رسائل الرئيس الجزائري إلى الجيش والحراك والمعارضة: لا تراجع

رسائل الرئيس الجزائري إلى الجيش والحراك والمعارضة: لا تراجع

02 مارس 2021
تبون يبدي تصميماً على المضي في الأجندة التي طرحها بشأن الإصلاح السياسي (Getty)
+ الخط -

وجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في حوار تلفزيوني بُث الليلة الماضية، حزمة رسائل سياسية متعددة للجيش والحراك الشعبي والمعارضة السياسية، إذ أكدت رسائل تبون أن لا تراجع عن خطة الإصلاح السياسي والدستوري وخريطة الطريق التي باشرها منذ تسلمه السلطة.

"لا تراجع"، يمكن أن يكون هذا هو العنوان الأبرز في الرسائل السياسية الأخيرة التي أطلقها الرئيس تبون، والتي أبدى خلالها تصميماً سياسياً على المضي في الأجندة التي طرحها بشأن الإصلاح السياسي وتجديد مؤسسات الدولة.

كما أبدى تبون إصراراً على تنظيم الانتخابات النيابية في موعدها المحدد دستورياً، من دون أية مخاوف من وجود مقاطعة شعبية كتلك التي شهدها استحقاق الاستفتاء الشعبي على الدستور في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، خاصة أن الرئيس تبون أعلن أمس أنه غير معني بنسبة المقاطعة. 

 وقال "نحن متجهون في غضون ثلاثة أشهر إلى انتخابات نيابية، ولا يوجد حد دستوري أدنى يجعل من الانتخابات مقبولة أو غير مقبولة"، ويتضمن ذلك رسالة سياسية موجهة إلى قوى المعارضة، تفيد بثقة الرئيس في نجاح المسار الانتخابي، وبأن القطار السياسي والمؤسساتي سينطلق ولا معطل له، سواء شاركت الأحزاب أو قاطعت الانتخابات.

لكن الرئيس تبون اهتدى، في السياق، إلى فكرة مهمة تخص إمكانية إجراء متزامن للانتخابات النيابية مع انتخابات المجالس الولائية، وهو أمر قد يغير الكثير من المعطيات بالنسبة لمواقف القوى السياسية من المشاركة في الانتخابات من عدمها، خاصة بالنسبة للأحزاب التي تتمركز حاضنتها الشعبية في منطقة القبائل، كجبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والتي تحرص دائماً على المشاركة الأكيدة في الاستحقاقات المحلية بغض النظر عن موقفها من الانتخابات النيابية

وضرب الرئيس من خلال فكرة إجراء متزامن للانتخابات عصفورين بحجر واحد؛ ضمان أكبر معدل مشاركة ممكن وخفض نسبة المقاطعة الشعبية من جهة، وإنهاء هاجس مقاطعة محتملة لمنطقة القبائل، التي بلغت فيها نسبة المشاركة في الاستفتاء 1.3 بالمائة، للانتخابات النيابية، وبالتالي إنقاذ البرلمان المقبل من مشكلة العطب التمثيلي.

ويُعتقد أن إصرار الرئيس على الذهاب إلى الانتخابات وعدم اكتراثه بهاجس المقاطعة قد يكونان نابعين من نجاحه سياسيا في إقناع عدة أحزاب معارضة، كانت معترضة ورافضة للمسار الانتخابي منذ عام 2019 كجبهة القوى الاشتراكية وحركة "مجتمع السلم" وحزب جيل جديد، بالحوار وبضرورة الذهاب إلى الانتخابات. 

ويرى الكاتب والمحلل السياسي محمد إيوانوغان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ذلك يبقى مسألة غير مضمونة، لكون إقناع أحزاب معارضة، بما فيها جبهة القوى الاشتراكية، لا تعني بالضرورة قدرة هذه الأحزاب وضمانها لإنجاح الانتخابات، خاصة في منطقة القبائل، كما أن الانتخابات من دون توفير شروطها الضرورية لن تحل حتى أزمة مؤسسات السلطة، لكونها ستنتج مؤسسات مهترئة لا تحل مشاكل المواطنين.

رسالة سياسية أخرى وجهها الرئيس تبون إلى قوى معارضة في الداخل والخارج، من بين تلك التي كانت تراهن، بحسبه، على حدوث صدام غير معلن بينه وبين الجيش، خاصة أن حديثاً متواتراً ومكثفاً جرى تداوله في الفترة الماضية، لا سيما بعد رفض الرئيس تبون الاستماع إلى نصيحة الجيش بعدم حل البرلمان تفادياً لاية حالة شغور دستوري محتمل.

