استمع إلى الملخص
- التعاون العسكري والسياسي: تم توقيع إعلان سياسي لترفيع العلاقات إلى شراكة استراتيجية وتفعيل بروتوكول التعاون العسكري، بالإضافة إلى اتفاقية لإعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية من التأشيرات، مما يعزز المشاورات والتنسيق السياسي.
- التحديات الإقليمية والدولية: تسعى مصر لتعزيز شراكتها مع الصومال لمواجهة النفوذ الإقليمي والدولي في القرن الأفريقي، ودعم المؤسسات الصومالية والجيش لمواجهة الإرهاب، مع احترام سيادة دول المنطقة.
عاد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أمس إلى القاهرة في زيارة هي الثانية من نوعها خلال أشهر قليلة. وعكس استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس الصومال في القاهرة أهمية العلاقات الاستراتيجية المصرية-الصومالية، وتعزيز مساعي القاهرة لتوسيع نفوذها في منطقة القرن الأفريقي.
وتأتي الزيارة في سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد، إذ تعمل القاهرة على تعزيز أطر التعاون الثنائي وبحث تطورات الأوضاع الإقليمية في منطقة القرن الأفريقي. وعكست هذه الزيارة حرص مصر على تعزيز استقرار منطقة القرن الأفريقي التي تُعد جزءاً من أمنها القومي، فالصومال، الذي عانى لسنوات من الحروب الأهلية وعدم الاستقرار، أصبح محط أنظار القوى الإقليمية والدولية نظراً إلى موقعه الاستراتيجي المطل على خليج عدن وقربه من ممرات التجارة الدولية. وتدرك القاهرة أن استقرار الصومال يمكن أن يسهم في تقليل التهديدات الأمنية في المنطقة، مثل الإرهاب والقرصنة، والتي قد تمتد آثارها إلى البحر الأحمر والسواحل المصرية. وقالت مصادر دبلوماسية وأمنية لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة تسعى من خلال تعزيز علاقاتها بمقديشو إلى مواجهة التحديات الناشئة عن التنافس الإقليمي مع أديس أبابا، خاصة في ظل الخلافات بشأن سد النهضة، فالتعاون المصري-الصومالي قد يشكل ورقة ضغط إضافية للقاهرة في معادلة التوازن الإقليمي، خاصة أن للصومال بعلاقات متوترة مع إثيوبيا نتيجة للخلافات الحدودية والتوترات السياسية التاريخية.
السيسي يلتقي رئيس الصومال في القاهرة
أكد السيسي أن أمن واستقرار الصومال جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري
وأكد السيسي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الصومال في القاهرة أمس الخميس، أن أمن واستقرار الصومال جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. وشدد السيسي على الروابط والعلاقات الوطيدة بين البلدين التي تعود إلى زمن بعيد، مشيراً إلى أن "العلاقات بين مصر والصومال تشهد تطوراً كبيراً حيث يعد لقاء اليوم (أمس) الرابع الذي يجمعنا منذ يناير/كانون الثاني 2024، لتلبية المصالح المشتركة". وأضاف أنه بحث مع رئيس الصومال في القاهرة مختلف القضايا والتطورات الإقليمية، بما في ذلك الأوضاع الأمنية والسياسية في منطقة القرن الأفريقي، وأمن البحر الأحمر، مؤكداً التوافق على ضرورة تكثيف الجهود للحفاظ على السلم والأمن في تلك المنطقة الحيوية، المؤثرة على الأمن العالمي. وأضاف السيسي: "اتفقنا على مواصلة العمل المشترك تفعيلاً لبروتوكول التعاون العسكري، الموقع بين البلدين بالقاهرة، في أغسطس/آب 2024 بهدف تدعيم قدرات الدولة الصومالية ومؤسساتها الوطنية، لحفظ الأمن والاستقرار، ومكافحة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة".
وأشار إلى أنه ناقش مع رئيس الصومال في القاهرة مسألة مشاركة القوات المصرية في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال، معتبراً أن "مشاركتنا في هذه البعثة تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الصومال، ولا تهدف إلى تهديد أي دولة". وأوضح السيسي أنه وقع مع رئيس الصومال في القاهرة أمس الخميس إعلاناً سياسياً مشتركاً، لترفيع العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية، بما يشمله ذلك من محاور سياسية وعسكرية وثقافية واقتصادية، لافتاً إلى أن "الإعلان يقضي بإجراء مشاورات سياسية سنوية على مستوى القمة، لمتابعة مجمل تطورات العلاقات بين بلدينا، واستشراف إجراءات تعزيز التعاون في مختلف المجالات".
