استمع إلى الملخص
- التعاون المصري مع تنزانيا يعكس رغبة مصر في توطيد العلاقات مع الدول الأفريقية، ويواجه النفوذ الإثيوبي المتزايد ومحاولات إعادة توزيع حصص مياه النيل بطريقة تراها مصر غير عادلة.
- سد "جوليوس نيريري" لا يؤثر على مياه نهر النيل، مما يميزه عن سد النهضة، وتعمل مصر على تعزيز حضورها في أفريقيا ودفع إثيوبيا للتفاوض بشأن سد النهضة.
تمثل زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي قبل أيام إلى سد "جوليوس نيريري" الذي تشيده شركات مصرية لمصلحة تنزانيا، خطوة مهمة على أكثر من مستوى. فمن الناحية الاقتصادية، يعد المشروع من أضخم المشروعات المصرية في أفريقيا، ويهدف إلى تلبية احتياجات تنزانيا من الكهرباء، لكن على المستوى السياسي، تحمل هذه الزيارة دلالات تتعلق بالعلاقات بين دول حوض النيل، خاصة في ظل استمرار التوتر بين مصر وإثيوبيا بشأن إدارة الموارد المائية.
رسالة عبد العاطي
وبحسب المصادر فإن الرسالة الأبرز في زيارة عبد العاطي هي أن القاهرة لا ترفض مشروعات السدود في أفريقيا، كما يروج البعض انطلاقاً من رفض القاهرة إضرار سد النهضة الإثيوبي بحصتها من الماء، وإنما تدعمها متى كانت في إطار تعاون مشترك يضمن عدم الإضرار بمصالح دول المصب. وهذه النقطة تحمل بعداً سياسياً مهماً في ضوء النزاع القائم حول سد النهضة الإثيوبي، الذي تصر أديس أبابا على تشغيله دون اتفاق قانوني ملزم مع مصر والسودان. كما تعكس الزيارة جزءا من استراتيجية مصرية أوسع تهدف إلى تعزيز العلاقات مع دول المنابع، خاصة بعد التوتر الذي شهدته العلاقات المصرية - الأفريقية خلال العقود الماضية. وقد حرصت مصر في السنوات الأخيرة على استعادة نفوذها في القارة من خلال المشاركة في مشروعات تنموية، كان أبرزها مشروع سد "جوليوس نيريري"، الذي يمثل نموذجاً للتعاون الحقيقي بين دول حوض النيل.
نادر نور الدين: سد جوليوس نيريري مقام على نهر لا يتبع شبكة أنهار وروافد نهر النيل
ويأتي هذا التحرك المصري في مواجهة النفوذ الإثيوبي المتزايد في القارة، حيث تحاول أديس أبابا كسب تأييد دول المنابع لمواقفها بشأن اتفاقية عنتيبي، التي تهدف إلى إعادة توزيع حصص مياه النيل بطريقة تراها مصر غير عادلة. وبالتالي، فإن التعاون المصري مع تنزانيا يعكس محاولة لتوطيد العلاقات مع دول أفريقية، وإرسال رسالة مفادها أن القاهرة ليست ضد التنمية في القارة، لكنها تدعو إلى التعاون والتنسيق المشترك.
وتأتي هذه الزيارة أيضاً في وقت ترفض فيه مصر والسودان التوقيع على اتفاقية عنتيبي، التي تسعى إلى إعادة توزيع حصص مياه النيل دون الالتزام بالاتفاقيات التاريخية. وبالرغم من أن تنزانيا كانت من أوائل الدول التي وقعت على الاتفاقية، فإن استمرار التعاون المصري معها في مشروع سد "جوليوس نيريري" يعكس حرصاً مصرياً على الفصل بين المشروعات التنموية والخلافات السياسية، وهو ما قد يمثل ورقة ضغط على إثيوبيا. ورغم ما قد يبدو من تشابه بين سد "جوليوس نيريري" في تنزانيا وسد النهضة الإثيوبي من حيث كونهما مشروعين ضخمين لتوليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية، إلا أن الفارق الجوهري بينهما يكمن في الموقع الجغرافي، وتأثير كل منهما على مياه نهر النيل، ومستوى التنسيق مع دول الحوض.
