استمع إلى الملخص
- يبرز غراوسغورد دور التكنولوجيا الحديثة في زيادة فعالية الحروب، حيث تُستخدم الأسلحة الذكية والطائرات المسيّرة في غزة دون اعتبار للتكلفة البشرية، مما يؤدي إلى تدمير أهداف مدنية بسرعة غير مسبوقة.
- ينتقد الكاتب دور الشركات الأميركية مثل "بالانتير" في دعم الحروب بتقنيات تستهدف الأحياء المدنية، محذراً من تلاشي الضمير الإنساني وتحول الضحايا إلى أرقام في قواعد بيانات حربية.
في مقال تحليلي نُشر أمس الجمعة على موقع (Solidaritet.dk)، قدّم الكاتب والمؤلف الدنماركي جون غراوسغورد مقارنة لافتة بين قصف غزة اليوم وتفجير القنبلة الذرية في هيروشيما عام 1945، محذراً من أن الحروب الحديثة، التي تدار عبر الذكاء الاصطناعي وأنظمة الأقمار الصناعية، ألغت كلياً التمييز بين الجندي والمدني.
يرى غراوسغورد أن القنابل التقليدية التي تزود بها الولايات المتحدة حلفاءها، ومنها قنابل ضخمة تزن حوالي ألفي رطل زُوّدت بها إسرائيل، تقترب في قدرتها التدميرية من "القنابل الذرية الصغيرة". ويؤكد أن غزة تحولت إلى ما يشبه "لحظة هيروشيما"، إذ أصبح اللامعقول أمراً اعتيادياً، و"قتل المدنيين باسم الضرورة العسكرية" امتدادٌ لإرث قديم يعيد إلى الأذهان مشاهد الإبادة من ناغازاكي وهيروشيما، مشدداً على أن من لا تروقه المقارنة يمكنه النظر إلى تدمير دريسدن وهامبورغ.
وذكر الكاتب أن القنبلة التي ألقيت على هيروشيما قتلت 70 ألف شخص على الفور، و70 ألفاً آخرين لاحقاً. حينها، احتُفي بها بوصفها وسيلة "ضرورية" لإنهاء الحرب، رغم أنها أصبحت رمزاً للشر البشري. واليوم، بحسب غراوسغورد، تُستخدم الحجة ذاتها في تبرير المجازر في غزة: "لأننا نستطيع، سنفعل"، منبهاً إلى أن التكنولوجيا لم تجعل الحروب أقل دموية، بل زادت من فعاليتها التدميرية. أسلحة ذكية، طائرات مسيّرة، وبرمجيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، جميعها تُستخدم اليوم في غزة من دون اعتبار لتكلفة بشرية باهظة. ويتابع الكاتب: "اليوم، تواصل إسرائيل هذا النوع من الحرب الشاملة في غزة، حيث تحاول حركة مقاومة مسلحة الدفاع عن الأرض الفلسطينية ضد الاحتلال"، مؤكداً: "يكفي الاشتباه بوجود مقاوم في مبنى لتحويله إلى أنقاض... وجميع السكان ضحايا". ويضيف أن عمليات قصف قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي تُنفذ ضمن منطق "هيروشيما الجديد" الذي يدمر بشكل ممنهج من دون اعتبار المجتمع المدني "مقتنعين بأن القصف ضروري لأنّ الإمكانية التقنية موجودة"، وهذا ما يسميه "تعصباً تقنياً" يتم فيه اختبار أسلحة جديدة على بشر حقيقيين من دون شعور تجاه منفذيها أو بمن يدعمهم سياسياً.
يشير غراوسغورد إلى تحول الحرب إلى "مختبر" فعلي لاختبار أسلحة ذكية، تدمّر مناطق كاملة بسرعة مذهلة، فيما يتم تغييب العامل البشري عن اتخاذ القرار. ويستشهد بمقال للباحث الأميركي ويليام هارتونغ على موقع (TomDispatch)، يحذّر فيه من أن الأسلحة الموجهة بالذكاء الاصطناعي تتيح تدمير أهداف مدنية بسرعة غير مسبوقة، وتُسند قرارات القتل إلى خوارزميات مبرمجة مسبقاً.
ويُسلط الكاتب الضوء على دور الشركات الأميركية الخاصة في هذا المسار، خصوصاً شركة "بالانتير" (Palantir)، المملوكة للملياردير بيتر ثيل، ورئيسها التنفيذي أليكس كارب. هذه الشركة، بحسب غراوسغورد، على علاقة وثيقة بالبنتاغون والحكومة الإسرائيلية، وتقدم تقنيات تُستخدم حالياً في استهداف الأحياء المدنية في غزة. ويستشهد بتصريح نُسب إلى كارب، مفاده أن الولايات المتحدة في حاجة إلى "مشروع مانهاتن جديد" لتطوير الذكاء الاصطناعي العسكري، يضمن سيطرة الغرب على "أسلحة القرن"، مثل أسراب الطائرات المسيّرة وأنظمة الاستهداف الآلي.
يعتبر غراوسغورد أن هذه المقاربة تُعيد إنتاج عقلية عنصرية، ترى في شعوب العالم "الأدنى" مادة قابلة للإبادة. فكما لم يُبدِ الغرب في الحرب العالمية الثانية تعاطفاً كبيراً مع المدنيين اليابانيين كما فعل مع ضحايا جرائم النازية في أوروبا، يتجاهل اليوم ما يجري في غزة، متذرعاً باعتبارات أمنية أو تحالفات استراتيجية. ويضيف ساخراً: "حتى رائحة اللحم البشري المحترق لم تعد تزعج منفذي الضربات أو داعميهم السياسيين".
في هذا السياق، يشير الكاتب إلى أن إسرائيل، وفق تقارير عدة، تستخدم أنظمة مثل "Habsora" لتحليل المعلومات وتسريع اتخاذ القرار في قصف الأهداف، ما يجعل العمليات أكثر "فعالية"، ولكن أقل مراعاة لأي بُعد إنساني. وأمام هذه الأتمتة المتوحشة للحرب، يحذر غراوسغورد من تلاشي الضمير الإنساني، ومن تحوّل الضحية إلى رقم في قاعدة بيانات حربية.
ويختتم الكاتب باقتباس من المفكر الأميركي هنري جيرو، نشره في مجلة (Monthly Review)، قال فيه: "امتلاك المعرفة والنقد والاستعداد للنضال من أجل عالم أفضل يتطلب شجاعة هائلة... في مثل هذه الأوقات، وكما أشارت حنة أرندت، أصبح التفكير بحد ذاته مخاطرة". ثم يعلق غراوسغورد بأن غزة اليوم ليست فقط ميدان معركة، بل مرآة لعصر يختفي فيه الإنسان خلف لوغاريتمات القتل، وتصبح التكنولوجيا سلاح إبادة ممنهجاً.