رسائل جزائرية إلى موسكو... ردود سياسية على دعم خصومها في الساحل

21 مايو 2025
من لقاء وزيري خارجية الجزائر وأوكرانيا في بروكسل، 20 مايو 2025 (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد الاجتماع بين وزير الخارجية الجزائري ونظيره الأوكراني تحولاً في الموقف الجزائري تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث تسعى الجزائر للحفاظ على توازن في علاقاتها الدولية وإبراز استقلاليتها عن المحاور الدولية.
- تهدف الجزائر إلى توجيه رسائل سياسية لموسكو تعبر عن استيائها من سياسات روسيا في الساحل وليبيا، وتعزيز علاقاتها مع دول أوروبا الشرقية لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية.
- رغم إنشاء آلية للتنسيق بين الجزائر وروسيا، إلا أن فعاليتها مشكوك فيها بسبب التوترات الجيو-سياسية، مما يبرز الحاجة إلى تعديل سلوك روسيا لتجنب تنافس جيو-سياسي.

دفع الاجتماع الذي عقده وزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف، مع وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، مساء أمس الثلاثاء في بروكسل، إلى التساؤل عمّا إذا كانت الجزائر بصدد العودة إلى موقف أكثر توازناً، بعد فترة ظلت خلالها البلاد أقرب إلى دعم الموقف الروسي في الحرب مع أوكرانيا، ضمن حزمة رسائل سياسية تبدو الجزائر بصدد توجيهها الى موسكو، ضمنها أيضاً زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى سلوفينيا والتغيب عن احتفالات موسكو، نتيجة استمرار الأخيرة في سياسات تحالف في الساحل وليبيا، لا تأخذ بعين الاعتبار القلق الجزائري، ودعم أطراف تعتبرها الجزائر غير مناسبة ومضرة لمصالحها وأمنها القومي في المنطقة.

وأفاد بيان للخارجية الجزائرية، بأن لقاء عطاف وسيبيها على هامش الاجتماع الثالث لوزراء خارجية الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، تناول "استعراض الجهود الرامية إلى إيجاد تسوية سلمية للحرب الروسية-الأوكرانية، وعلى وجه الخصوص نتائج المفاوضات التي جرت بين طرفي النزاع أخيراً بإسطنبول، وآفاق البناء عليها لإنهاء الصراع وتحقيق سلام عادل ودائم ونهائي بين البلدين"، ووصف البيان العلاقات بين الجزائر وكييف بأنها "علاقات صداقة وتعاون، وبحث سبل إضفاء المزيد من الحركية عليها". وسبق اللقاء اتصال هاتفي جمع الوزيرين في فبراير/ شباط الماضي.

على صعيد التقدير السياسي، يُفهم من أول لقاء بين وزير الخارجية الجزائري والأوكراني منذ سبتمبر/ أيلول 2022، أنه يمثل تحولاً في الموقف الجزائري، فمنذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت الجزائر قد اتخذت موقفا بدا سياسياً أقرب إلى موسكو، على الرغم من محاولتها البحث عن نقطة توازن في الموقف، حيث امتنعت عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في فبراير 2022، والذي يدعو إلى انسحاب القوات الروسية، ويدين استخدام القوة على الأراضي الأوكرانية، كما كانت الجزائر قد احتجت على استدعاء الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى القمة العربية في الرياض، ودفعت الصحف شبه الرسمية إلى مهاجمة ذلك. وأثار الموقف الجزائري قلق القوى الغربية، خاصة في واشنطن، من أن تكون سلسلة صفقات عسكرية عقدتها مع موسكو، توفر مقدرات مالية إضافية لمصلحة روسيا لتمويل الحرب في أوكرانيا.