وشهدت العلاقات المصرية الأفريقية تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، في ظل سعي القاهرة لتعزيز حضورها في القارة، خاصة بين دول حوض النيل. وفي هذا السياق، جاءت زيارة عبد العاطي إلى موقع سد "جوليوس نيريري" في تنزانيا، الذي تنفذه شركتا "المقاولون العرب" و"السويدي إلكتريك"، مؤشرا واضحا على استراتيجية مصرية تتجاوز البعد الاقتصادي، لتشمل رسائل سياسية مهمة، خاصة مع استمرار الخلافات حول اتفاقية عنتيبي وسد النهضة الإثيوبي.
سد "جوليوس نيريري" لا يؤثر على مياه نهر النيل
وفي السياق، قال الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية واستصلاح الأراضي بجامعة القاهرة، إن "سد جوليوس نيريري مقام على نهر لا يتبع شبكة أنهار وروافد نهر النيل، بل يصب مباشرة في المحيط الهندي، وبالتالي لا يؤثر مطلقاً على مياه نهر النيل أو على الحصص المائية للدول المرتبطة به". وأضاف أن "الوضع يختلف تماماً في حالة السد الإثيوبي، الذي أُقيم على النيل الأزرق، أكبر روافد نهر النيل، إذ يساهم النيل الأزرق وحده بنسبة تتراوح بين 59 و64% من إجمالي مياه نهر النيل، أي ما يعادل نحو 49 مليار متر مكعب من أصل 84 مليار متر مكعب تصل سنوياً. ومن ثم، فإن السد الإثيوبي يؤثر بشكل مباشر وقوي على دولتي المصب، مصر والسودان، خاصة أن النيل الأزرق يمر بهما قبل أن يلتقي بالنيل الأبيض في الخرطوم ليكوّنا معاً النيل الرئيسي".
نجلاء مرعي: مصر لم تكن يوماً ضد التنمية في دول حوض النيل
من جهتها، أكدت الخبيرة في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مصر لم تكن يوماً ضد التنمية في دول حوض النيل، لكنها ترفض أي إجراءات أحادية تتخذها دول المنابع دون مراعاة حقوق دولتي المصب، مصر والسودان. وأشارت إلى أن تنزانيا كانت من الدول التي رفضت إقامة أي سدود على نهر النيل من شأنها التأثير على حصة مصر المائية، مؤكدةً أن مشروع سد "جوليوس نيريري" ليس حديث العهد، إذ تم توقيع عقده في 2018 بقيمة 2.9 مليار دولار. وأضافت: "مصر تدرك أهمية العودة إلى عمقها الأفريقي، وهو ما يظهر في تعزيز علاقاتها مع دول مثل الصومال، جيبوتي، وإريتريا. وقد شهدنا في أغسطس/آب 2024 إرسال مصر معدات عسكرية للصومال في إطار بروتوكول التعاون العسكري".
أما فيما يخص سد النهضة الإثيوبي، فأكدت مرعي أن القاهرة تحاول دفع أديس أبابا إلى طاولة التفاوض وفق معادلة جديدة تضمن الحفاظ على حقوق مصر والسودان، لا سيما فيما يتعلق بملء وتشغيل السد. وأوضحت أن مصر تشارك حالياً في عملية تشاورية تضم سبع دول من حوض النيل، أُعلن عنها خلال احتفالية "يوم النيل" في 22 فبراير/شباط الماضي، بحضور وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم. واعتبرت أن هذه العملية تمثل تطوراً إيجابياً في سبيل استعادة التعاون الإقليمي وإيجاد أرضية مشتركة، مشيرةً إلى أن مصر علّقت مشاركتها في مبادرة حوض النيل في العام 2010 بسبب تجاوز مبدأ الإجماع، لكنها باتت الآن أكثر انفتاحاً على استئناف تعاونها الفني ضمن المبادرة.