روسيا والغرب: حروب العقوبات

روسيا والغرب: حروب العقوبات

23 ديسمبر 2020
قال نافالني إن عنصراً في جهاز الأمن الروسي أقر بمحاولة تسميمه (سيرغي فاديتشيف/Getty)
+ الخط -

إذا كان هناك من كلمة يمكن أن توصّف حال العلاقات بين روسيا والغرب، فإنّ "العقوبات" ستلخّص بشكل واضح المشهد، وكيف تسير الأمور بين الطرفين منذ فترة طويلة. وتحاول موسكو التعامل مع عقوبات أوروبية وأميركية تنهال عليها بسبب "سلوكها" عبر الرد بإجراءات مماثلة. ويبدو أنّ هذه الاستراتيجية ستكون أكثر شراسة في عهد الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن، الذي يرى في النظام الروسي تهديداً أمنياً كبيراً، وقد بشّر مبكراً باستخدام سلاح العقوبات ضد موسكو، خصوصاً بعد الهجوم الإلكتروني الكبير الذي جرى الكشف عنه أخيراً واستهدف وكالات حكومية أميركية، وسط توجيه الاتهامات لروسيا بالوقوف خلفه. سياسة فرض العقوبات بين الغرب وروسيا، تتواصل بزخم، وكان آخرها أمس الثلاثاء، إعلان موسكو فرض عقوبات على مسؤولين أوروبيين على خلفية قضية المعارض الروسي ألكسي نافالني الذي تُتهم موسكو بتسميمه.

وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان أمس الثلاثاء إنّ روسيا وسعت قائمتها لمسؤولي الاتحاد الأوروبي الممنوعين من دخول البلاد، رداً على ما وصفته بالعقوبات "غير المقبولة" على موسكو كان تبناها الاتحاد الأوروبي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد التسميم المفترض لنافالني. ويأتي الإعلان الروسي غداة نشر نافالني محادثة هاتفية يؤكد فيها أنه أوقع بعنصر من جهاز الأمن الفيدرالي لروسيا لجعله يعترف بتسميمه. ولم تذكر وزارة الخارجية الروسية المسؤولين المستهدفين بالعقوبات بالاسم، لكنها أُبلغت هذه العقوبات المضادة للممثلين في سفارات فرنسا وألمانيا والسويد الذين تم استدعاؤهم إلى الوزارة أمس بسبب سلوك الدول الثلاث في قضية نافالني. وتقول الدول الثلاث إنها رصدت مادة سامة للأعصاب من نوع نوفيتشوك التي تمّ تطويرها لأغراض عسكرية في الحقبة السوفييتية، في جسم نافالني الذي تلقى العلاج في مستشفى في ألمانيا.

ألمانيا: العقوبات الجديدة التي فرضتها موسكو غير مبررة

واعتبرت الخارجية الروسية أن العقوبات الأوروبية التي استهدفت ستّ شخصيات روسية في أكتوبر الماضي، "بذريعة مشاركتهم المزعومة في الحادثة المرتبطة بالمواطن نافالني، غير مقبولة". وقالت: "سنواصل الرد بالشكل المناسب على التصرفات غير الودية لدول غربية". وفي 15 أكتوبر الماضي، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على 6 مسؤولين روس في أجهزة الاستخبارات والأمن، فضلاً عن المعهد الوطني لأبحاث الكيمياء العضوية والتكنولوجيا، على خلفية قضية تسميم نافالني. وشملت العقوبات مدير جهاز الأمن الفدرالي ألكسندر بورتنيكوف، ونائبي وزير الدفاع بافل بوبوف، وأليكسي كريفوروتشكو، إضافة إلى النائب الأول لرئيس الديوان الرئاسي سيرغي كيريينكو، ورئيس الديوان لشؤون السياسة الداخلية أندريي يارين، والممثل المفوض في سيبيريا سيرغي مينيايلو.

وتعليقاً على العقوبات الروسية الجديدة، اعتبرت ألمانيا أنها "غير مبررة". وأكد مصدر في وزارة الخارجية الألمانية لوكالة "فرانس برس"، أن "هذا النوع من التدابير المضادة الروسية كان موجوداً في الماضي لكنه يبقى غير مبرر من وجهة نظر الحكومة (الألمانية)". وأول من أمس الاثنين، نشر نافالني محادثة تشير إلى أنّ عنصراً في جهاز الأمن الروسي أقر بمحاولة تسميمه. غير أنّ المتحدث باسم الكرميلن ديمتري بيسكوف، اعتبر أمس، تعليقاً على ما نشره المعارض البارز للكرملين، أنّ الأخير يعاني من "أوهام الاضطهاد". وقال بيسكوف للصحافة: "أسمح لنفسي بأن أعبّر عن رأي شخصي: المريض يعاني بوضوح من أوهام الاضطهاد ومن بعض أعراض جنون العظمة".

وأكد نافالني الناشط المناهض للفساد والعدو اللدود للكرملين، أنه أوقع خلال محادثة هاتفية بعنصر في جهاز الأمن الفيدرالي لروسيا الاتحادية "أف أس بي" لجعله يعترف بأنه كان بالفعل ضحية عملية تسميم في الصيف في سيبيريا. ونشر على مدوّنته تسجيلاً للمحادثة مع كونستانتين كودريافتسيف الذي قُدّم على أنه خبير الأسلحة الكيميائية لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي. ولم يقدّم نافالني دليلاً يؤكد هوية محاوره. وندّد جهاز الأمن الفيدرالي لروسيا في أعقاب ذلك بـ"تزوير" و"استفزاز"، فيما رأى بيسكوف أن مثل هذه المناشير "لا يمكنها بالطبع أن تشوّه سمعة أجهزة الأمن الفيدرالي لروسيا الاتحادية"، مضيفاً أن جهاز الـ"أف أس بي" لديه "دور مهمّ جداً: فهو يحمينا من الإرهاب ويقوم بذلك بشكل جيد وبطريقة فعالة".

الكرملين: عقوبات أميركا الجديدة عمل عدائي من إدارة ترامب

وبعيداً عن قضية نافالني، أعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الخميس الماضي، تمديد عقوباته الاقتصادية ضدّ روسيا، بسبب "ممارساتها المزعزعة للاستقرار في أوكرانيا". وأفاد بيان صادر عن مجلس الاتحاد الأوروبي، بأنه تم تمديد العقوبات التي تستهدف الاقتصاد الروسي، لغاية 31 يوليو/ تموز 2021. أما أميركياً، فسياسة العقوبات لم تكن أقل شأناً تجاه موسكو وإن كان الرئيس الخاسر دونالد ترامب، قد حاول خلال ولايته المهادنة مع موسكو ورئيسها فلاديمير بوتين. وتعليقاً على عقوبات جديدة فرضتها الولايات المتحدة على 45 شركة روسية أول من أمس الاثنين، قال الكرملين إن هذه العقوبات، "تمثل عملاً عدائياً جديداً من قبل إدارة ترامب التي توشك على الرحيل وستضر بدرجة أكبر بالعلاقات الهشة بالفعل بين واشنطن وموسكو". ونشرت إدارة ترامب أول من أمس الاثنين قائمة جديدة بأسماء شركات صينية وروسية تزعم أن لها روابط عسكرية، وتمنعها من شراء نطاق واسع من البضائع والتكنولوجيا الأميركية. وقال ديمتري بيسكوف للصحافيين في مؤتمر عبر الهاتف: "كل ركلة مثل هذه تدفعنا بعيداً عن نقطة التطبيع وتزيد من صعوبة الخروج من الحلقة المفرغة المضرة بالعلاقات الثنائية".

يذكر أن من المؤسسات التي أدرجتها واشنطن على قائمتها كتيبة روسيا الجوية الخاصة، ومصانع كبيرة عدة تعمل في تصنيع طائرات وأجهزة فضائية وفي بعض القطاعات الأخرى.
وكانت أعلنت وزارة التجارة الأميركية، يوم الجمعة الماضي كذلك، عن فرض عقوبات على مجموعة من الكيانات والأفراد، بما في ذلك ضد شركتي "كوسموس كومبليكت" و"سوفتيست كومب" الروسيتين ومواطن روسي، معتبرة أن تلك الجهات متورطة في "نشاط يتعارض مع المصالح الأميركية" في ما يخص "الأمن القومي والسياسة الدولية".

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، الأناضول)