ترامب يُعسكر النظام الداخلي: مطاردات من "هوم ديبو" لواشنطن
استمع إلى الملخص
- حوادث اعتقال ووفاة مهاجرين أثارت احتجاجات واسعة ضد عسكرة الحملة، حيث يواجه ترامب انتقادات حادة من الديمقراطيين الذين يصفونها بـ"حملة الرعب".
- ترامب يلمح إلى استدعاء "قانون التمرد" لتوسيع حملته، مما يثير مخاوف من زيادة العسكرة وتوسيع الصلاحيات التنفيذية، وقد يؤدي إلى أزمة ثقة بين الجيش والمواطنين.
بين متاجر سلسلة "هوم ديبو" الشهيرة لبيع منتجات ومعدات البناء بالتجزئة في العالم، وضواحي لوس أنجليس في ولاية كاليفورنيا، والعاصمة واشنطن، تتركز حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لملاحقة المهاجرين غير النظاميين، ومكافحة الجريمة، والتي تعتمد بشكل كبير على قوات الحرس الوطني، وقوات إنفاذ القانون. الحملة "المُعسكرة"، والتي تسير بخطى ثابتة، مستهدفةً بشكل خاص ذوي البشرة الملونة، والذين عادة ما يقطنون الولايات الديمقراطية، لم تعد مجرد استعراض قوة، للتخفيف من وطأتها، بل باتت تنفيذاً متدرّجاً ومتأنياً لأجندة ترامب والجمهوريين الخاصة بالداخل الأميركي، يُصبح معها انتشار الجيش الأميركي على الأراضي الأميركية، إذا ما استدعى ترامب "قانون التمرد" الذي يعود لـ218 عاماً إلى الوراء، محتملاً جداً، وهي فكرة تراود الرئيس الجمهوري منذ ولايته الأولى، وحذّره مراراً منها الجنرالات.
دونالد ترامب يلاحق المجرمين
ونجح دونالد ترامب قبل إكمال عامه الأول بعد إعادة انتخابه رئيساً لولاية ثانية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في عسكرة حملته التي أطلقها على نظام الهجرة في البلاد، تحت شعار محاربة المهاجرين غير النظاميين، وطرد أكبر عدد ممكن منهم سنوياً. هذه الحملة، التي بدأها ترامب منذ اليوم الأول بعد عودته للبيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، تحمل طابعاً عنصرياً وطبقياً وحزبياً، أصبح من دون فلاتر، وهي لا تتوقف عن الاتساع، وباتت تشمل "المجرمين" و"المشتبه فيهم"، والمشرّدين، والعمّال، مع عسكرة لافتة للمجال العام، عبر تهميش الشرطة المحلية، وهي لا تضع فقط مؤسسة الشرطة والحرس الوطني ووكلاء الأجهزة الفيدرالية تحت كمّ هائل من الضغط وإعادة صياغة مفهوم جديد للمهمات، بل المجتمع الأميركي برّمته في تجربة مختلفة من التعاطي مع هذه الأجهزة.
توفي عامل دهساً بسيّارة خلال هروبه من متجر لـ"هوم ديبو" دهمه عملاء وكالة الهجرة والجمارك
وانتشرت يوم السبت الماضي، في وسائل الإعلام المحلية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، صور وفيديوهات من شمال غربي واشنطن، تظهر عملاء فيدراليين بلباس يحمل اسم "الشرطة"، وهم يطرحون أرضاً عامل توصيل طعام، يحمل الجنسية الفنزويلية، قبل اعتقاله. العامل، وهو كريستيان إنريكي كارياس توريس، قالت المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي، تريسيا ماكلافلين، إنه دخل البلاد في 2023، بشكل غير قانوني، وقد أمر قاضٍ بترحيله في وقت سابق من العام الحالي، ولم يحضر جلسات محاكمة عدة في ماريلاند، مرتبطة بقضايا ملاحق بها تتعلّق بجرائم سير. أما المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، فقالت إن توريس مشتبه بانتمائه إلى إحدى العصابات. وكان العملاء الفيدراليون الذين اعتقلوا الفنزويلي المتهم، ملثّمين، وقد اقتادوه في سيارة دفع رباعي كبيرة الحجم، بزجاج أسود، ورفضوا التعريف عن أنفسهم للمارة الذين تجمعوا لتصوير الحادثة، ومنهم من قال للإعلام إن العملاء كانوا يرتدون شارة قوات إنفاذ القانون التابعين لإدارة الهجرة والجمارك (ICE).
ووقعت الحادثة في واشنطن، حيث أمر دونالد ترامب قبل أكثر من أسبوع، بنشر الحرس الوطني لمواجهة "عصابات ومجرمين خطيرين"، وما وصفها بـ"موجة من الخروج على القانون". قضية واشنطن، على الفور، تحولت إلى قضية رأي عام، بين "ليبرالي" و"جمهوري"، حيث يفترض أن القوات التي انتشرت، وعددها 800، أن تبدأ بحمل السلاح خلال الأيام المقبلة. ووضع ترامب العاصمة واشنطن، وهي ديمقراطية، تحت إشراف اتحادي مباشر، وانتشر فيها بأمرٍ منه، مئات العناصر من حوالي 12 وكالة اتحادية، من بينها مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، وإدارة الهجرة والجمارك، وإدارة مكافحة المخدرات، إضافة إلى مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات. وخرجت تظاهرات في عطلة نهاية الأسبوع، في واشنطن، رافضة عسكرة المدينة، وذلك بعدما أعلن المدعي العام للعاصمة براين شوالب عن مقاضاة الإدارة الأميركية بهدف وقف استيلاء ترامب على شرطة العاصمة. وإذا كانت هذه الدعاوى التي ترفع في وجه أوامر ترامب، تزعج فريقه، إلا أن بعضها أظهر هشاشته، وفق تقرير جديد نشرته وكالة رويترز، يوم الجمعة الماضي.
وليست وحدها واشنطن، المستهدفة حتى الآن، في اختبار دونالد ترامب لعسكرة الشأن الداخلي. فقد كانت سبقتها في يونيو/حزيران الماضي، ولاية كاليفورنيا، التي كان ترامب أمَر بنشر ألفي عنصر من قوات الحرس الوطني في إحدى أكبر مدنها، لوس أنجليس، لاعتقال المهاجرين، وبعد احتجاجات عارمة في المدينة، رفضاً للمداهمات التي ينفذها قوات إدارة الهجرة.
حادثة أخرى، الأسبوع الماضي، أثارت الرأي العام المُعارض لترامب، وكانت أكثر وقعاً، مع وفاة "عامل" دهسته سيّارة خلال هروبه من متجر لـ"هوم ديبو"، يوم الخميس الماضي، في جنوب كاليفورنيا، بعدما دهمه عملاء وكالة الهجرة والجمارك، للتحقيق مع "العمّال". العامل المتوفى، تمّ تعريفه بأنه روبرتو كارلوس مونتويا فالديس، من غواتيمالا.
"قانون بوس كوميتاتوس" يحظر على الجيش، بما في ذلك القوات المسلحة الفيدرالية وقوات الحرس الوطني، المشاركة في إنفاذ القانون المدني
وأصبحت متاجر "هوم ديبو" الشهيرة للتجزئة، المكان المفضل لمداهمات عملاء ترامب، بحثاً عن المهاجرين "العمّال"، للتحقيق معهم، وطلب أوراقهم، أو اعتقالهم. فالديس، بحسب إدارة الهجرة، لم يكن ملاحقاً أو مطلوباً، وقد خرجت تظاهرات في لوس أنجليس تنديداً بالمداهمات بعد مقتله، فيما وصف مسؤولون ديمقراطيون حملة ترامب بـ"حملة الرعب"، وفق عضو مجلس الشيوخ عن الولاية ساشا رينيه بيريز. لكن مالكي "هوم ديبو"، لا يزالون حتى الآن يلتزمون الصمت حيال المداهمات، وقد نقل البيت الأبيض، أخيراً، على صفحته الرسمية، تعليقاً لكين لانغون، أحد المؤسسين الشركاء للمتجر العالمي، قال فيه لموقع شبكة سي أن بي سي، إنه "لم يكن في حياته متحمساً حول مستقبل أميركا كما هو اليوم في عهد دونالد ترامب".
ويقول مسؤولون في إدارة دونالد ترامب إن حملته قد تتوسع لتشمل ترحيل أشخاص يحملون الجنسية الأميركية، مدانين بارتكاب جرائم، كما أنهم قد لا يجرمون المهاجرين فقط، بل المواطنين، الذين يرفضون الامتثال لأوامر الرئيس. هذه التكتيكات التي يختبرها الرئيس الأميركي، لا تعدّ فقط اختباراً للنظام الديمقراطي، بل للمؤسسة العسكرية، التي تجد نفسها تحت ضغط متواصل حيث قد يدفعها ترامب للانتشار في أي لحظة، إذا ما استدعى قانون التمرد، الذي يعود إلى عام 1807، لتوسيع حملته في الولايات الزرقاء، بعد واشنطن وكاليفورنيا.
وكان ترامب لمّح في يونيو الماضي إلى أنه قد يستدعي القانون الذي كان وقّعه الرئيس توماس جيفرسون في 1807، والذي يسمح للرئيس باستدعاء الجيش لإخماد "تمرد" أو "عنف محلي" أو أي اضطرابات داخلية عامة تمنع تنفيذ القوانين الفيدرالية أو تحرم المواطنين من حقوقهم الدستورية. ويتضمن القانون شروطاً بشأن الصلاحيات المخولة للرئيس دون الحسم في أمرها بشكل واضح، وقد استخدمت الولاية المتحدة هذا القانون 30 مرة منذ اعتماده، آخرها في عام 1992 بعهد الرئيس جورج بوش الأب. علماً أن قانوناً آخر، هو "قانون بوس كوميتاتوس" (1878)، يحظر على الجيش الأميركي، بما في ذلك القوات المسلحة الفيدرالية وقوات الحرس الوطني، المشاركة في إنفاذ القانون المدني، في إطار تقليد أميركي يعتبر التدخل العسكري في الحكومة خطراً على الحرّيات.
لكن استمرار الاحتجاجات ضدّ ترامب، في ولايات عدة، اعتراضاً على نشر الحرس الوطني، وخصوصاً إذا ما توسعت وتحولت إلى عنفية، قد تمنحه مسوّغاً لنشر الجيش، وهو أمر قاومه خلال احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" في 2020، والتي خرجت بعد مقتل المواطن من أصول أميركية جورج فلويد على يد شرطي، في ذلك العام، بولاية مينيسوتا. والمفارقة، هي أنه بينما ساهمت تلك الحركة، في ذلك العام، بإعادة وضع قضية الشرطة الأميركية وضرورة تقليص موازنتها، وتعديل مهامها، على الطاولة، وهو أمر فشل الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن، في معالجته كثيراً مع الكونغرس الماضي، ينحو ترامب اليوم، نحو مزيد من العسكرة لمعالجة المشاكل والأزمات والتحديات الداخلية، وهو ما قد يخلق أزمة ثقة كبيرة بين الجيش والمواطنين. أبعد من ذلك، فإن هذه العسكرة المتواصلة تعدّ اختباراً من ترامب، لرغبته في توسيع الصلاحيات التنفيذية، وهو ما كان اقترحه "مشروع 2025" لإعادة هيكلة الحكم في أميركا، وأعدته مؤسسة هيريتاج البحثية، وقيل إنه مجموعة مقترحات لترامب، كشف عنها العام الماضي، خلال حملته الانتخابية الثالثة.