رهانات داخلية وخارجية على المحكمة الدستورية في تونس

رهانات داخلية وخارجية على المحكمة الدستورية في تونس

29 يونيو 2021
البرلمان أرجأ الجلسة المتعلقة بالمحكمة الدستورية (Getty)
+ الخط -

أثار إلغاء مكتب البرلمان التونسي، جلسة كانت مقررة اليوم الثلاثاء، للتداول بشأن امتناع الرئيس قيس سعيّد عن ختم القوانين، وفي مقدّمتها مشروع القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية، خلافاً بين من اعتبروا أن الخطوة تتعارض مع المطالب الداخلية والخارجية الخاصة بالمحكمة الدستورية، وآخرين رأوا أن التأجيل جنب البرلمان مشاحنات هو في غنى عنها لا سيما بعد اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس برئيس البرلمان راشد الغنوشي بعد قطيعة دامت حوالي 6 أشهر.
واعتبر مراقبون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إلغاء هذه الجلسة جنّب البرلمان مزيداً من المشاحنات مع رئيس الدولة وقطع الطريق أمام جلسة سياسية مشحونة كانت ستخصص لمحاكمة سعيّد بسبب تعطيله إصدار القوانين.
ورجح أن يكون لقاء سعيّد والغنوشي أحد أسباب إلغاء هذه الجلسة، فبالرغم من عدم اتضاح معالمه ونتائجه إلى حد الآن، فإن مجرد لقائهما كان بمثابة إذابةِ الجليد بينهما، ولم يعد الغنوشي مستعدا للعودة إلى نقطة أسوأ من مربع البداية.
وعاد الحديث عن المحكمة الدستورية بقوة هذه الأيام في تونس، في انتظار جلسة الأسبوع المقبلة التي ستحاول استكمال انتخاب ثلاثة أعضاء بأغلبية 145 صوتاً، بعدما رفض سعيّد توقيع التعديل الذي كان يتيح الانتخاب بـ131 صوتاً فقط.

ولكن الجدل الدائر هذه الأيام عن المحكمة الدستورية لا يتعلق بقدرة الكتل أو عدمها على جمع هذه الأصوات، وإنما بالضغط الدولي على تونس لاستكمال المؤسسات الدستورية، وعلى الرغم من أن هذا الموضوع ليس جديداً فقد تمت إثارته من جديد بعد الاجتماع الافتراضي الذي جرى بين رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، ونائبة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان، الجمعة الماضي.
وخلال اللقاء الافتراضي، أكّد المشيشي حرص حكومته على "دعم الاستقرار السياسي في تونس واستكمال بناء المؤسسات الدستورية والعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين بمساعدة حلفائها الاستراتيجيين"، مشيراً إلى "رغبة البلدين في بناء علاقات تنمية متكاملة والارتقاء بها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والمثمرة خدمةً لمصلحة البلدين".
من جهتها، أكدت نائبة وزير الخارجية الأميركية، في بيان، أن "الولايات المتحدة حليف استراتيجي ومهم لتونس"، وأن بلادها "تعمل على تعزيز علاقات التعاون في مختلف المجالات".
وأبرزت في هذا الإطار "أهمية تركيز المحكمة الدستورية والعمل على ضمان الاستقرار السياسي وإنجاح المسار الديمقراطي". 
وأفادت الدبلوماسية الأميركية بأن بلادها "تعمل على مساعدة تونس في المجالات الاقتصادية والمالية والصحية"، مشيرة إلى "مواصلة دعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، ما من شأنه أن يوفّر التنمية ويحقق التوازنات المالية للبلاد، إلى جانب تأمين لقاحات لفيروس كورونا".
وتساءل كثيرون في تونس عن هذا الربط بين الدعم الاقتصادي والصحي الأميركي لتونس واستكمال المؤسسات الدستورية، علاوة على عدم تكافؤ الاجتماع دبلوماسياً، وغياب وزير الخارجية التونسي، بما يفهم أنه تدخل مباشر لحث الفرقاء في تونس على بحث توافق لوضع المحكمة الدستورية بعد سنوات من التعطيل وفشلهم في ذلك.
وذكّر هذا الاجتماع بآخر مماثل، عندما تلقى الرئيس التونسي قيس سعيّد اتصالاً هاتفياً من نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، استعرضا خلاله الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية في تونس.
وبحسب بيان صادر عن البيت الأبيض، فإن الطرفين جددا التأكيد على أهمية المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون ومحاربة الفساد، كما أكدت هاريس التزام الولايات المتحدة المستمر بدعم الديمقراطية في تونس.
ومن قبلها تغريدة رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، عقب لقائه بسعيّد الذي قام بزيارة إلى بروكسيل التقى خلالها بعدد من المسؤولين الأوروبيين.
وقال شارل ميشال: "لقد أكدت للرئيس سعيّد دعم الاتحاد الأوروبي الثابت لتونس لاستكمال انتقالها الديمقراطي، وهذا يتم بحوار سياسي هادئ".

