رفض واشنطن منح تأشيرة دخول للوفد الفلسطيني: الرسالة والغرض

30 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 12:21 (توقيت القدس)
ماركو روبيو وجدعون ساعر، وشنطن 27 أغسطس 2025 (فاتح أكتاس/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منعت الولايات المتحدة الوفد الفلسطيني من دخول نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد اجتماعات سرية مع إسرائيل، مما يعكس توجهاً مشتركاً لإبعاد الفلسطينيين عن الساحة الدولية في لحظة حساسة.

- القرار يستند إلى مبررات قانونية وأمنية، لكن هناك دوافع سياسية أعمق لمنع السلطة الفلسطينية من استغلال منبر الأمم المتحدة للتأثير في الخطاب الدولي بشأن حرب غزة.

- الخارجية الأميركية تشير إلى أن السلطة الفلسطينية تقوم بتدويل النزاع مع إسرائيل، مما يعتبر تهديداً للأمن القومي الأميركي، والهدف هو الضغط على السلطة الفلسطينية للتراجع عن خطواتها الدولية.

رغم أن إعلان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أمس الجمعة، عدم منح تأشيرة دخول للوفد الفلسطيني إلى نيويورك للمشاركة بأعمال الدورة العادية للجمعية للامم المتحدة، التي تبدأ في 20 سبتمبر/أيلول القادم، جاء من خارج التوقعات إلا أنه لم يكن بدون مقدمات. فليس صدفة أن يأتي هذا القرار بعد لقاءين مهمين في واشنطن، يوم الأربعاء الفائت، واللذين أحيطت نتائجهما بتكتم شديد: الأول بين روبيو ونظيره الاسرائيلي جدعون ساعر

، والثاني كان في البيت الأبيض "حول مستقبل غزة بعد الحرب"، بحسب المبعوث ستيف ويتكوف، وأثار الكثير من الاستغراب بسبب مشاركة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير فيه إضافة إلى جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره خلال رئاسته الأولى، بما جدد الحديث عن فكرة "الريفيرا" في القطاع، التي سبق أن طرحها ترامب والتي تستهوي كوشنر، كما كان لافتاً وجود رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية واليد اليمنى لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في واشنطن بالتزامن مع اللقاء، من دون إعلان وجوده في زيارة رسمية.

على هذه الخلفية من السرية جاء قرار التأشيرة الذي بدا أنه يُضمر غير ما يعلن. ويذكر القرار في حيثياته أن "الامتثال للقانون ولمصالح الأمن القومي، يحمل وزارة الخارجية على رفض منح أو سحب تأشيرات الدخول" لفريق السلطة الفلسطينية إلى نيويورك. لكن السياق يشير إلى أن في الأمر ما هو أبعد من القانون الأميركي الذي "يمنع الاعتراف بدولة فلسطينية". عدم الاعتراف الأميركي بالدولة الفلسطينية لم يمنع في السابق مشاركة السلطة الفلسطينية في الجمعية العمومية، ولا ينبغي أن يمنعها هذه المرة. ويحمل منعها الآن رسالة مسبقة إلى الدول الأربع (بريطانيا وفرنسا وأوستراليا وكندا) لحملها على التراجع عن تلويحها، مؤخراً، باحتمال الاعتراف بالدولة الفلسطينية أثناء هذه الدورة إذا لم يتحقق وقف النار في غزة.

ولاستباق مثل هذه الخطوة التي تخشاها إسرائيل، جرى بالتوافق مع واشنطن، ترتيب تغييب الطرف الفلسطيني عن المناسبة لإحباط تحركه على الساحة الدولية في لحظة مواتية. ويجرى ذلك بموازاة حملة علاقات عامة مكثفة "خاصة في وسائل التواصل لإزاحة مشهد التجويع وصور الاطفال الذين حولهم الجوع إلى هياكل عظمية". فالاستفراد بمنبر الأمم المتحدة في لحظة تجمع دولي يحصل مرة في السنة، وقد يوفر الفرصة "للتأثير في الخطاب الدولي المتعلق بحرب غزة"، والثنائي الأميركي الإسرائيلي يعمل لاغتنام هذه الفرصة منذ فترة.

وفي إشعار إلى الكونغرس، أصدرته الخارجية الأميركية في 31 يوليو/ تموز الماضي، جاء أن السلطة الفلسطينية "تقوم بتدويل النزاع مع إسرائيل عبر الدعاوى التي رفعتها أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجزائية الدولية" وتواصل "تقديم المنافع لعائلات الإرهابيين"، وعليه فإنه من "مصلحة أمننا القومي محاسبتها لعدم قيامها بالتزاماتها وبما يقوض احتمالات السلام". والآن جاء وقت المحاسبة، بترك السلطة الفلسطينية خارج الجمعية العمومية، علماً بأن اتفاقية 1947 الخاصة بوضعية المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك، تلزم واشنطن بضمان حق الدخول إلى المدينة والاقامة والتحرك فيها أثناء فعاليات المنظمة واجتماعاتها السنوية. والاستثناءات كانت نادرة تقريباً واقتصرت على عدم منح الرئيس ياسر عرفات التأشيرة لإلقاء كلمة أمام الجمعية العمومية، مما فرض نقل مكان الجلسة إلى مقر الأمم المتحدة في جنيف لتمكينه من مخاطبة الجمعية. كذلك رفضت واشنطن منح تأشيرة إلى الرئيس عمر البشير في 2013 ولوزير خارجية إيران جواد ظريف في 2020 للمشاركة في مداولات مجلس الأمن. والآن ينضم الرئيس عباس إلى القائمة مع أن اسمه غير مذكور صراحة في قرار الخارجية. وثمة من لا يستبعد ان يكون ذلك متعمد لترك الباب مفتوحاً أمام مساومة على مسألة الاعتراف لجهة التراجع عنها.