رحيل عبد الجواد صالح.. البوصلة التي رفضت الانحراف

23 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 13:15 (توقيت القدس)
السياسي الفلسطيني عبد الجواد صالح (منصة إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وُلد عبد الجواد صالح في البيرة عام 1931، وبرز في العمل السياسي من خلال حزب البعث، حيث انتُخب رئيساً لبلدية البيرة عام 1972، وقاد تجربة بلدية مقاومة ضد الاحتلال.
- بعد إبعاده إلى الأردن، أسس مركز "القدس للدراسات التنموية"، وعاد لفلسطين عام 1993، حيث فاز بعضوية المجلس التشريعي وعُيّن وزيراً للزراعة، لكنه استقال عام 1998 اعتراضاً على الفساد.
- عُرف بمواقفه الصلبة ضد اتفاق أوسلو، واستقال من المجلس المركزي لمنظمة التحرير، واستمر في نضاله رغم استشهاد نجله، ليُذكر كرمز للاستقامة الوطنية.

بعد نحو قرن من الزمن أمضاه في العمل الوطني، رحل السياسي الفلسطيني المخضرم عبد الجواد صالح عطا الحمايل عن 95 عاماً، اليوم السبت، تاركاً وراءه إرثاً سياسياً وشعبياً ممتداً لعقود شكّل فيها أحد أبرز الأصوات المبدئية في الساحة الفلسطينية، حيث لم يكن صالح مجرد اسم في المشهد السياسي، بل شخصية ارتبطت بالثبات على الموقف والجرأة في مواجهة الانحرافات السياسية والفساد، والالتصاق الدائم بالناس وهمومهم، دون أن تنحرف بوصلته عن المبادئ التي نشأ ومات عليها.

وُلد صالح في مدينة البيرة في 3 ديسمبر/كانون الأول 1931، حيث تلقى تعليمه المتوسط قبل أن ينتقل إلى القاهرة ليدرس الاقتصاد السياسي في الجامعة الأميركية، ويحصل على البكالوريوس عام 1955. في سنوات دراسته انخرط في صفوف حزب البعث العربي، لتكون تلك البدايات مدخله إلى العمل السياسي والفكري، قبل أن يعود إلى فلسطين ويلتحق بالعمل السياسي المنظم والجماهيري، الذي طبع مسيرته الطويلة.

في عام 1972 انتُخب عبد الجواد صالح رئيساً لبلدية البيرة على رأس قائمة وطنية، ليقود تجربة بلدية تحولت إلى نموذج للمقاومة المدنية والتنظيم المجتمعي في مواجهة سياسات الاحتلال. وبعد عام فقط، أبعدته سلطات الاحتلال إلى خارج فلسطين، لكن صالح أسس في العاصمة الأردنية عمّان مركز "القدس للدراسات التنموية" ليكون منصة بحثية وفكرية هدفت إلى خدمة المجتمع الفلسطيني.

ظل صالح مرتبطاً بالعمل الوطني حتى في المنافي، ومع عودته إلى فلسطين المحتلة في إبريل/نيسان 1993، استأنف نشاطه الجماهيري. وفي الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأولى عام 1996 فاز صالح بعضوية المجلس التشريعي عن دائرة رام الله والبيرة، جامعاً أكثر من 29 ألف صوت. وعُيّن صالح لاحقاً أول وزير للزراعة في حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية، غير أن استقالته عام 1998 بعد عامين فقط من توليه المنصب، أكدت مجدداً مبدئيته واستقلاليته.

لم يكن صالح منسجماً مع ما رآه مساراً متهاوناً للقيادة الفلسطينية، إذ كان من أبرز المعارضين لاتفاق أوسلو وما نجم عنه من تنازلات سياسية، وبقي على موقفه المبدئي رغم الضغوط. وقد أثار جدلاً واسعاً عندما كان أحد الموقعين على "وثيقة العشرين" عام 1999، البيان العلني الأول الذي انتقد فساد السلطة الفلسطينية تحت عنوان "صرخة من أرض الوطن". ورغم محاولات الرئيس الراحل ياسر عرفات لاستمالته، ظل صالح عصياً على الاحتواء، شخصية تنظر إلى السياسة بوصفها التزاماً أخلاقياً قبل أن تكون موقعاً أو امتيازاً.

بالنسبة إلى كثيرين، كان صالح الصوت الذي رفض الصمت والمواءمات السياسية، وأصر على فضح الخلل حتى من داخل المؤسسة الرسمية. ولم تتوقف مواقف عبد الجواد صالح المعارضة عند ذلك الحد، فقد أحدثت استقالته من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية صدمة في الأوساط السياسية، بعدما اتهم القيادة وعلى رأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتقويض القضية الفلسطينية.

وعلى الصعيد الشخصي، استشهد نجله ماهر عبد الجواد عام 1974 في أثناء تدريبات عسكرية في لبنان، لكن الخسارة لم تثنه عن مواصلة الطريق، ظل يتحدث عن فلسطين باعتبارها قضية أجيال ويؤمن بأن التضحية أثمن ما يمكن أن يُقدّم للوطن.

برحيل صالح اليوم، تطوى صفحة رجل حمل همّ شعبه منذ نعومة أظفاره حتى لحظاته الأخيرة، رجل كان رئيس بلدية، وبرلمانياً، ووزيراً، ومفكراً، لكن قبل كل شيء كان ضميراً سياسياً مخلصاً، لم يساوم على ما اعتبره حقاً وعدلاً، فهكذا يُذكر عبد الجواد صالح: صلباً في مواقفه، حراً في قراره، وباقياً في ذاكرة الفلسطينيين رمزاً للاستقامة الوطنية.