وأعلن السيسي أنه شهد مع رئيس الصومال في القاهرة مراسم توقيع اتفاق تبادل الإعفاء من تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية من البلدين، بما يعزز من آليات المشاورات والتنسيق السياسي، بين البلدين. ووفق بيان المتحدث باسم الرئاسة المصرية محمد الشناوي فقد تم خلال اللقاء بين السيسي ورئيس الصومال في القاهرة التوقيع على الإعلان السياسي المشترك لترفيع العلاقات بين مصر والصومال إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، إلى جانب عدد من مذكرات التفاهم بين البلدين.
صراعات متشابكة في القرن الأفريقي
وتشهد منطقة القرن الأفريقي صراعات متشابكة وتنافساً حاداً بين القوى الإقليمية والدولية، فإثيوبيا تعمل على تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال مشروعات البنية التحتية الكبرى، مثل سد النهضة، بينما تحاول دول مثل تركيا والإمارات تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في المنطقة. وأقامت تركيا، على سبيل المثال، قاعدة عسكرية في مقديشو، وتعمل على تدريب القوات الصومالية، بينما تسعى الإمارات إلى توسيع نفوذها عبر استثمارات في الموانئ والبنية التحتية. ووسط هذه التداخلات، وبحسب المصادر، تأتي التحركات المصرية لتعزيز شراكتها مع الصومال في جزء من استراتيجية أوسع للحفاظ على مصالحها العليا، فالقاهرة تدرك أن التعاون مع الصومال يمكن أن يوفر لها حليفاً استراتيجياً في مواجهة النفوذ الإثيوبي، فضلاً عن أنه يعزّز دورها لاعباً رئيسياً في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
وتساهم الجغرافيا السياسية للصومال في جعله "محورياً" في معادلات النفوذ الإقليمي والدولي، فالصومال يطل على واحد من أهم الممرّات البحرية في العالم، حيث يمر عبر خليج عدن جزء كبير من تجارة النفط العالمية والبضائع. ولذلك، يمكن أن تؤثر أي اضطرابات في هذه المنطقة بشكل مباشر على حركة التجارة الدولية، بما في ذلك مصر التي تعتمد على قناة السويس مصدراً رئيسياً للدخل القومي. ومن هنا، تسعى مصر إلى تعزيز علاقاتها مع الصومال لضمان استقرار المنطقة وحماية مصالحها الاقتصادية. كما أن هذا التعاون يتيح للقاهرة مواجهة التدخلات الخارجية التي قد تهدد مصالحها، خاصة مع وجود قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والصين التي تسعى بدورها لتعزيز وجودها في القرن الأفريقي.
نجلاء مرعي: القاهرة حريصة على دعم المؤسسات الصومالية وتعزيز قدرة الجيش على التصدي للإرهاب
وقالت الخبيرة في الشؤون الأفريقية، نجلاء مرعي، لـ"العربي الجديد"، إن زيارة شيخ أحمد القاهرة تأتي في إطار استراتيجية مصر الأمنية التي تشهد تحولات هامة في ظل الظروف الإقليمية الحالية. وأضافت أن مصر تواجه دائرة من الأخطار التي تحيط بها من مختلف الجبهات الاستراتيجية، ما يجعل من المرجح أن تعقد اتفاقيات ولقاءات مع دول منطقة القرن الأفريقي بهدف الدفاع عن مصالحها ومواجهة التهديدات الأمنية في تلك المنطقة المضطربة. وأفادت بأن الفاعلين الإقليميين والدوليين في القرن الأفريقي يتزايدون في الانخراط ضمن تحالفات واتفاقيات لحماية مصالحهم، ما يزيد من حدة المنافسة الإقليمية والدولية، ورغم ذلك، قد تؤدّي هذه التحالفات إلى تصاعد التوترات بين الدول المتجاورة، ما قد يتسبب في نزاعات دبلوماسية أو حتى صراعات عسكرية.
وعلى صعيد العلاقات المصرية مع الصومال، أشارت مرعي إلى حرص القاهرة على دعم المؤسسات الصومالية وتعزيز قدرة الجيش الفيدرالي الصومالي على التصدي للإرهاب وحماية حدود الدولة، كما أكدت مصر ضرورة احترام سيادة واستقلال دول القرن الأفريقي، ومن بينها الصومال، وتصدّيها لأي تدخلات قد تهدد أمن المنطقة. وأضافت أن مصر دخلت في عدة اتفاقيات أمنية وسياسية مع دول المنطقة. ولفتت مرعي إلى دور تركيا في المصالحة بين إثيوبيا والصومال، مؤكدة أنه رغم أهمية الاتفاقية، إلا أن ذلك لا يتعارض مع الجهود المصرية ولا يؤثر على النفوذ المصري. وأكدت أن مصر حريصة على تنسيق جهودها مع تركيا في القضايا الإقليمية، كما أبدت ارتياحها لدور مصر الفاعل في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصومال.