روسيا تكثف هجماتها لاستعادة كورسك... حرمان كييف من ورقة تفاوض محتملة
استمع إلى الملخص
- التحديات الأوكرانية والضغوط الدولية: تواجه أوكرانيا حصارًا في كورسك، مع ضغوط دولية، خاصة من الولايات المتحدة، للمضي في اتفاق سلام، بينما تستفيد روسيا من الخلافات الأمريكية الأوكرانية.
- التداعيات الاستراتيجية والتكتيكية: خسائر أوكرانيا في كورسك ودونيتسك ولوغانسك تضعف موقفها التفاوضي، مع ضغوط إدارة ترامب على زيلينسكي للتفاوض، مما يعكس تحديات الحفاظ على الدعم الدولي واستعادة الأراضي.
تزامناً مع مواصلة الجيش الروسي توجيه ضربات باستخدام الصواريخ البالستية والمجنّحة والمسيّرات ضد أهداف أوكرانية في معظم مناطق جنوب وشرق البلاد وبنى تحتية في مناطق أخرى، بدا أن تركيز وزارة الدفاع الروسية ينصبّ منذ مطلع الشهر الحالي على استعادة كورسك لحرمان أوكرانيا من استخدام ورقة الأراضي المحتلة داخل روسيا في أي مفاوضات محتملة لإنهاء الحرب، تتبع وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار زاد الحديث عنه في الأيام الأخيرة.
وفي وقت مبكر من فجر أمس الأحد أكدت وزارة الدفاع الأوكرانية الأنباء عن هجوم القوات الخاصة الروسية لاستعادة بلدة سودجا في كورسك، باستخدام أنابيب نقل الغاز الروسي إلى أوروبا والمتوقفة منذ مطلع العام الحالي. وذكرت الوزارة، في بيان، أن القوات الأوكرانية المنتشرة في سودجا قضت على مجموعة للقوات الخاصة الروسية تسللت عبر خط نقل الغاز الطبيعي المتجه نحو البلدة. ولم تكشف وزارة الدفاع الأوكرانية عن أي تفاصيل أخرى. وكانت مواقع أوكرانية وروسية ذكرت، منذ صباح السبت الماضي، أن القوات الروسية أطلقت هجوماً لاستعادة سودجا، وأن التقدم الروسي يمكن أن يتسبب في قطع طريق الإمدادات الرئيسي من أوكرانيا، ومحاصرة قرابة 10 آلاف جندي أوكراني في الأراضي الروسية.
وكانت هيئة الأركان الأوكرانية ذكرت، على موقعها على تليغرام أول من أمس، أن قواتها صدت 12 هجوماً في منطقة كورسك، وأن هناك 14 نقطة اشتباك متواصلة في المنطقة. وكانت مواقع روسية وأوكرانية من ضمنها "أوكراينسكايا برافدا" ذكرت أن 100 جندي روسي من القوات الخاصة تسللوا عبر خط أنابيب الغاز الروسي المتجه نحو أوروبا عبر سودجا والذي توقف عن العمل منذ مطلع العام الحالي، وأنه تم استهداف الخط وإيقاف تقدم الجنود الروس.
القوات الروسية تستعيد قرية في كورسك
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان أمس الأحد، أنها استعادت السيطرة على قرية ليبيديفكا في منطقة كورسك الروسية، كما استولت على قرية نوفينكي في منطقة سومي الحدودية الأوكرانية. ولم يكن للقوات الروسية وجود كبير في سومي منذ إبريل/نيسان 2022، بالتزامن مع انسحابها من المنطقة الحدودية لتعزيز صفوفها في شرق أوكرانيا.
تقلصت مساحة الأراضي الخاضعة لسيطرة أوكرانيا في كورسك بنحو 20% في أقل من ثلاثة أسابيع
ومساء السبت الماضي، أعلن قائد قوات "أخمات" الخاصة، الجنرال أبتي علاء الدينوف، أن الجيش الروسي أطلق هجوماً واسع النطاق في منطقة كورسك. وذكر أن قوات "الشمال" تحركت على كل خطوط الجبهة مع القوات الأوكرانية المتمركزة في مقاطعة كورسك. وقال علاء الدينوف، في مقطع فيديو نشره في قناته على تليغرام: "قرر جنودنا الروس من جميع الوحدات تقديم هدية لنسائنا... في جميع اتجاهات قسم كورسك من الجبهة، شنت جميع الوحدات هجوماً واسع النطاق". وذكر أن القوات الروسية تتقدم "بشكل جيد للغاية"، ما أجبر القوات المسلحة الأوكرانية على التخلي عن مواقعها. وشدد على أنه "سنهزم العدو ونجعله يندم على مجيئه إلى وطننا".