وفي حين يرى عدد من المراقبين أن كل هذه الاجتماعات الدولية تعكس قلقاً إيجابياً بشأن الأوضاع في تونس ومخاوف من تعثر التجربة الديمقراطية التي يراهن عليها كثيرون في العالم، يرى آخرون أن هذا تدخل مباشر في الشأن التونسي ولا يمكن اعتباره إيجابياً بأي شكل من الأشكال. 
وفي الشأن نفسه، رأت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة الشأن البرلماني، منى كريم الدريدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الملاحظات الواردة على تونس من قبل دول أو منظمات حول ضرورة إرساء المحكمة الدستورية وإنجاح المسار الديمقراطي لا ترتقي إلى مستوى التدخل في الشأن الداخلي للبلاد، فمن الطبيعي في نظام ديمقراطي وتعددي وبعدما أخذت تونس خيار الانفتاح على العالم أن تكون محل اهتمام المجتمع الدولي".
وأشارت إلى أن "الملاحظات أو التوصيات التي ترفعها المنظمات الحقوقية وغير الحكومية والأممية ليست تعليمات وأوامر للحكومات تستوجب تطبيقها، وهو آخر معمول به في الأنظمة الديمقراطية على عكس الأنظمة الاستبدادية والتسلطية التي لا تقبل ولا تتعاطى مع المنظمات ولا تقبل النصائح".
وأضافت أنه "من الأولى أن تنكب السلطات التونسية على تركيز المحكمة الدستورية بدل إضاعة الوقت في مناقشات عقيمة وغير مجدية عن متابعة العالم لما يحدث في تونس".
وبينت أن "المحكمة الدستورية تعد حجر أساس في إنجاح الانتقال الديمقراطي وركيزة في تحقيق التوازن بين السلطات وحماية النظام الجمهوري".
وأمس الإثنين، أصدر مكتب رئيس حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، بياناً، أكد فيه حرصه على استكمال تركيز المحكمة الدستورية باعتبارها "شأناً وطنياً بحتاً".
وتابع: "اهتمام أصدقاء تونس به دليل على ما يحظى به الانتقال الديمقراطي في بلادنا من تثمين دولي ورهان على نجاحه".

كما أكد الغنوشي في هذا البيان، على ''ضرورة التداول فيه، وفي غيره من المسائل في كنف الاحترام الكامل للرموز الوطنية وفي مقدمتها رئيس الجمهورية، ولمقتضيات الوحدة الوطنية والعيش المشترك بين التونسيين والتونسيات''.
بدوره، اعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، أن "تركيز الهيئات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية، هو استحقاق وطني. وكل تأخر في إنجازه سيربك مسار الانتقال الديمقراطي، ليس في ذلك شك".
واستدرك في منشور على صفحته على "فيسبوك"، قائلاً: "لكن تهليل البعض واستبشارهم بتعبير مساعدة وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية عن دعمها لإرساء تلك المحكمة (حالاً وفوراً)، يترجمان عن استعداد فطري لديهم لاستباحة الأوطان إذا ما تقاطعت مصالحهم مع الأجندات الخارجية تحت عناوين براقة".


وأضاف: "مع ذلك يبقى استكمال بناء المؤسسات الدستورية استحقاقاً ديمقراطياً ومقدمة ضرورية للاستقرار السياسي الذي يمثل أحد حصون استقلال القرار الوطني".
كذلك، علّق القيادي في حركة النهضة، سمير ديلو، بدوره، على صفحته في "فيسبوك" قائلاً: "لا خير في مؤسّسات يتطلّب استكمالها تدخّلاً أجنبيّاً مباشراً أو غير مباشر، وخاطئ من يبشّر بهذا التدخّل أو يرحّب به، حقيقيّا كان أو وهميّاً".

المساهمون