رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي في الصحراء برسائل دعم جديدة للرباط
استمع إلى الملخص
- الزيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات بين المغرب وفرنسا، حيث وقع الملك محمد السادس والرئيس ماكرون إعلاناً لشراكة استثنائية تشمل الصحراء، مما يعزز التعاون الثنائي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- زيارة لارشيه تحمل رسائل سياسية واضحة، تعكس تحولاً استراتيجياً في الموقف الفرنسي تجاه قضية الصحراء، وتفتح الباب أمام استثمارات فرنسية في الأقاليم الجنوبية.
حملت الزيارة الرسمية التي بدأها رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه، على رأس وفد رفيع المستوى، إلى المغرب مساء أول أمس الأحد إشارات ورسائل سياسية لافتة تدعم سيادة المغرب على الصحراء. ووصل لارشيه إلى مدينة العيون، مساء أمس الاثنين، ليكون بذلك ثاني مسؤول فرنسي يزور المنطقة، بعد زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي عدداً من مدن الصحراء الأسبوع الماضي، في أول زيارة لعضو في الحكومة الفرنسية إلى المنطقة.
وبينما أثارت زيارة داتي حفيظة الجزائر التي اعتبرتها "خطيرة للغاية" و"استخفافاً سافراً بالشرعية الدولية من عضوٍ دائم في مجلس الأمن الدولي"، كان ملفتاً للانتباه إعلان رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي مباشرة بعد وصوله مساء أمس إلى مدينة العيون عن نية بلاده افتتاح قنصلية في الصحراء. كما استبق لارشيه زيارته إلى العيون بالتأكيد، عقب لقائه أمس الاثنين في الرباط برئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، خليهن ولد الرشيد، على أن الدعم الفرنسي لسيادة المغرب على الصحراء "لا جدال فيه"، وأن "الأمر لا يتعلق بموقف حكومة أو سلطة تنفيذية (…) بل هو بالفعل سياسة فرنسا"، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن، في 30 يوليو/تموز 2024، اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء، في تحوّل دبلوماسي لافت في علاقات البلدين، وفي مسار حل نزاع استمر لأكثر من 49 عاماً.
وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقّع العاهل المغربي الملك محمد السادس وماكرون إعلاناً لـ"شراكة استثنائية وطيدة" تمتد إلى الصحراء، في خطوة لافتة تعكس توجهاً نحو الرقي بالعلاقات بين البلدين، وتأكيداً على الموقف الفرنسي المعترف بسيادة الرباط على الصحراء والداعم للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، كما جدد ماكرون بصفة خاصة تأكيد التزامه بأن يواصل مواكبة جهود المغرب من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المنطقة لفائدة الساكنة المحلية.
إلى ذلك، يُنتظر أن يعقد لارشيه، اليوم الثلاثاء، محادثات مع والي جهة العيون الساقية الحمراء، عبد السلام بكرات، تليها لقاءات مع رئيس المجلس الجماعي للعيون، مولاي حمدي ولد الرشيد، ورئيس الجهة سيدي حمدي ولد الرشيد. وبحسب أجندة الزيارة، سيقوم الوفد الفرنسي بزيارة مشاريع اجتماعية واقتصادية كبرى بالمدينة، كما سيضع رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي حجر الأساس للمدرسة الفرنسية بالعيون، قبل أن يزور مقر الرابطة الثقافية الفرنسية في المدينة ذاتها.
وبحسب مراقبين مغاربة، تحمل زيارة لارشيه إلى الصحراء بعداً دبلوماسياً خاصاً ورسائل سياسية تعكس انخراط باريس في تأكيد دعمها للسيادة المغربية على المنطقة. وقال رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، نبيل الأندلوسي، لـ"العربي الجديد" إن الزيارة "تؤكد الموقف الفرنسي بشأن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، وهي تثبيت للتحول الاستراتيجي لهذا الموقف من الضبابية وسياسة اللعب على الحبلين المغربي والجزائري، إلى الموقف الثابت والواضح بدعم مبادرة الحكم الذاتي وسيادة المغرب على صحرائه".
واعتبر الأندلوسي أن الزيارة هي "رسالة سياسية واضحة تعكس هذا التطور الإيجابي في العلاقات بين البلدين"، لافتاً إلى أنها تأتي بعد أيام من زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية، وأنها "تأكيد على التوجه الفرنسي الحالي، الذي لم تعد حسابات ردّ الفعل الجزائري حاضرة عنده كما كان قبل بلورة الموقف الواضح بشأن مغربية الصحراء".
من جهته، رأى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، أن زيارة لارشيه إلى الصحراء "تبعث برسائل عدة، أولها أن العلاقات بين البلدين بعد زيارة ماكرون إلى الرباط أخذت منحى جديداً يتمثل أساساً في الاعتراف الرسمي الكامل والواضح بسيادة المغرب على كل أقاليمه الجنوبية". وأضاف أونغير لـ"العربي الجديد" أن الزيارة تبعث برسالة ثانية مؤداها أن الرباط وباريس "قررتا المضي قدماً في العلاقات الاستراتيجية رغم الحملات الإعلامية الممنهجة التي تتعرض لها الحكومة الفرنسية من الجزائر والموالين لها من أجل ثنيها عن السير قدماً في الاعتراف بمغربية الصحراء".
وبحسب الباحث المغربي، فإن الزيارة تؤكد أن الحكومة الفرنسية وجميع مكونات الدولة الفرنسية عازمة على تنزيل وتفعيل الموقف الجديد بخصوص مغربية الصحراء، معتبراً أن "الزيارات المتتالية للمسؤولين الفرنسيين إلى المدن الصحراوية دليل قاطع على أن فرنسا الرسمية حسمت موقفها التاريخي اتجاه سيادة المغرب على صحرائه، بل دعمت ذلك الموقف الشجاع والمنصف بوثائق تاريخية من الأرشيف الفرنسي أفرجت عنها في الأسابيع الماضية، وتتضمن وثائق دامغة وواضحة تدل على أن الصحراء كانت جزءًا لا يتجزأ من الإمبراطورية المغربية مترامية الأطراف قديماً، والتي قُزِّمت بفعل التقسيمات الدولية الاستعمارية".
وأوضح أونغير أن موقف باريس من قضية الصحراء "بات محسوماً وواضحاً ومبنياً على المصلحة الفرنسية الاستراتيجية في المنطقة؛ لإدراكها جيداً أن الاستقرار في الساحل والصحراء ومحاربة الهجرة السرية وتطويق السلاح المنفلت ومحاصرة المخدرات والجماعات الإرهابية، من المسؤوليات الكبرى التي يضطلع بها المغرب ويتفوّق فيها، واستطاع بيقظة أجهزته الأمنية أن يحفظ الأمن الإقليمي أفريقياً وأوروبياً"، متوقعاً أن تزيد فرنسا من "الزخم الدبلوماسي تجاه المغرب وفي أقاليمه الجنوبية، وأن تلحق كبريات الشركات الفرنسية بالاستثمار في تلك الأقاليم، لأنها تدرك جيداً الفرص الاستثمارية التي تتيحها، ما سيجعل ذلك الاستثمار فاعلاً أساسياً إضافياً لتوطيد علاقات الرباط وباريس".