وبدا حديث الرئيس عن الجيش مكثفاً في اتجاهين، تضمن الأول نفيه وجود خلافات بينه وبين الجيش أو أي من الجنرالات، ووصف مزاعم تحدثت عن نيته تقديم استقالته بأنها "إشاعات وخرافات". وقال تبون إن "الجيش هو أقوى سند لي"، ودافع باستماتة عن انضباط المؤسسة العسكرية. 

وتضمن الاتجاه الثاني محاولة استحضار شخصية الرئيس المستقلة عن أية ضغوط أو إكراهات، عندما أكد أنه في حال اتخاذ أي قرار، فإن أول من يبلغه هو الشعب وليس أي جهة أخرى، وأنه حين اتخاذه أيَّ قرار، فإنه يلتزم به حتى لو كلفه ذلك ما كلفه.

وبشأن كثافة حديث الرئيس عن علاقته بمؤسسة الجيش،  يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر محمد الحسين دواجي، في تصريح لـ" العربي الجديد"، إن ذلك يتعلق "بعودة المظاهرات الأسبوع المنصرم، وما صاحبها من احتقان وإن كانت ضمن سياق سلمي، لكن الشعارات المرفوعة شكلت موضوعا للنقاش أخذ الحيز الأكبر من المظاهرات في حد ذاتها، على الأقل إعلاميا.

كما يرى أيضاً أن ذلك يأتي في سياق اختيار الرئيس تبون نهجَ المصارحة، مضيفاً "تعودنا في الجزائر منذ سنوات على الإشاعة والإشاعة المضادة بسبب شح المعلومة الرسمية وضبابية المشهد السياسي الذي أصبح الأصل، وبالتالي فكثرة الإشاعات، بما فيها قصص الخلافات بين الرئيس والجيش، خلقت إرباكاً لدى الرأي العام والسلطة، وهذا ما دفع الرئيس إلى فك هذا الارتباك وتوضيح الأمور".

وأضاف "من أهم صفات النظام السياسي الجزائري هو الانسجام، خاصة عند الإحساس بأي تهديد داخلياً كان أم خارجياً، كما هو الظرف الحالي". 

 ويذهب الناشط والأستاذ الجامعي توفيق بوقاعدة إلى خلاف ذلك، ويعتبر أن كثافة التوضيح الذي قدمه الرئيس للعلاقة مع الجيش، "واستنادا إلى قواعد في الخطاب وعلم النفس، والتي تقول إن الإصرار على إنكار شيء هو إثبات له، بحيث تشعر من خلال حديثه أن هناك فعلاً بوادر خلاف، لم يصل ربما إلى درجة القطيعة، لكنه موجود واستدعى مسارعة إلى رأب الصدع، وأعتبر أن توضيحات الرئيس لم تكن مقنعة بالشكل المطلوب".

وفي سياق آخر، لم يفت الرئيس الجزائري، في أول حوار صحافي له منذ ستة أشهر، مخاطبة الحراك الشعبي ومكوناته، وخصها برسائل سياسية بشكل غير مباشر، إذ لم يظهر الرئيس تبون انزعاجا من عودة مظاهرات الحراك الشعبي، خاصة بعد المظاهرات الحاشدة في العاصمة الجزائرية الجمعة الماضي.

وقال "لا تزعجني هذه المسيرات الجديدة للحراك الشعبي"، لكنه اعتبر أنه تلقى رسالة المظاهرات كونها "مسيرات خرجت للتذكير بمطالب الشعب"، وأعلن التزامه بتحقيق مطالب الحراك، لكنه يرفض استعجاله في ذلك.

وخاطب تبون الحراك قائلاً  "إن التغيير لا يأتي دفعة واحدة"، إذ تفيد الرسالة بطلب الرئيس من الحراك منحه الوقت الكافي قبل الحكم على تحقيقه المطالب من جهة، ومن جهة ثانية محاولة تنبيه لوجود ثورة مضادة قد تسقط كامل المسار.

كما تضمنت الرسالة السياسية مطالبة الرئيس مكونات الحراك بضرورة التلقي الصحيح لبعض خطواته الأخيرة، خاصة في ما يخص الإفراج عن المعتقلين، كونها خطوة لا تتعلق بضعف أو استجابة لضغط، وقال "في الواقع كان لزاماً أن آخذ قراراً بشأن المساجين، قررنا العفو من موقع قوة".

المساهمون