رهانات جزائرية على بايدن: تهدئة الرمال المتحركة بلا تحولات جذرية

رهانات جزائرية على بايدن: تهدئة الرمال المتحركة بلا تحولات جذرية

29 يناير 2021
وزيرا الخارجية الروسي والجزائري في موسكو العام الماضي (Getty)
+ الخط -

يسود الاعتقاد في الجزائر بأن سقف التوقعات بإمكانية حدوث تغيير جوهري في السياسات الأميركية إزاء منطقة شمال أفريقيا والساحل ما زال محدوداً، وخاصة أن اهتمام واشنطن بالمنطقة تراجع كثيراً في العقد السابق من جهة، ولتقدم الجزائر بخطوات كبيرة باتجاه روسيا والصين من جهة ثانية. لكن التوقعات الجزائرية تميل إلى عودة -كحد أدنى- "للتوازن" في المواقف الأميركية من قضية النزاع في الصحراء، ودعم المقاربة الجزائرية في حل أزمتي ليبيا ومالي، بما يؤدي إلى تثبيت الرمال المتحركة ويحقق الاستقرار في المنطقة.
يروي المدير السابق لصحيفة "الشعب" الحكومية في الجزائر الراحل عز الدين بوكردوس قصة ذات مغزى سياسي لافت في العلاقة بين الجزائر وواشنطن. يقول إنه في مساء 20 يناير/ كانون الثاني 1981، كان فريق الوساطة الجزائرية، بقيادة وزير الخارجية الراحل محمد الصديق بن يحيى، بصدد تسلم الرهائن الأميركيين في مطار طهران، لنقلهم إلى الجزائر لتسليمهم إلى السلطات الأميركية. لكن الوساطة الجزائرية قررت تأخير انطلاق طائرة الخطوط الجوية الجزائرية إلى الجزائر، وعلى متنها الرهائن، إلى ما بعد منتصف الليل، لحين دخول الرئيس الأميركي الجديد وقتها رونالد ريغن إلى البيت الأبيض. ليكون استلام الرهائن هدية جزائرية إلى الرئيس الجديد، وليس إلى السابق جيمي كارتر، والذي لم تكن الجزائر تنظر إلى سياساته بعين الرضى، بما فيها ترتيبه للتطبيع بين مصر وإسرائيل.

يظهر في المواقف الجزائرية تركيز كبير على ملف قضية النزاع في الصحراء

لهذه القصة علاقة بالراهن السياسي. فقبل نحو أسبوع من دخول الرئيس جو بايدن البيت الأبيض، وصل اثنان من المسؤولين الأميركيين تباعاً إلى الجزائر، وهما مساعد وزير الخارجية المكلف بقضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية ديفيد شينكر، وقائدة القوات الجوية الأميركية باربارا باريت. وتفيد البيانات الرسمية بأن الزيارتين "كانتا فرصة لتعزيز الحوار والتشاور بين الجزائر والولايات المتحدة حول القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، كالوضع في ليبيا والساحل". لكن مصادر دبلوماسية مسؤولة أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائر طلبت إرجاء كل نقاش حول قضايا أمنية وسياسية كانت على جدول النقاش مع المسؤولين الأميركيين إلى ما بعد تسلم الإدارة الجديدة مهامها، ما عدا التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، والتي تبقى ثابتاً رئيساً في العلاقات بين البلدين"، وخاصة أن الجزائر تعتبر أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب انحازت بشكل لافت في قضية الصحراء عكس الاتجاه الأممي.

