دوامة الأزمة الأفغانية تهدد بشلّ رئاسة بايدن

دوامة الأزمة الأفغانية تهدد بشلّ رئاسة بايدن

23 اغسطس 2021
القناعة الكاسحة الآن أنّ كل شيء في الانسحاب جرى بالغلط (صامويل كوروم/Getty)
+ الخط -

في وقت متأخر من أمس الأحد، تحدث الرئيس الأميركي، جو بايدن، للمرة الثالثة في أسبوع، عن عمليات إجلاء الأميركيين والأفغان ومواطني دول أخرى غارقة بالفوضى في مطار كابول، التي تحولت إلى كابوس لرئاسته، بعد سيطرة حركة "طالبان" على أفغانستان.

سبقه صباحاً بعض أركان إدارته (وزيرا الخارجية أنتوني بلينكن، والدفاع لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان)، وتحدثوا في عدة مقابلات مع شبكات التلفزيون عن آخر التطورات والتصورات بخصوص الأزمة. لم يأتوا بجديد خارج عن تكرار الذرائع نفسها والأسباب المزعومة التي أدت إلى فضيحة المطار.

في الخطابين السابقين، بقي الرئيس يدور حول التفسيرات والتبريرات ذاتها لقرار الانسحاب وتداعياته. تمسك بصورة قاطعة بعدم التراجع أو المراجعة. وفي كل مرة كان التشبث يرتدّ عليه بالمزيد من السلبية والنقمة على موقفه وتسويغاته التي ينفرد بالدفاع عنها مع مستشاره سوليفان وبلينكن، وبما سبّب تزايد النفور بينهما وبين وزارة الدفاع (البنتاغون)، وفق المعروف الذي لم يعد سراً. 

والسبب أنّ هذه الدفاعات ليست فقط غير متماسكة في التعليل، بل أيضاً مغلوطة في الوقائع. زعم أن تنظيم "القاعدة" لم يعد موجوداً في أفغانستان، وأنّ انهيار النظام كان "مفاجئاً"، كذلك فإن حلفاء أميركا لم يُصدموا بما حصل؛ في حين أن المعلومات والقناعات المتداولة، ومنها استخباراتي، تتحدث عن العكس تماماً في هذه المجالات. وبذلك، بدا لخصومه كما لكثيرين من المحسوبين على خندقه وكأنه إما في عالم آخر وإما أنه "لا يملك القدرة على ممارسة الدور القيادي"، على حدّ تعبير السفير السابق رايان كروكر الذي عمل في أفغانستان.

ومثل هذا الكلام الذي بدأت تتبلور تعبيراته، شديد الأذى لرئيس جاء على قاعدة أنه البديل الأنسب لسلفه، دونالد ترامب، الذي كان يُتهم بأنه غير مؤهل للرئاسة. وما يفاقم هذه الأجواء و"الخيبات" من بايدن، أنّ الذهول الذي قوبلت به مقاربته وتسطيحه لفوضى المطار، لا يقتصر على الفريق السياسي الآخر، بل يشمل شريحة وازنة من المستقلين والديمقراطيين شبه المذعورين من مضاعفات التمادي في الخطأ ولفلفته، فيما الأزمة تكبر وتهدد بكلفة داخلية وخارجية سياسية واستراتيجية هائلة.

القناعة الكاسحة الآن أنّ كل شيء في الانسحاب جرى بالغلط، من التوقيت إلى الإخراج ثم إلى "الدوبلة" على المضيّ بالخطأ.

في هذا الإطار، هناك سؤالان أساسيان ما زالا بمثابة اللغز في واشنطن: لماذا سُحبَت القوات العسكرية الأميركية قبل ترحيل المدنيين الأميركيين والأفغان الموعودين بمكافأة المغادرة؟ من قرر ومن وافق على ذلك؟ ولماذا انهار النظام الأفغاني وعسكره بسرعة مذهلة؟
حتى الآن، لا تفسيرات الإدارة كانت كافية، ولا إجاباتها شافية. كلها دوران حول الموضوع وصرف الأنظار عنهما من خلال التركيز على الجوانب الإجرائية للترحيل. وكأن هناك قطبة مخفية في سقوط النظام لا تريد انفضاحها. أو كأن في الأمر "خطايا" كبيرة وقعت في التنفيذ ويراد حجبها، على الأقل لغاية أن يصبح من المتعذر الدفاع عنها. عندئذ يكون الثمن سقوط أحد أو بعض الرؤوس في الإدارة، كما قال السبت السياسي المحافظ، باتريك بيوكانن، الذي رجّح "تطيير" وزير الدفاع لويد أوستن، أو رئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي.
وهذا احتمال وارد قياساً على سوابق من هذا النوع، عندما تغرق الإدارة في ورطة كبيرة من صنع يديها وتضيق أمامها المخارج وبما يؤدي إلى الدوران في دوامة من الارتباك والتخبط.

من الأمثلة ما رافق اجتماع مجلس الأمن القومي السبت في البيت الأبيض. كان في برنامجه أن ينتقل بايدن بعد الاجتماع إلى منزله في ولاية دالاوير البعيدة حوالى ساعتين عن واشنطن، لقضاء إجازة نهاية الأسبوع. فجأة تقرر بقاء الرئيس في البيت الأبيض. ثم عادوا إلى تأكيد مغادرته التي سرعان ما صُرف النظر عنها مرة ثانية. التذبذب هذا كان إشارة واضحة إلى اضطراب البوصلة، وبالتالي تزايد الارتباك في التعامل مع الورطة التي قال وزير الدفاع إنّ من غير المعروف كيف ومتى ستنتهي فصولها، وما إذا كان من المحتمل تمديد مهلة عمليات الإجلاء إلى ما بعد 31 أغسطس/آب الجاري.

الباقي من المدة أقل من 10 أيام. الخناق يشتد حول البيت الأبيض. أحد الاستطلاعات يكشف أن رصيد الرئيس نزل إلى 48% لأول مرة. 74% من الأميركيين يرون أن العملية جرت بصورة "سيئة"، و67% يؤاخذون على بايدن أنه قرر الانسحاب "دون خطة"، ولو أن 67% ما زالوا مع الخروج من أفغانستان من حيث المبدأ. 

وهذا الرقم الأخير قد يخفف من التآكل الحاصل في رصيده، إذا تمكنت الإدارة من وقف التدهور وتغيير نهج "الغلط المتناسل عن الغلط" في التعاطي مع الأزمة التي يبدو أنها حولت العملية من الإخلاء إلى التخلي. بخلافه سينطبق على بايدن القول الشهير: "وعلى نفسها جنت براقش".