روبوتات غزة... تدمير شامل بصفر خسائر للاحتلال

27 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 04:12 (توقيت القدس)
في مدينة غزة، 25 أغسطس 2025 (خميس الريفي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استخدام الروبوتات المتفجرة: لجأ جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى استخدام الروبوتات المتفجرة في غزة لتقليل الخسائر البشرية وتدمير البنى التحتية للمقاومة، مما يثير الخوف بين السكان بسبب شدة الانفجارات.

- تكتيكات عسكرية جديدة: اعتمد الاحتلال على تكتيكات مثل تفخيخ المنازل بالطائرات المسيّرة واستخدام المدرعات الانتحارية لتفريغ مدينة غزة من سكانها واحتلالها.

- تحديات لوجستية ومالية: يواجه الجيش الإسرائيلي تحديات تشمل نقص القذائف وقطع الغيار، وضغوط مالية تؤثر على صفقات التسليح، رغم الدعم من الولايات المتحدة وأوروبا.

مع تصاعد وتيرة عمليات النسف والتفجير التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي للمنازل في المناطق الشرقية والشمالية والجنوبية من مدينة غزة، يبرز استخدام الروبوتات المتفجرة بشكل أساسي، على غرار ما جرى في مخيم جباليا ومناطق شمال القطاع في أوقات سابقة من العدوان المتواصل على القطاع، وذلك تمهيداً على ما يبدو للسيطرة النارية واحتلال المدينة التي يقطنها نحو مليون فلسطيني. هذه الروبوتات تُحدث أصوات انفجارات قوية يصل صداها عشرات الكيلومترات، وفي أحيان كثيرة يسمع دوي الانفجارات من مناطق في الضفة الغربية المحتلة ومستوطنات غلاف غزة جراء الكتلة النارية الضخمة المستخدمة في عمليات النسف. وعادة ما يستخدم الاحتلال هذه الروبوتات مساء وتحديداً بعد منتصف الليل ما يثير الخوف والقلق في أوساط الفلسطينيين نظراً لشدة الانفجارات وشكل كتلة اللهب التي تنبعث نتيجة عمليات التفجير. ولا يستهدف الاحتلال من استخدام هذه الروبوتات إثارة الخوف في صفوف الغزيين وإحداث أثر ردعي فقط، بل يسعى لتقليل الخسائر في صفوف جنوده عبر تجنّب الزج بهم على الأرض لتنفيذ عمليات تفجير الأنفاق والبنى التحصينية للمقاومة، مستفيداً من هذه الروبوتات بديلا لهم.

روبوتات غزة منذ بداية الحرب

وظهرت الروبوتات بشكل واضح في أعقاب بداية العملية البرية الأولى أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث يستخدمها الاحتلال لحماية جنوده وتدمير أي منزل أو تجمع يخشى فيه من تحريك قواته على الأرض. وسبق أن دمر الاحتلال آلاف المنازل عبر تفجيرها بالروبوتات المتفجرة منذ بداية الحرب المستمرة للشهر الثالث والعشرين في ظل تعثّر الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب.

وخلال الفترة الأخيرة، عمد الاحتلال إلى استخدام طريقة جديدة في عمليات نسف المنازل وتفجيرها، تقوم على تفخيخ المنازل بالطائرات المسيّرة "كواد كابتر" ثم إلقاء ما يشبه صندوقاً متفجراً يؤدي لتفجير المكان المستهدف. وتكررت هذه الطريقة مرات عديدة، لا سيما في مناطق مدينة غزة التي يسعى الجيش الإسرائيلي لاحتلالها بعد تفريغها من السكان ضمن الخطة المعلنة من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لحسم الحرب.

دمر الاحتلال آلاف المنازل عبر تفجيرها بالروبوتات منذ بداية الحرب على غزة

وقالت الفلسطينية عبير المقيد إن أصوات تفجير الروبوتات التي يقوم بها الاحتلال مرعبة للغاية وتحدث أصوات انفجارات شديدة، وإن غالبية عمليات التفجير تتم في ساعات الليل التي يخف فيها ضجيج حركة الناس. وأضافت المقيد لـ"العربي الجديد": "ما الذنب الذي ارتكبه الأطفال ليسمعوا هذه الأصوات والانفجارات الهائلة التي لا تتوقف بالمطلق (...) تعبنا يا عالم ولا بد لهذه الحرب أن تتوقف بشكل فوري". وأبدت خشيتها من أن تتسع وتيرة العمليات العسكرية بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة ما قد يدفعهم لتكرار تجربة النزوح في ظل تعاظم عمليات القصف والاستهدافات التي تطاول مدينة غزة.

أما الفلسطيني أحمد عبد العال، فذكر أن الاحتلال لم يعد يكتفي بعمليات النسف والتفخيخ التي تتم عبر الروبوتات المتفجرة، وإنما بات يلجأ لاستخدام "كواد كابتر" في تفجير المنازل بعد تفخيخها بطريقة معينة. وقال عبد العال لـ"العربي الجديد" إن "الاحتلال لم يعد يوفر أي طريقة أو سيلة لتدمير المنازل والمنشآت، سواء بالقصف الجوي أو عبر الروبوتات أو حتى من خلال الطائرات المسيّرة"، مشيراً إلى أن مدينة غزة تشهد عدواناً متصاعداً. وأوضح أن دوي الانفجارات الصادر عن هذه التفجيرات والآليات مرتفع للغاية وعادة ما يستخدمه الاحتلال في وقت متأخر من الليل ويستهدف فيه تعزيز حالة الخوف والرعب في صفوف الأهالي مع حديثه عن توسيع العملية في مدينة غزة.

تدمير واسع للبنية التحتية

وعن ذلك، قال الباحث في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة، لـ"العربي الجديد"، إن الجيش الإسرائيلي استخدم خلال عدوانه على قطاع غزة نوعين من الروبوتات المتفجرة، الأول عبارة عن مركبات مجنزرة قديمة من نوع أم 113 (M113) جرى تعديلها لتعمل من دون طاقم، وتحميلها بأطنان من المتفجرات، ليتم تسييرها عن بُعد وتفجيرها داخل الأحياء أو المباني بالتزامن مع تقدم قوات المشاة. وأضاف أبو زبيدة أن النوع الثاني يتمثل في روبوتات أرضية صغيرة، بعضها مخصص لإزالة العبوات، فيما يُحمَّل بعضها الآخر بمتفجرات تُدفع داخل الأزقة والمباني أو عند مداخل الأنفاق. وأوضح أن هذه الروبوتات تحمل شحنات تفجيرية موجّهة، وأدت انفجاراتها في كثير من الحالات إلى تدمير عدة منازل دفعة واحدة في المناطق المكتظة.

رامي أبو زبيدة: يسعى الاحتلال من هذا الأسلوب لتقليل الخسائر في صفوف جنوده، وإحداث أثر نفسي وردعي

وأشار أبو زبيدة إلى أن أول ظهور علني لهذه الروبوتات كان في مايو/أيار 2024 خلال العمليات في جباليا، حيث سُجلت انفجارات متسلسلة بفعل آليات مُسيّرة عن بُعد، ومع اتساع رقعة العمليات، جرى رصد استخدامها في مناطق مختلفة شمالاً وجنوباً، وصولاً إلى أحياء الزيتون ومحيط المستشفيات. وأوضح أن آلية عمل هذه الروبوتات تقوم على دفعها محمّلة بالمتفجرات إلى أهداف محددة مثل الأزقة الضيقة أو المباني المتلاصقة أو مداخل الأنفاق، وأحياناً يتم تسييرها عمداً فوق مسارات يُشتبه بأنها مفخخة بهدف تفجيرها مسبقاً وكشفها قبل دخول القوات. وبيّن أن استخدام هذه الروبوتات أدى عملياً إلى انهيارات متسلسلة في مبانٍ سكنية وإلى تدمير واسع للبنية التحتية، فضلاً عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، بينهم طواقم طبية، خصوصاً عندما استُخدمت قرب المستشفيات والمرافق الصحية. ولفت الباحث في الشأن العسكري إلى أن الاحتلال لجأ إلى هذا الأسلوب بهدف تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: تقليل الخسائر في صفوف جنوده، تفجير الأنفاق والبنى التحصينية لفتح ممرات أمام الدبابات، وإحداث أثر نفسي وردعي عبر تفجير مساحات واسعة دفعة واحدة.

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم إن من أبرز التكتيكات التي تلجأ إليها قوات المشاة الإسرائيلية في الحرب على غزة استخدام ما يسمى "المدرعات الانتحارية"، موضحاً أن مهندسي سلاح الهندسة القتالية يقومون بتحويل مدرعات قديمة من نوع M113 للتحكم بها عن بُعد، بعد أن يتم ملؤها بكميات كبيرة من المتفجرات، ثم دفعها نحو الهدف لتفجيرها. وأضاف إبراهيم لـ"العربي الجديد" أن هذه الآليات كثيراً ما تواجه أعطالاً فنية، فقد وقعت حوادث قبل الهدنة الأخيرة حين أُرسلت مدرعة مفخخة لكن آلية التفجير تعطلت، ما اضطر الجنود إلى الاقتراب منها يدوياً لمعالجة الخلل، وهو ما عرّض حياتهم للخطر.

مصطفى إبراهيم: أبرز التكتيكات التي تلجأ إليها قوات المشاة الإسرائيلية استخدام ما يسمى "المدرعات الانتحارية"

وأشار إلى أن نقص الإمكانيات لا يقتصر على وحدات المشاة فحسب، بل يطاول أيضاً سلاح المدرعات، مشيراً إلى قول ضباط إسرائيليين إن الجيش يواجه نقصاً في القذائف وقطع الغيار الأساسية مثل سلاسل الدبابات والمسامير وحتى المحركات، في ظل تراجع عمليات الصيانة الدورية منذ بداية الحرب. وأكد أن الحظر الألماني على تزويد إسرائيل بقطع غيار لدبابات "ليوبارد" ساهم في تفاقم الأزمة، وهو ما انعكس في طلبات استغاثة نشرتها وحدات إسرائيلية على شبكات التواصل الاجتماعي لشراء سترات واقية وخوذ ومعدات أساسية.

وأوضح إبراهيم أن القيود المالية ظهرت بوضوح في صفقات وزارة الحرب الإسرائيلية الأخيرة، إذ جرى الإعلان عن تسريع إنتاج دبابات ميركافا ومدرعات نمر وإيتان بكلفة تجاوزت خمس مليارات شيكل (نحو مليار و485 مليون دولار)، إلى جانب شراء طائرات تزويد بالوقود من الولايات المتحدة بقيمة نصف مليار دولار، بالإضافة إلى آلاف الطائرات الصغيرة بدون طيار من شركة إسرائيلية محلية بتكلفة منخفضة. وبيّن أن هذه الطائرات محدودة الإمكانات، بلا ذكاء اصطناعي أو قدرات متقدمة، ما يعكس ضغوط الميزانية على الجيش. ولفت إلى أن هذه المعطيات، إلى جانب الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي يتعرض لها الجيش، قد تكون جزءاً من الضغوط غير المعلنة لوقف الحرب، فإسرائيل لا تعاني فعلياً من نقص الدعم المالي أو التسليحي بفضل الدعم الأميركي والأوروبي، وإنما من إشكاليات إدارة الحرب وتوزيع الموارد، وهو ما ينعكس في الفجوة المتزايدة بين قدرات الجيش على الورق وبين أدائه على الأرض.

المساهمون