ومعلوم أن القوات الأوكرانية شنت هجوماً خاطفاً على منطقة كورسك في أغسطس/آب الماضي، واحتلت قرابة 1200 كيلومتر مربع من الأراضي الروسية. وتتواصل المعارك في المنطقة منذ الصيف الماضي. وقالت وزارة الدفاع الروسية في يناير/كانون الثاني الماضي إن القوات الروسية استعادت السيطرة على 803 كيلومترات مربعة، أي قرابة 63% من الأراضي التي احتلتها أوكرانيا. ومساء أول من أمس السبت، أفاد بيان لوزارة الدفاع بأن الجيش حرر قرى فيكتوروفكا ونيكولايفكا وستارايا سوروتشينا شمال بلدة سودجا في منطقة كورسك. وقال المراسل العسكري في القناة الروسية الرسمية يفغيني بودوبني في تسجيل على "تليغرام"، السبت الماضي، إن وحدات من الجيش الروسي بدأت هجوماً على مدينة سودجا، مضيفاً أنه "على ما يبدو فإن عملية تحرير منطقة كورسك دخلت مرحلتها النهائية".
وتقلصت مساحة الأراضي الخاضعة لسيطرة أوكرانيا بنحو 20% في أقل من ثلاثة أسابيع، حسب بيانات موقع "ديب ستيت" المقرب من وزارة الدفاع الأوكرانية يوم السبت. ولم يحدد الموقع مساحة الأراضي التي ظلت تحت سيطرة الجيش الأوكراني، لكن تقريراً سابقاً للموقع في 4 مارس/آذار الحالي قال إن أوكرانيا فقدت السيطرة في يومين على أكثر من 41 كيلومتراً من الأراضي التي كانت تسيطر عليها في كورسك، وأن القوات الأوكرانية تحكم السيطرة حينها على 364 كيلومتراً مربعاً في مقاطعة كورسك، بينما تبلغ المساحة الإجمالية لمنطقة القتال 554 كيلومتراً مربعاً. وبناء على تقارير الموقع، فإن أوكرانيا تسيطر حتى أمس الأحد على ما لا يزيد عن 328 كيلومتراً مربعاً من أراضي كورسك، علماً أن سيطرتها وصلت في أغسطس/آب الماضي إلى قرابة 1200 كيلومتر مربع.
وقال معهد دراسة الحرب، الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له، في تقرير الجمعة الماضي، إن "القوات الروسية تكثف عملياتها الهجومية في مناطق مختارة على الخطوط الأمامية، على الأرجح من أجل الاستفادة من أي تأثيرات فورية وطويلة الأمد على ساحة المعركة، بسبب وقف المساعدات الأميركية لأوكرانيا". وجاءت هذه التطورات في وقت يضغط فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أوكرانيا للمضي قدماً في اتفاق السلام، وسط إشارات إلى أن الكرملين سيكون على استعداد لقبول هدنة مؤقتة في ظل ظروف معينة. ومن المنتظر أن يعقد مسؤولون أميركيون وأوكرانيون لقاء في السعودية، غداً الثلاثاء، في محاولة لتحسين العلاقات واستئناف صادرات الأسلحة الأميركية لأوكرانيا، وعودة التنسيق الاستخباراتي، التي علّقها ترامب بعد السجال الشهير مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام الكاميرات في المكتب البيضاوي في 28 فبراير/شباط الماضي.
وتدهور الوضع في منطقة كورسك في أوكرانيا بشكل حاد خلال الأيام القليلة الماضية. وتمكنت القوات الروسية من تقسيم الوحدات الأوكرانية عملياً، ما أدى إلى قطع المجموعة الرئيسية عن خط إمداد رئيسي. وحسب موقع "ديب ستيت"، فإن ثلاثة أرباع القوات الأوكرانية المنتشرة في كورسك كانت عرضة للحصار بحلول يوم الجمعة الماضي، موضحاً أن طريق الإمداد الرئيسي عبارة عن ممر بري ضيق يبلغ طوله نحو كيلومتر واحد وعرضه أقل من 500 متر، يقع تحت نيران المدفعية الروسية.
وأشار المحلل العسكري الأوكراني نيكولاي بيلسكوف، في تعليق لموقع "بوليتيكو" أخيراً، إلى أنه إذا تم قطع الاتصال اللوجستي في النهاية، فسوف تضطر القوات المسلحة الأوكرانية إلى التراجع. وحسب مصادر مجلة "تلغراف"، فإن ما يصل إلى 10 آلاف جندي أوكراني كانوا معرّضين لخطر الحصار في منطقة كورسك حتى يوم الجمعة. ومن الواضح أن التقدم الروسي في كورسك لم يكن على خلفية توقف الأسلحة الأميركية، نظراً لوجود مخزونات تكفي لعدة شهور في مجال القذائف والصواريخ في ظروف القتال الحالية، والأرجح أن السبب يعود إلى قرار الإدارة الأميركية وقف التعاون الاستخباراتي وتعليق نقل البيانات العسكرية إلى أوكرانيا مؤقتاً.
