دوائر السيسي توجه الأمن لمصالحة العائلات الغاضبة في الريف

دوائر السيسي توجه الأمن لمصالحة العائلات الغاضبة في الريف

10 أكتوبر 2020
ترغب العائلات في زيادة الإنفاق الحكومي على الأرياف (فرانس برس)
+ الخط -

عقدت مديريات الأمن وإدارات الأمن الوطني في المحافظات التي شهدت مناطقها الريفية وضواحيها تظاهرات الحراك الشعبي ضد النظام المصري خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، اجتماعات في الأيام الخمسة الأخيرة مع ممثلي عدد من العائلات والقبائل الكبرى بالقرى. وتمت الاجتماعات بناء على تعليمات جديدة من دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المخابراتية الرقابية ومستشاره للشؤون الأمنية اللواء أحمد جمال الدين. وبدا واضحاً أن الغرض منها هو محاولة مدّ جسور الثقة وإزالة بعض عوامل الغضب التي شابت علاقة النظام ببعض العائلات أخيراً، بهدف توجيه الشيوخ والعموديات وكبار الأسر وكبار ملاك الأراضي على مستوى تلك المناطق، لأداء دور أكثر فاعلية لتهدئة الرأي العام، كل في منطقته. وهدفت الاجتماعات لنزع فتيل الأزمات المشابهة المتوقعة مستقبلاً، تحديداً فيما يتعلق بملف المصالحات في مخالفات البناء، الذي ما زالت خطوات الحكومة لتصفيته وتقليل التوتر الحادث بسببه ثقيلة وتواجه عقبات إدارية وقانونية عديدة.


قدّم النظام وعوداً لترضية العائلات الكبرى التي خسرت تمثيلها السياسي أخيراً

وكشفت مصادر حضرت بعض تلك الاجتماعات بمحافظات الجيزة والمنيا وأسيوط، أن البند الأبرز في المناقشات التي دارت يتمثل في تقديم النظام وعوداً لترضية العائلات الكبرى، التي خسرت تمثيلها البرلماني أو لم تحظ بدعم الدولة في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة وانتخابات مجلس النواب المقبلة. ومن الوعود المقدمة، تخصيص مقاعد لهذه العائلات في المجالس المحلية المقرر تكوينها في عام 2021 أو 2022، مع منحها مزايا أخرى تتعلق بأنشطتها الاجتماعية والاقتصادية، مقابل عودة الشخصيات الكبيرة بتلك العائلات لممارسة دورهم كقناة تواصل بين الرأي العام وأجهزة النظام، والضغط على المواطنين بالترغيب أو الترهيب، لمنع تجدد الحراك الشعبي الذي حدث أخيراً.

وأضافت المصادر أن الضباط الذين اجتمعوا بممثلي العائلات، أقروا في بداية الاجتماعات بوقوع أخطاء في التواصل معهم والتعامل على ملف الانتخابات هذا العام. لكنهم أعادوها إلى تحكم المخابرات العامة بشكل أساسي في الملف، والتزام الشرطة ببعض التعليمات الجديدة، فضلاً عن التقسيم الجديد للدوائر، الذي استبعد المناطق الصغيرة من التمثيل لمصلحة المناطق الأكبر أو ذات الكثافة السكانية الأكبر. كما ظهرت مستجدات جديدة مغايرة عن انتخابات 2015، كالمجموعات السياسية التابعة للمخابرات، والتي يرغب النظام في دعمها كذراع سياسية له مثل تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

وذكرت المصادر أن الضباط عبروا عن انزعاجهم من حالة "الانفلات" التي كشف عنها الحراك الشعبي الأخير، وعدم سيطرة العموديات والعائلات الكبرى على الشباب من أبناء القرى والنجوع، وتركهم للتفاعل مع دعوات التظاهر المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المساجد وغيرها من المنتديات. ورداً على ذلك تنوعت إجابات الحضور بين تحميل السيسي والنظام مسؤولية إيصال الجماهير لهذه الحالة من الغضب العارم في ملف مخالفات البناء بعد تهديده بنزول الجيش للقرى، وبين حديث عن ضرورة إعطاء العائلات والشخصيات الكبرى في المناطق نفس الامتيازات التي كانت تتمتع بها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لتكون أقدر على ممارسة الضغوط والتحكم في الرأي العام. واستشهد بعض الحضور بالوضع خلال فترة ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وتظاهرات يونيو/حزيران 2013، وكيف كان التنسيق بين الأمن الوطني والعائلات موجهاً بنجاح ضد القوى السياسية.

