رسالة غربية للرئيس السوري أحمد الشرع: لا يوجد شيك على بياض

26 مارس 2025
أحمد الشرع يلقي كلمة خلال مؤتمر الحوار الوطني في دمشق، 25 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع تحديات كبيرة في كسب ود القوى الغربية، مع التركيز على كبح المقاتلين المتشددين ومنع الجرائم الطائفية لضمان الدعم الدولي.
- يعتمد الشرع على قوة صغيرة بعد حل الجيش، مما يعمق الانقسامات ويزيد من خطر انضمام الجنود المدربين لجماعات معارضة، وسط صراعات جيوسياسية معقدة.
- شكل الشرع لجنة تحقيق لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، مع تأكيد دبلوماسيين على ضرورة وجود مراقبين دوليين، والدعم مشروط بخطوات نحو حكومة شاملة وحماية الأقليات.

قالت وكالة رويترز في تقرير مطول اليوم الأربعاء، إن على الرئيس السوري أحمد الشرع والإدارة الجديدة، تثبيت الكثير من الأمور لكسب ود القوى الغربية التي تراقب سلوك المقاتلين، خصوصاً بعد تسجيل جرائم على أساس طائفي في منطقة الساحل خلال عملية أمنية. وأوضح ثلاثة مبعوثين أوروبيين للوكالة في اجتماع عقد في 11 مارس/ آذار مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في دمشق أن كبح "المقاتلين المتشددين" يأتي على رأس الأولويات بالنسبة إليهم، وأن الدعم الدولي للإدارة الجديدة قد يتبخر ما لم تُتخذ إجراءات حاسمة. ولم تنشر تقارير عن هذا الاجتماع من قبل.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان، رداً على سؤال عن الرسالة التي وُجهت في دمشق: "الانتهاكات التي وقعت أخيراً لا يمكن التهاون معها حقاً، ويجب تحديد المسؤولين عنها وإدانتهم". وأضاف: "لا يوجد شيك على بياض للسلطات الجديدة". وتحدثت "رويترز" مع المبعوثين الأوروبيين الثلاثة ومع أربعة مسؤولين إقليميين خلال زيارة لدمشق، وأكدوا جميعاً ضرورة سيطرة السلطات على الوضع الأمني في جميع أنحاء البلاد والحيلولة دون تكرار عمليات القتل. وقال مبعوث أوروبي كان ضمن مجموعة المسؤولين الذين نقلوا الرسالة: "طالبنا بالمحاسبة. يجب أن يعاقب مرتكبو المذابح. يجب تطهير قوات الأمن".

ودعت واشنطن أيضاً قادة سورية إلى محاسبة مرتكبي الهجمات. وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس بأنهم يتابعون تصرفات السلطات المؤقتة لتحديد السياسة الأميركية تجاه سورية. لكن المشكلة بالنسبة إلى الشرع هي أن (هيئة تحرير الشام) التي كان يتزعمها لا تضم سوى 20 ألف مقاتل، وفقاً لتقييمين من حكومات غربية.

وقال خمسة دبلوماسيين وثلاثة محللين إن هذا يدفع الشرع إلى الاعتماد على عشرات الآلاف من المقاتلين الآخرين -بما في ذلك فصائل متشددة جداً مطلوب منه القضاء عليها- وقد يؤدي التحرك ضد هؤلاء المقاتلين إلى إعادة سورية إلى أتون الحرب مجدداً. وانضم آلاف الأجانب من دول مثل الصين وألبانيا وروسيا وباكستان إلى المعارضة المسلحة في سورية في بدايات الثورة للقتال ضد حكم بشار الأسد ومليشيات أخرى مرتبطة بإيران كانت تساند النظام.

وحل الشرع الجيش السوري بعد وقت قصير من توليه السلطة، وهذا هو أحد الأسباب التي جعلته يعوّل الآن على قوة صغيرة نسبياً تتألف من نحو 20 ألف مقاتل من عدة مجموعات متفرقة تتضمن متشددين أجانب. وعلى الرغم من أن حل الجيش كان يهدف إلى وضع نهاية لخمسة عقود من حكم عائلة الأسد الاستبدادي، قال دبلوماسيون ومحللون إنه مماثل لقرار واشنطن حلّ الجيش العراقي بعد سقوط صدام حسين، وقد يقود إلى فوضى مماثلة.

