رسائل 14 يناير في تونس

رسائل 14 يناير في تونس

17 يناير 2022
كان يوم الجمعة حافلاً بالاعتداءات على المتظاهرين (Getty)
+ الخط -

يتداول التونسيون حتى اليوم فيديو ذلك الشاب الذي كان يسير بدراجته الهوائية وسط الشارع، يوم الجمعة الماضي، عندما صفعه شرطي على وجهه. لم يكن الشاب يحمل حجراً ولا هراوة، لم يكن حتى يصرخ أو يرفع شعاراً، كان يمرّ بهدوء من دون خوف من أحد، حتى بادرته تلك الصفعة المجانية من ذلك الشرطي الذي لم يستوعب شيئاً من سنوات الحرية والعدالة الانتقالية ومفهوم الأمن المحايد.

كان مشهداً لخّص يوماً حافلاً بالاعتداءات على المتظاهرين يوم الجمعة الماضي في ذكرى الثورة التونسية، وصوّر للعالم حقيقة ما يحدث في تونس، وبالأخص كان مؤشراً على ما سيحدث في قادم الأيام.

لم يقل الرئيس قيس سعيّد شيئاً عن ذلك الشاب وهو يتحدث عن استشارته الإلكترونية مع الشباب، بل تهكّم على المتظاهرين: "بضع مئات بينهم صحافيون ومارّة، وفي المرة المقبلة سيكونون بضع عشرات أو شخصاً وحيداً...".

لم يقل شيئاً عن ضرب مواطنين، بينهم من انتخبه. لم يقل شيئاً عن سحل نساء وضرب شيوخ وصحافيين ومحامين ورؤساء أحزاب. لم يرَ شيئاً من ذلك وكأنّه لم يكن موجوداً في البلاد يوم الجمعة الماضي، وكأنّ أولئك لم يكونوا مواطنين، كانوا "آخرين" من الجهة الأخرى، ولا يهم إن نُكِّل بهم.

قال سعيّد: "يتباكون على الدستور... ومن المفارقات في الدول العربية عموماً أنّه عندما يغيب الدستور تزيد الحريات... هكذا، حالة غير طبيعية... وباسم الدستور يبدأ الاستبداد... ونفس الشيء للمحكمة الدستورية".

بهذه الكلمات تحدث أستاذ القانون الدستوري عن الدستور، فكيف سيكون رد طلبة الحقوق بعد هذا الكلام؟ والأهم كيف سيكون ردّ بقية المتفرجين على المشهد من الأحزاب السياسية، وعلى أيّ أساس يمكن بناء بلد، وما قواعد ذلك وترتيباته؟

يمعن الرئيس في طريقه، يتوغل فيه أكثر يوماً بعد يوم، ويقترب، أو يُدفع شيئاً فشيئاً إلى نقطة اللاعودة، عدا استفاقات عابرة من حين إلى آخر إذا أحسّ بأنه محاصر.

لا ندري حقيقة إن كانت دعوته الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، للقاء السبت الماضي، استفاقة عابرة أو رغبة حقيقية، وإن متأخرة، للاستماع إلى رأي آخر وربما طرح فرضية حوار رفضه أكثر من مرة، أم لعلها محاولة جديدة لاستغلال أكبر منظمة في البلاد وأكثرها تأثيراً في المشهد، ومحاولة التلاعب بها لتهدئة الأجواء المتوترة؟ ولكن في كل الحالات تملك المنظمة تاريخاً عريقاً في التفاوض وخبرة طويلة في إدارة الأزمات يمكن أن تتيح لها إنقاذ البلاد مرة أخرى، وقد خبُرت حكاماً وأنظمة قبل سعيّد، وستفعل بعده.

المساهمون