حال كانوا قادمين من "البلدان غير الآمنة"، وهو ما يعني أن إيطاليا لن تستطيع إرسال آلاف اللاجئين إلى مركزي الاستقبال في ألبانيا، بسبب أن بلدانهم "غير أمنة"، وبالتالي يصبح مشروع ميلوني "مشروعاً فاشلاً"، بحسب وصف زعيم حزب "أوروبا بلس" ريكاردو ماجي.
وبينما رآه رئيس الوزراء السابق، ماتيو رينزي، بمثابة فشل و"إهدار هائل للمال" (حيث يكلف المشروع نحو 800 مليون يورو للسنوات الخمس القادمة) فإن زعيمة حزب المعارضة في يسار الوسط الديمقراطي الاجتماعي، إيلي شلاين، قالت إنه "مشروع يستوجب الهدم" وإن "على ميلوني تقديم اعتذار للشعب الإيطالي" عن تشييد مركزي استقبال في ألبانيا. لكن بالطبع استأنفت ميلوني أمام محكمة الاستئناف في روما، على أمل تغيير الحكم الذي أوقف مغامرتها تلك.