موسكو تريد الدخول في أي مفاوضات مع تثبيت رواية أن أوكرانيا تزداد ضعفاً تدريجياً
ورغم الوضع الخطير للقوات الأوكرانية في كورسك، يبدو أن زيلينسكي وقيادات الجيش فضلوا خيار الاحتفاظ بأي قطعة أرض في المنطقة إلى النهاية لاستخدامها في أي مفاوضات مقبلة، ولكن تطور الأحداث السريع قد يجبر كييف على الانسحاب في نهاية المطاف. وحسب تقارير الصحافة الأوكرانية في اليومين الأخيرين، فقد حقق الجيش الروسي نجاحات في الأيام الأخيرة، بفضل الاستخدام النشط للقوات الكورية الشمالية وطائرات بدون طيار تعمل بالألياف الضوئية. وأوضح مقاتلون أوكرانيون، في تعليقات مع صحيفة نيويورك تايمز، أخيراً، أن الجنود الكوريين الشماليين يهجمون في مجموعات، عدد كل واحدة منها 50 جندياً مقابل ستة مقاتلين أوكرانيين، وفي ظل عدم التوازن والتجهيز الأفضل للكوريين الشماليين تضطر الوحدات الأوكرانية للانسحاب بعد خسارات في صفوفها.
تأثير معارك كورسك
وتكشف المتابعة اليومية لوقائع الحرب أن تركيز الجيش الروسي في الأسابيع الأخيرة انصب على توجيه ضربات للبنى العسكرية والبنى التحتية للطاقة في مناطق من أوكرانيا عبر ضربات بالصواريخ البالستية والمجنحة. وبرياً، بدا أن الجيش الروسي خفف من وتيرة هجماته المكلفة بشرياً في دونباس جنوب شرق أوكرانيا مقابل زيادة الهجمات لاستعادة كورسك عبر هجمات مباشرة، ومحاولات لتطويق الأوكرانيين وإجبارهم على الانسحاب إلى مقاطعة سومي الأوكرانية.
وواضح أن هذا التكتيك يتوافق مع توقعات بأن الخطوة المقبلة لترامب تكمن في الكشف عن خطة للسلام تبدأ بتجميد القتال عند خطوط التماس للجيشين الروسي والأوكراني. وفي هذه الحالة، فإن روسيا لا تريد أن تجبر على عملية تبادل للأراضي. ومؤكد أن موسكو تريد الدخول في أي مفاوضات مع تثبيت رواية أن أوكرانيا تزداد ضعفاً تدريجياً، وباتت أقل قدرة على الاستمرار في الحرب، مقابل استعداد الجيش الروسي للاستمرار حتى تحقيق الأهداف. وبدا أن روسيا انتهزت الخلافات الأميركية ــ الأوكرانية وتراجع الروح المعنوية للجنود الأوكرانيين لشن هجوم مضاد واسع في كورسك.
وبعد نحو سبعة شهور من الهجوم الأوكراني المباغت على كورسك، تتبدد المكاسب التي حققتها أوكرانيا من هجوم ناجح تكتيكياً، لكنه انقلب خسارة استراتيجية عبر تسارع خسارة الأراضي في دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا، وعدم القدرة على الحفاظ على مساحات واسعة من كورسك لاستخدامها للمقايضة. ويبدو أن أوكرانيا فشلت في هدف آخر، وهو أن النجاح في هجوم كورسك سيدفع الولايات المتحدة والأوروبيين إلى تقديم مزيد من الدعم العسكري والسماح لها باستخدام أسلحة وصواريخ بعيدة المدى كان يمكن أن تغير مسار الحرب استباقاً لقدوم ترامب. وفي حين أن نجاح الهجوم الخاطف على كورسك الصيف الماضي أثبت ضعف الجيش الروسي، وأحرج الرئيس فلاديمير بوتين شعبياً، بعد نجاح دولة أجنبية من احتلال أراضٍ روسية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، والتسبب في موجة من اللاجئين من كورسك باتجاه الداخل الروسي، ومنح الأوكرانيين وداعمي زيلينسكي شحنة معنوية كبيرة، فإن خسارة كورسك سوف تضعف موقف أوكرانيا التفاوضي في ظل إدارة ترامب التي مارست ضغوطا كبيرة على زيلينسكي لإجلاسه على الطاولة.