وأدت خطوة الشرع، إلى جانب عمليات فصل جماعي لموظفين في القطاع العام، إلى تعميق الانقسامات في سورية وترك مئات الآلاف دون دخل. وقال خمسة مسؤولين أوروبيين وعرب لوكالة رويترز، إن ذلك قد يدفع الجنود المدربين إلى الانضمام إلى جماعات معارضة أو إلى صفوف العاطلين من العمل، ما يعني تفاقم حالة عدم الاستقرار في سورية. ولم يردّ مكتب الشرع ولا وزارة الخارجية السورية على طلبات للتعليق.

بالإضافة إلى التحدي المتمثل بإخماد العنف الطائفي، يجب على الشرع أيضاً أن يتعامل مع مجموعة من القوى الأجنبية، من الولايات المتحدة وروسيا، إلى إسرائيل وتركيا وإيران، تحوّل الأراضي السورية إلى رقعة شطرنج جيوسياسية. تسيطر تركيا على الشمال، وتدعم قوات المعارضة، بينما تقمع الطموحات الكردية. وتسيطر القوات التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة على الشرق، حيث حقول النفط المهمة، فيما استفادت إسرائيل من سقوط الأسد لتعزيز وجودها العسكري. وهي تسيطر الآن على منطقة عازلة منزوعة السلاح مساحتها 400 كيلومتر مربع.

ورداً على الانتهاكات التي ارتكبت بحق المدنيين، شكل الشرع لجنة تحقيق ووعد بمعاقبة المسؤولين عنها، حتى إن كانوا من المقربين منه. لكن أي إجراء ضد المسلحين الذين نفذوا عمليات القتل يمكن أن يشعل اقتتالاً بين الفصائل وعمليات تطهير وصراعاً على السلطة، ما يجعل الحكومة الجديدة عالقة في معضلة، كما قال دبلوماسيون ومحللون.

وقال مروان المعشر، نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "من الواضح أن الشرع لا يسيطر على المسلحين الأجانب ولا يتحكم في كل شيء... من الواضح أن المذابح نفذها سلفيون مسلحون لا يستمعون إلى ما يقوله". وبينما يقرّ الدبلوماسيون بأن التحقيق خطوة في الاتجاه الصحيح، يعتقدون إن مصداقيته كانت ستكون أقوى بكثير في ظل وجود مراقبين من الأمم المتحدة ومراقبين دوليين. وأضافوا أن الاختبار الحقيقي لقيادة الشرع لا يكمن فقط في النتائج التي توصلت إليها اللجنة، ولكن في كيفية تعامله مع المقاتلين المسؤولين عن الانتهاكات.

وقال عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، ومقره السعودية، إن وجود "عناصر وجماعات منفلتة تعمل لمصالحها وخارج إطار القانون سيؤدي إلى انهيار الوضع الأمني وكذلك انهيار سلطة الدولة". وأضاف: "لذا، إن القيادة الجديدة لا خيار لها غير التعامل الجاد والحازم مع هذا النوع من الانتهاكات".

ونقلت "رويترز" عن دبلوماسي عربي أن الدعم السياسي من الدول العربية ليس بلا حدود، ويجب أن تقابله خطوات ملموسة، بما في ذلك حكومة شاملة وحماية الأقليات وإحراز تقدم حقيقي على الأرض. وأضاف الدبلوماسي أن هذا يعني تقاسم حقيقي للسلطة مع العلويين والمسيحيين والأكراد والأقليات الأخرى، وعندها فقط يمكن للقيادة الجديدة أن تحقق الاستقرار في سورية وتحظى بدعم الولايات المتحدة وأوروبا.

وربطت واشنطن والدول الأوروبية رفع العقوبات، التي كانت مفروضة في عهد الأسد، بإثبات السلطات الجديدة التزامها الحكم الشامل وحماية الأقليات. ويُعَدّ رفع هذه العقوبات أمراً حاسماً لإنعاش الاقتصاد السوري المنهار، وهو التحدي الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى الشرع.

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون