رسالة انتخابية مبكرة تنذر بزيادة المتاعب لرئاسة ترامب
استمع إلى الملخص
- تعتزم إدارة ترامب رفع التعرفة الجمركية على الواردات، مما يثير قلق الاقتصاديين والمستثمرين من زيادة التضخم وركود اقتصادي محتمل، رغم تأكيد ترامب على فوائدها المحتملة.
- يسعى ترامب إلى تغيير السياسة الاقتصادية الأمريكية بعيدًا عن العولمة، مما يثير مخاوف من اضطرابات اقتصادية وسياسية وتحديات متزايدة لرئاسته.
جرت يوم الثلاثاء انتخابات فرعية في ولايتي ويسكونسن وفلوريدا، لاختيار قاض في المحكمة العليا للأولى، ولسدّ شغور مقعدين في مجلس النواب في الكونغرس الأميركي عن الثانية. وكانت العملية بمثابة اختبار مبكر لرئاسة دونالد ترامب والأجندة التي طرحها. لذلك، خاض البيت الأبيض المعركتين بقوة لضمان الفوز بهذه المقاعد للجمهوريين، وبما يعكس مدى مقبولية مشاريعه وسياساته في أوساط الناخبين، ومن ثم تزخيم رئاسته التي باشرت في وضع أجندتها موضع التنفيذ. لكن الرياح سرت في الاتجاه المعاكس.
في فلوريدا، فاز المرشحان الجمهوريان، لكن بأقل من المتوقع. كلاهما حصل على أكثرية 15% فقط، في حين أن ترامب كان قد فاز في الدائرتين بأكثرية 30%. الهزيمة الأقسى كانت في انتخاب القاضية الليبرالية سوزان كروفورد في ولاية ويسكونسن، بفارق أكثر من 10% برغم ملايين الدولارات (إيلون ماسك خصص لدعم خصمها الجمهوري براد شيميل أكثر من 20 مليون دولار) التي أُنفقت في الحملة ضدها، علماً أن الرئيس ترامب كان قد حسم أمر هذه الولاية لصالحه بسهولة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. هبوط التأييد في الحالتين جاء ترجمة لتزايد الاعتراضات والمخاوف التي أثارتها حروب الرئيس الإدارية والتجارية. التسريح الإداري الذي يشرف عليه الملياردير إيلون ماسك أثار حالة واسعة من الرفض بعد أن سبّب الاستغناء عن عشرات آلاف الموظفين، وما واكب ذلك من فوضى وارتباك في تسيير الأجهزة الإدارية في الدولة. كما أثار دوره في انتخاب القاضية الكثير من النفور، إذ بدا وكأنه يريد شراء الانتخابات.
ولا تقل أهمية في هذا الخصوص الحربُ التجارية التي يعتزم الرئيس ترامب شنّها اليوم الأربعاء في شبه احتفال في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض للتوقيع على قراراتها. فما تردد بشأنها عزز الحذر ومراجعة الحسابات الانتخابية وبما كان له دوره أيضاً في هذه الخسارة الانتخابية. رفع التعرفة الجمركية على كلّ الواردات مع إضافات محتملة على الاستيراد من بلدان محددة أثار الذعر من سياسات ترامب الاقتصادية. فهو، بحسب المتداول، يعتزم فرض من 20% إلى 25% زيادة رسوم على كلّ الواردات، مع رفعها إلى نسبة أخرى على مواد وبضائع محددة من بلدان معينة.
وبرغم تحذيرات خبراء الاقتصاد والأكاديميين (من ضمنهم لاري سَمَر – أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد) وأسواق المال من أن تؤدي خطوة من هذا النوع إلى مفاقمة التضخم وارتفاع الأسعار على المستهلك الأميركي، فضلاً عن دفع الاقتصاد إلى حالة الركود، أصرّ ترامب على هذا التوجه من باب أنه "ينهي الاعتماد على الخارج ويدرّ على الخزينة إيرادات كبيرة، ومن جهة ثانية يشجع الصناعات المحلية لإنتاج احتياجات السوق الأميركية، إلى جانب أنه يؤدي إلى تعديل الميزان التجاري الذي طالما كان لغير صالح أميركا".
على الورق، تبدو الصورة مغرية، لكنها على أرض الواقع مختلفة، بحسب ما يقول المحذرون من النتائج السلبية التي سبق أن رافقت مثل هذه الخطوات أكثر من مرة وفي أكثر من مكان. مثال ذلك أن رفع الرسوم من شأنه أن يؤدي إلى خفض الاستيراد، ومن ثم إلى خفض الإيرادات المتوقعة. مثال آخر، أن الميزان التجاري مع المكسيك وكندا كان دائماً لصالح البلدين مع أنهما لا يفرضان أي رسوم جمركية على معظم البضائع الأميركية. السبب أن استيراد أميركا منهما أكثر من صادراتها إليهما. الرئيس ترامب يعرف ذلك، ويدرك أن هذه السياسة لا بدّ أن تؤدي "إلى اضطراب الحال (في أميركا) لفترة"، كما قال.
مشروعه أبعد من مسألة تصحيح العجز التجاري أو وقف "الطمع بأميركا واستغلالها". فهو لا يطيق العولمة ولا المعادلات المتعولمة، ولذا انسحب من معظم المنظمات الدولية. طموحه الانكفاء، بحيث تكون أميركا إمبراطورية اقتصادية كما هي إمبراطورية أعماله. يحتاج إليها الغير (الاسم بوصفه ماركة) ولا تحتاج إليه. تحكم ولا يتحكم فيها أحد. ولا حتى الاتفاقيات الدولية كالتي عقدها مع كندا والمكسيك في رئاسته الأولى، والتي كان قد أشاد "بتوازنها وفوائدها المشتركة"، ليصبح الجاران أكثر استهدافاً لأعلى الرسوم.
الرئيس ترامب اختار تغيير الواقع وليس تصحيحه. وسعيه في هذا الخصوص محفوف بالمغامرة، وبما أثار المخاوف وإعادة الحسابات، كما تبين اليوم في أرقام الانتخابات الفرعية. مواصلة الحرب الإدارية وفتح جبهة الحرب التجارية اليوم الأربعاء قد يراكم الخسائر ويزيد من متاعب رئاسته. وبعض الجمهوريين أيضاً بدأ يهمس بمثل هذا التخوف.