استمع إلى الملخص
- أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزة، مستغلاً اللحظة لتحقيق نصر سياسي وضغوطه على الأطراف المعنية.
- يسعى ترامب لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية من خلال صفقة غزة، مع تراجع مكانة إسرائيل عالمياً وتزايد الدعم لغزة.
لن تشذّ حرب غزة الأخيرة، التي تتكشف تباعاً أرقام شهدائها من الفلسطينيين بما يفوق الـ67 ألف شهيد، ومئات آلاف الجرحى والمفقودين والأيتام والمُجوّعين والمُنهكين من أهوال هذه الحرب ومآسيها، عن قاعدة كلّ الحروب في العالم. فبعد عامين من الإبادة الجماعية، والضوء الأخضر الأميركي الغربي لمواصلة إسرائيل عدوانها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يسيل لُعاب كثر للفوز بحصّة من كعكة "السلام" المطروح في القطاع. لكن أحداً مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبرع بقدر كبير في التقاط اللحظة، والصورة، والوضعية المُناسبة، للاستئثار بـ"نصر" مُعلن، والذي وإن كان لن يمنحه فرصةً على الأرجح هذا العام لإمساك جائزة نوبل للسلام بين يديه، كما كان يأمل، إلا أن "نوبل" بإمكانها الانتظار للعام المقبل. فصفقة غزة وحدها، التي تجعله عرّاب وقف حرب أدرك أنها باتت شاغلة العالم، تستحق عنده المُثابرة، على اعتبار أنها قد تكون "جوهرة" الصفقات التي يُبرمها.
تضاءلت فرص حصول ترامب هذا العام على نوبل للسلام
همسةٌ في أذن دونالد ترامب
وكانت بضع دقائق مُخرجة بإتقان، أول من أمس الأربعاء، كفيلةً لكي يعلن دونالد ترامب من قاعة طعام في البيت الأبيض، حيث كان يعقد مؤتمراً صحافياً عن تجاوزات اليسار الراديكالي في الولايات المتحدة، التوصل إلى اتفاق حول المرحلة الأولى من صفقة وقف النار في غزة. عالمٌ آخر من الاهتمامات، يدور حول حركة "أنتيفا"، اقتحمه وزير الخارجية ماركو روبيو، ليهمس في أذن الرئيس، الذي استفسر إن كان هناك "أي جديد من الشرق الأوسط". مدّ روبيو ورقة مكتوباً عليها بخطّ اليد، لترامب، التقطتها عدسات وكالات الأنباء العالمية، التي التقطت أيضاً همسة روبيو التي ستدخل في التاريخ، حيث سأل ترامب إن كان يسمح بنشر إعلان على منصته "تروث سوشال" لكي يكون الرئيس الأميركي "أول من يعلن الصفقة".
ولا يخفى اهتمام ترامب بإخراج اللقطات التي يُمكن تخليدها، ويبتدعها أحياناً من أجل ذلك، بدءاً من صورته الجنائية إلى تلك التي وثّقت إصابته في الأذن خلال محاولة اغتياله العام الماضي. ولا يُستبعد أن يزور ترامب غزة بعد الحرب، لالتقاط صورة أمام شاطئها، على اعتبارها جوهرة الصفقات المحتملة، ومفتاحاً لصفقات قد تلحقها. ومن أجل ذلك، واصل الرئيس الأميركي ضغوطه، طوال الأيام الماضية، منذ أن التقى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، على جميع الفرقاء، سواء إسرائيل أو حركة حماس أو الدول الوسيطة في المفاوضات، لإنجاز الاتفاق، تارة بالتهديد وتارة بإغراءات السلام الذي يدعي أنه وحده في الشرق الأوسط قادر على إتمامه.
ومن وجهة نظر استراتيجية، فإن الولايات المتحدة، لا تبحث عن لقطة، بل عن مصالحها الحيوية، والتي تراجعت في الشرق الأوسط بعد العدوان الإسرائيلي على قطر، في 9 سبتمبر الماضي، كما أنها مدركة لتراجع مكانة إسرائيل عالمياً، ودخول دولة الاحتلال مرحلة العزل، وسط تحول التظاهرات الداعمة لغزة حول العالم، إلى حالة خاصة وتملك تأثير الدومينو، ويستحيل وقفها، بينما بدأ ينتاب زعماء الدول الحليفة للولايات المتحدة، حالة سأم بل حتى قرف، من شخص بنيامين نتنياهو، الذي أصبح مكشوفاً لجهة إصراره على مواصلة الحروب لأغراضه الشخصية السياسية.
صفقة بأبعاد شخصية
ولكن للصفقة، أبعاد وأغراض شخصية وخاصة، لدى دونالد ترامب نفسه، لا يملّ من ذكرها تلميحاً أو مباشرة، إذ لا يخفي اهتمامه بنيل "نوبل السلام"، التي حظي بها باراك أوباما، وقبله رئيسان أميركيان خلال خدمتهما في المنصب، وواحد بعد نهاية حكمه. ويطمح ترامب، الذي يتفنن بنقل لوحات الرؤساء المعلّقة على جدران البيت الأبيض ليبقى في الصدارة وبؤرة النظر، في إطار سباقه مع الوقت لإنجاز المهمة في غزة، لنيل نوبل، وسيضغط من أجل ذلك العام المقبل، بعدما تضاءلت حظوظه هذا العام، وفق ما يرشح من أوسلو، مقر لجان المنظمة. وبينما كانت مجرد فكرة حصول ترامب تحديداً على "نوبل السلام"، منفصلة عن الواقع، نظراً إلى أنه ليس صانع سلام بالمُطلق، بل مثيرٌ بالفطرة وبمجرد تعبيره الكلامي، لكلّ أنواع الانقسامات السياسية والعرقية والإثنية، والانعزال، والقطع مع المبادرات الدولية والتشاركية والإنسانية والمناخية، وهو ما شرحه تقرير لوكالة فرانس برس أول من أمس، إلا أن مسألة حصوله على الجائزة، دخلت عالم التداول، ولن تخرج. وفي ما يخصه لن يكون العام المقبل، بعيداً، مع إدخاله واستغلاله غزة، في فخّ صفقة شاقة يعمل فريقه من رجال الأعمال على هندستها.
لا يُخفى اهتمام ترامب بإخراج اللقطات التي يُمكن تخليدها
ولزيادة الضغوط على نتنياهو، شملت هندسة دونالد ترامب لطريق الاتفاق على المرحلة الأولى، تسريبات حول سخطه منه، وخبايا مكالمة هاتفية بينهما شهدت اتهام ترامب لرئيس الحكومة الإسرائيلية بالسلبية وتأنبيه بألفاظ قاسية. كما شمل الإخراج إظهار أن ترامب، هو الوحيد القادر على إنهاء الحرب، التي كانت شكّلت محور حديث الرجلين خلال حملة انتخابات ترامب الانتخابية العام الماضي، حين سُرّب عنه، تآمره مع نتنياهو بشأنها، وضغطه على رئيس الحكومة الإسرائيلية لعدم وقفها، قبل عودته إلى السلطة، لإبقاء بايدن غارقاً في مستنقعها.
اليوم، من المتوقع أن يسعى الرئيس الأميركي إلى الاستئثار لنفسه بكل مراحل "السلام" التي تجري هندستها خلال مفاوضات غزة، وهو يأمل أن تكون خاتمة الصفقة على نسق فيديو نشره في فبراير/شباط الماضي، ورسم بتقنية الذكاء الاصطناعي رؤيته لمستقبل القطاع، كريفييرا للشرق الأوسط. فبدءاً من خطاب قَبِل بإلقائه أمام الكنيست الإسرائيلي، وصولاً إلى إشرافه على قيادة فريق دولي لمتابعة مراحل وقف النار وإعادة الإعمار ورسم مسار الحكم بالقطاع في المرحلة المقبلة، يَعِد ترامب بـ"إنصاف" أطراف "الصراع" كافة، وهي عملية شاقة ومعقدة، نظراً إلى طبيعة الصراع والانحياز الأميركي التاريخي إلى إسرائيل، وهو ما يجعل المشهد كلّه دافعاً لبقاء الحذر خصوصاً مع تنصيب ترامب نفسه "ضامناً" لأي اتفاق مستقبلي واسع محتمل. لكن غزة قد تكون "متلازمة" الرئيس الأميركي للمرحلة المقبلة، لتسويق أي صفقة محتملة حولها في الداخل الأميركي والكونغرس والانتخابات النصفية، ولمواصلة فرض الهيمنة في المنافسة الدولية، على اعتبار أن "كلمة سرّ" واحدة من الرئيس الأميركي، أنهت الحرب، كما بدأت قبل عامين، بضوء أخضر أميركي.