ولفت بعض الحضور النظر لحدوث اختلافات في الطبيعة المعرفية للمواطنين بالريف عما كانت عليه قبل خمس سنوات، فمع انتشار وسائل الاتصال الحديثة بين الشرائح الأكثر فقراً، بات الشباب يفضلون الحصول على المعلومات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات المغلقة الخاصة بكل قرية والمنتشرة على مستوى الجمهورية.

كما حذر البعض من استمرار حالة الغضب الشعبي، خاصة بين الشباب بسبب إعطاء الأولوية للمرشحين الذين سددوا مبالغ مالية طائلة للترشح بدعم حزب "مستقبل وطن" أو على قائمته، وفي نفس الوقت عجز جميع النواب خلال السنوات الخمس الماضية عن تحقيق أي شيء لمصلحة مواطني دوائرهم. واعتبروا أن ذلك يعود إلى تراجع أهمية النائب البرلماني مقابل ضباط المخابرات والرقابة الإدارية الذين يتحكمون في المحليات ودواوين المحافظات، وانخفاض الإنفاق الحكومي على المرافق بالقرى مقابل إنفاق مئات المليارات من الجنيهات باعتراف السيسي على مشروعات كالعاصمة الإدارية والعلمين الجديدة. كما شكا بعض الحضور من صعوبة إقناع الشباب بالمشاركة في الانتخابات، والوقوف خلف المرشحين المدعومين من النظام.


رفض الضباط إخلاء سبيل 500 موقوف في مركز أطفيح

وأوضحت المصادر أن الضباط وعدوا بالتغلب على بعض المشاكل، وزيادة دعم الأنشطة الاجتماعية والتعليمية والثقافية تحت مظلة "مستقبل وطن" والجمعيات الأهلية الموالية للنظام، مقابل عودة التعاون مرة أخرى وانضمام ممثلين للعائلات إلى الحزب وتكوين مكاتب محلية له. ومن شأن هذا الوضع أن يعيد الأمر إلى ما كان عليه في عهد الحزب الوطني المنحل أيام الرئيس الراحل حسني مبارك، والحرص على إخماد أي شرارة للغضب الشعبي مبكراً من خلال التواصل المباشر مع المواطنين وتنبيه أجهزة الأمن.

وحصل المشاركون في الاجتماعات على تطمينات بقرب صدور قرارات بتنازلات جديدة للدولة في ملف التصالح في مخالفات البناء. ويتطابق ذلك مع ما سبق وكشفته مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" الشهر الماضي، عن وجود نوايا لدى الحكومة في حالة زيادة طلبات التصالح عن نسبة معينة في بعض المناطق لتقديم مزيد من حوافز السداد والتنازلات. ومن المؤشرات حول ذلك، تخفيض نسبة المبالغ المطلوبة قانوناً لبعض أنواع المخالفات، وفتح باب التصالح في مخالفات ليست مشمولة أصلاً في قانون التصالح. كما تعمل الدوائر التشريعية للحكومة على إعداد تعديل جديد على اللائحة التنفيذية لقانون التصالح (سيكون الثالث هذا العام حال صدوره)، يسمح باتخاذ إجراءات ميسّرة جديدة بقرارات من رئيس الوزراء.

لكن الضباط امتنعوا عن إعطاء تعهدات بإخلاء سبيل المئات من المعتقلين في بعض القرى، وتحديداً من مركز أطفيح الذي يقدر حقوقيون عدد المعتقلين فيه بما لا يقل عن 500 شخص حتى الآن. ما دفع بعض الحضور إلى التحذير من افتقار خطة الدعم الاجتماعي للنظام للمصداقية، إلا إذا اقترن بدء تحرك العائلات بعودة نسبة كبيرة من المعتقلين لذويهم، قبل انتخابات مجلس النواب المقرر انطلاقها في الأسبوع الثالث من الشهر الحالي.

المساهمون