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة سعيدة غربي الجزائر، ميلود ولد الصديق في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن فصل لقاء عطاف مع وزير خارجية أوكرانيا عن السياق الجيو-سياسي الحالي"، مشيراً إلى أن الجزائر تُظهر من خلال هذا اللقاء، حرصها على الحفاظ على خط متوازن، واللقاء قد يُقرأ كإشارة إلى موسكو، في مقابل تقاربها مع لاعبين معادين لمصالح الجزائر في الساحل الأفريقي (مثل مالي وحفتر)، مضيفاً أن "الجزائر لا تريد خصومة مع روسيا، لكنها تريد أن تبرز استقلاليتها عن المحاور الدولية، كما ترفض أن تكون طرفاً في تحالفات تتعارض مع مصالحها الإقليمية خاصة في الساحل الأفريقي، وهذه الرسائل السياسية التي يحملها لقاء وزير الخارجية الجزائري مع نظيره الأوكراني، وزيارة تبون إلى سلوفينيا، والغياب عن الاحتفالات في موسكو، تشكل معاً استراتيجية متعددة الأبعاد، ورسالة جزائرية بشأن قدرتها على تنويع الشركاء وتقليل التبعية لأي قطب مهما كانت أهميته، وبأن الدعم الجزائري ليس مضموناً لمصلحة موسكو إذا استمرت روسيا في دعم أطراف تهدد الأمن القومي الجزائري، وبأن الشراكة يجب أن تكون متوازنة وتحترم الدور الجزائري في المنطقة، وأن الخيارات الروسية في الساحل لها ثمن سياسي في المقابل".

تساؤلات حول آلية التنسيق

على هذا المستوى، يأخذ لقاء عطاف وسيبيها أهميته السياسية من السياق الإقليمي، ضمن حزمة رسائل سياسية بدا أن الجزائر ترغب في توجيهها إلى موسكو في الفترة الأخيرة، بعد إصرار روسيا على التمركز وتركيز وجود "فاغنر" قرب حدودها في الساحل وفي ليبيا، وسياساتها المزعجة للجزائر في المنطقة الحيوية بالنسبة للأخيرة. وتدخل ضمن هذه الرسائل، زيارة تبون إلى سلوفينيا قبل أسبوع، وعقد مزيد من الاتفاقيات التي تضمن تدفق الغاز الجزائري إلى أوروبا، وخاصة دول أوروبا الشرقية، ما يتيح لها التحرر من الحاجة إلى واردات الطاقة من روسيا، إضافة إلى عدم مشاركة تمثيل رسمي رفيع للجزائر في الاحتفالات المشهودة التي نظمتها موسكو بداية الشهر الحالي بمناسبة الانتصار على النازية، والتي تم خلالها احتفاء بوتين بخليفة حفتر وقادة دول الساحل، والتي قد تنظر إليها الجزائر بعين الريبة.

إزاء ذلك، تُطرح تساؤلات حول مدى فاعلية تفاهمات جزائرية روسية تمت في شهر يناير الماضي، بوضع قاعدة تفاهم وإطار لعقد لقاء سياسي كل ثلاثة أشهر بين البلدين، يتيح مناقشة وحل بعض القضايا الخلافية بين البلدين، خاصة تلك التي تخص الأمن القومي الجزائري، والتوازنات في منطقة الساحل وليبيا، حيث كان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد أعلن أن "روسيا والجزائر استحدثتا آلية للتنسيق والتشاور مع الأصدقاء الروس، لها طابع مؤسساتي تجتمع كل ثلاثة أشهر لتقييم الأوضاع، والتعبير عن انشغالات كل طرف، ومعالجة المشكلات المستجدة".

لكن الكاتب وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر توفيق بوقاعدة، يعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذه الآلية ربما لم تحقق الغايات الأساسية، بالنظر إلى ما وصفه استمرار "المناكفة الجيو-سياسية بين الدولتين، خاصة بعدما أدركت الجزائر أن روسيا لا تعطي وزناً لمخاوفها الأمنية ولا لمصالحها الحيوية في مجالها الإقليمي، وخاصة في دول الساحل وليبيا، ورغم سعي الطرفين إلى تأسيس آلية من أجل تحجيم الأضرار التي تلحقها روسيا بالمصالح الجزائرية، لكن يبدو أنها تراوح مكانها دون أن تسهم في تحقيق هدفي الطرفين من بعضهما البعض"، مضيفاً أن "هذه المناكفة ظرفية، وتبقى في حدودها الدنيا، والغرض منها تعديل سلوك الطرف الروسي سياسته في الجوار الاقليمي للجزائر، وأن الضرر الذي يصيب استراتيجية البلدين، في حال الوصول إلى تنافس جيو-سياسي أكثر من أي منفعة ظرفية محققة".

المساهمون