Skip to main content
روسيا في "جمهورية الموز" الأسدية
ناصر السهلي
لا يمكن لعاقل تصديق حرص موسكو على عودة السوريين (Getty)

اختزلت "الزيارة" الأخيرة لرأس نظام دمشق، بشار الأسد، إلى موسكو، وما رافقها من حديث للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نتائج 6 سنوات من التدخل العسكري لإنقاذ النظام، سعياً لمصالح روسية خالصة، بتحويل البلد إلى "جمهورية موز" تابعة لها. فحديث الأسد المفتعل عن واقع سورية "المنتصرة" لا يؤشر فقط إلى ديمومة حالة الإنكار التي يعيشها نظامه، بل إلى أي دور وظيفي حول بلده في استراتيجية حصول حُماته على ما يسمى "موطئ قدم" على شواطئ المتوسط.
التفجع الكاذب حول اللاجئين السوريين لا يقابله حجماً سوى ذلك الحديث عن "السيادة السورية"، من طرف تفاخر بتحويل البلد إلى حقل تجارب للسلاح الروسي ومشاريع هيمنة إيرانية، وهو لا يستهدف سوى جذب المال وتطبيع وضع النظام إقليمياً وطمس معالم الجرائم، عبر محاولة إظهار أن لجوء ونزوح الملايين حصل بسبب كوارث طبيعية، وليس بفعل تدمير ممنهج ومقصود لتفريغ المدن من سكانها، ثم تهديدهم بألا يفكروا بالعودة وإلا "فالانتقام ينتظرهم"، بعد وصلات من التخوين واتهام بالعمالة والتآمر، والتحريض عليهم في بلدان اللجوء، القريبة والبعيدة.
بالتأكيد يعرف بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، من خلال مندوبيهما في قاعدة "حميميم" وممثليهما في دمشق، أن قلة من السوريين والعرب يشترون شعاراتهما "الإنسانية". يكفي النظر لممارسة عسكريي روسيا بتدمير "مقبرة الشهداء" الفلسطينيين في مخيم اليرموك جنوب دمشق، بحثاً عن رفات جنود الاحتلال الإسرائيلي، ومنع سكانه منه، ليدرك المرء أن حالة التفجع الزائف حول عودة الناس إلى مناطقها مجرد كذبة أخرى، في سياق أوسع من التهجير وتغيير السكان، كما حدث أخيراً في درعا البلد.
فلا يمكن لعاقل أن يصدق حرص موسكو على عودة السوريين، رغم مسرحيات شرطتها العسكرية في ملاحقة ناهبي بيوت السوريين، المسماة باللغة الدارجة "تعفيشاً"، مع استمرار القصف اليومي الذي لا يستثني مخيمات البؤس للمهجرين والنازحين في الشمال السوري، ودعم سيطرة مليشياوية تفرغ البلاد من أصحابها. ببساطة شديدة، فإن إظهار "حرص" على عودة اللاجئين يعد من أكبر عمليات الانتحال والاحتيال لتحصيل مكاسب روسية، جراء رعاية كل التدمير والإجرام الذي أدى بالأساس إلى تهجيرهم، ووقوف مئات الآلاف في طوابير الهجرة يأساً من واقع يزداد مأساوية. تحذير "العفو الدولية" ولجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة من المصائر الدموية للعائدين تعززها يوميات السوريين العاديين، الذين يستشعرون حقيقة تحول بلدهم إلى بلد انتداب محتل، برعاية الكرملين وحمايته بـ"السوخوي" مرتزقة متعددي الجنسيات.