ويظهر في المواقف الجزائرية تركيز كبير على ملف قضية النزاع في الصحراء، بشكل يفوق أحياناً الاعتبارات المتعلقة بالعلاقات الجزائرية الأميركية. بل إن بعض المواقف السياسية تضعه في مصاف الامتحان الرئيسي للتمييز في السياسات بين بايدن وترامب، ولذلك تتطلع الجزائر إلى حدوث تغيير في الموقف الأميركي والعودة إلى خط الحياد السابق. وفي السياق، يعتبر رئيس حركة "البناء الوطني" (إسلامي يحسب على تيار الإخوان)، والمقرب من السلطة عبد القادر بن قرينة، في تغريدة، أنه "مع رحيل الرئيس الأميركي السابق، صاحب القرارات الاستعجالية البعيدة عن الشرعية الدولية، لا سيما منها ما ارتبط بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، فإننا نتطلّع أن يبدأ الرئيس الجديد جو بايدن وفريق إدارته بقرارات أكثر حكمة، تعيد أميركا إلى موقف الحياد من ملف قضية الصحراء، وتسحب قرار سلفه المطعون فيه أممياً، والمناقض للدور التاريخي لواشنطن في تحقيق السلام العادل والأمن الدولي المكرس لقناعة أميركا بدعم حقوق الشعوب في التحرر".
لكن منطقة شمال أفريقيا لا تمثل أولوية كبيرة لدى إدارة بايدن، بالنظر إلى أنها ستركز بداية على لملمة الوضع الداخلي المتردي الذي خلفته إدارة ترامب، وستوجه جهدها لإعادة الوضع الأميركي إلى طبيعته. لكن عدداً من المحللين السياسيين يعتقدون أن بايدن لا يملك أيضاً وقتاً كبيراً، لكون ترامب خلف في منطقة شمال أفريقيا توتراً عالياً ورمالاً متحركة، بسبب النزاع في منطقة الكركرات والتوتر السياسي الجزائري المغربي، وكذلك ضعف الدور الأميركي الضاغط لحل الأزمة في ليبيا. وتأمل الجزائر في أن يتغير هذا الأمر، لصالح الدفع بحل للأزمة، ودعم جهودها في حل الأزمة في شمال مالي خاصة، وتعزيز سياسات التنمية في منطقة الساحل، والتي يمكن أن تُخفف من وطأة النشاط الإرهابي في المنطقة.

بوعمامة: الجزائر تتوقع سياسة أكثر توازناً للإدارة الأميركية الجديدة
 

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة تيبازة، قرب العاصمة، زهير بوعمامة، أن الجزائر تتوقع في المجمل سياسة أكثر توازناً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض مقارنة مع السابقة. ويقول، لـ"العربي الجديد"، إن "مفاتيح هذا التوازن هو الابتعاد عن الخيارات الأحادية والاستماع والإصغاء لكل دول المنطقة، حين يتعلق الأمر بسياسات تؤثر عليها. والجزائر ستتمسك بهذا الحق مع الإدارة الجديدة. وهي التي نددت بالخيارات المفروضة والصفقات غير المسؤولة للإدارة السابقة"، في إشارة إلى قضية النزاع في الصحراء. ويوضح أنها ستتمسك أيضاً "بإعادة بعث الحوار الاستراتيجي بين البلدين، والذي تعثر كثيراً في زمن الإدارة السابقة التي لم تكن تولي كامل الاهتمام بمنطقة المغرب العربي، إلا حين عادت متأخرة إلى الملف الليبي، ثم تسببت بإعادة التوتر للمنطقة، بعد اعتراف ترامب، في الوقت الضائع، بالسيادة المغربية المزعومة على منطقة الصحراء".
ويعتقد بوعمامة أن الجزائر بلد مهم في المنطقة، و"لذلك فإن الحوار الاستراتيجي بين البلدين، يملك عناصر نجاح إضافية، بسبب توجهات الجزائر نحو افتكاك أدوار أكثر جرأة وحضوراً في محيطها الجيوسياسي، بعد التعديلات على عقيدتها الأمنية والخارجية، وفي ظل ترهل وضعف أداء وفشل الفرنسيين في شمال مالي ومنطقة الساحل (عملية "برخان")، والتي سوقت لها الإدارة الأميركية منذ عهد الرئيس الأسبق (باراك) أوباما". ويعتبر أن "هذا الأسلوب كان يسمى القيادة من الخلف. وأرى أنه من غير المجدي أن تعود إدارة بايدن إلى مقاربة القيادة من الخلف في تعاطيها مع أزمات المنطقة، بعدما فشل حلفاؤها الأوروبيون (فرنسا تحديداً) في القيام بما كان مناطاً بهم، خاصة في الملفين الليبي والمالي وفي عموم منطقة الساحل المتأزمة". وأشار إلى أن إدارة بايدن تدرك أن ابتعادها كثيراً عن الجزائر، في حال لم تراجع خيارات سابقتها في موضوع النزاع في الصحراء، سيجعل الجزائر أكثر قرباً من الصين وروسيا وتركيا، وهي قوى صاعدة ويتعاظم حضورها وأدوارها في منطقة شمال أفريقيا وعموم القارة.