دمشق وموسكو... مصالح استراتيجية توفّر فرصة لعلاقات جديدة

14 فبراير 2025
قوات روسية في القحطانية ـ الحسكة، 8 أكتوبر 2022 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعزيز العلاقات السورية الروسية: شهدت العلاقات بين دمشق وموسكو تحولاً بعد الاتصال بين بوتين والشرع، حيث أكدت روسيا دعمها لوحدة الأراضي السورية واستعدادها لتعزيز التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والتعليمية.

- إعادة بناء الثقة والتعاون: فضلت الإدارة السورية الجديدة التفاهم مع موسكو، مما ساهم في إعادة بناء الثقة. تسعى دمشق لتعزيز العلاقات من خلال التعويضات وإعادة الإعمار، بينما تحاول موسكو الحفاظ على نفوذها.

- المصالح الاستراتيجية المشتركة: تدرك دمشق وموسكو أهمية العلاقات الاستراتيجية، حيث تسعى روسيا للحفاظ على مصالحها، وتأمل سوريا في دعم روسي لرفع العقوبات الغربية وتعزيز المناورة السياسية دولياً.

فتح الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس السوري أحمد الشرع، أمس الأول الأربعاء، صفحة جديدة أمام العلاقات بين دمشق وموسكو الحريصتين على تعزيزها وإعادة الثقة بناء على المصالح المشتركة، فموسكو تريد الحفاظ على وجودها في شرق المتوسط، ودمشق بحاجة إلى دعم ومساندة الروس في العديد من المجالات. وذكر الكرملين في بيان أن بوتين تمنّى للشرع النجاح في خوض المهمات التي تواجه القيادة الجديدة للبلاد، لصالح الشعب السوري "الذي تربطه بروسيا علاقات صداقة وتعاون مفيد متبادل على مر التاريخ"، مضيفاً أن بوتين أكد دعمه "وحدة الأراضي السورية". وأشار البيان إلى أن رئيسي البلدين "ناقشا عدة قضايا ملحّة تتعلق بالتعاون العملي في المجالات التجارية، والاقتصادية، والتعليمية، وغيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار المحادثات الأخيرة في دمشق التي أجراها الوفد الروسي المشترك بين الوزارات في دمشق". ووجّه الرئيس الروسي، خلال الاتصال، دعوة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لزيارة روسيا، في خطوة من المتوقع أن تدشّن مرحلة جديدة في العلاقات بين دمشق وموسكو تتجاوز آثار الماضي. وهذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها روسيا انفتاحاً على الإدارة السورية الجديدة التي تسلمت مقاليد السلطة في البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ زار دمشق في 28 يناير/ كانون الثاني الماضي وفد روسي رفيع المستوى ضم نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، ومبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، أجرى مباحثات مع الشرع حول مستقبل الوجود العسكري والثقافي الروسي في سورية.


طه عبد الواحد: العلاقة مع موسكو لها أهمية خاصة لدى الحكومة السورية

إعادة بناء الثقة بين دمشق وموسكو

وكانت روسيا أبرز الداعمين للأسد، الذي منحها امتيازات عسكرية واقتصادية جمّة مقابل مساندته سياسياً وعسكرياً للبقاء في السلطة. وأقامت موسكو قواعد عسكرية في شرقي المتوسط، أبرزها: قاعدة حميميم في ريف اللاذقية التي كانت الطائرات الروسية تنطلق منها لدك المدن السورية، ما أدى إلى مقتل آلاف السوريين وتدمير جانب كبير من بلادهم نتيجة القصف الروسي الذي استمر من عام 2015 وحتى أواخر عام 2023. وتعاطت الإدارة السورية الجديدة مع الملف الروسي في سورية بهدوء، وفضّلت السير في طريق التفاهم مع موسكو، فلم تعمد إلى مهاجمة القوات الروسية في سورية، بل سهّلت عودتها من نقاط تمركزها في البلاد إلى قاعدة حميميم. وأرسلت الإدارة رسائل إعلامية للجانب الروسي تؤكد فيها الحرص على تعزيز العلاقات السورية الروسية وإعادة بناء الثقة بين دمشق وموسكو من خلال تدابير ملموسة، مثل التعويضات وإعادة الإعمار والتعافي.

ويُنظر إلى روسيا باعتبارها من أبرز الخاسرين من سقوط الأسد، إذ تراجع نفوذها في سورية والمنطقة إلى حد بعيد، بعد أن كانت المتحكم الأول في الملف السوري. ويبدو أن موسكو تحاول اليوم تدارك هذه الخسارة من خلال الانفتاح على الإدارة الجديدة للحفاظ على مصالحها في سورية والتفاوض مرة أخرى لتحديد مستقبل قاعدتين عسكريتين لها في اللاذقية وطرطوس. ويبدو أن الإدارة السورية لم تربط استمرار وتعزيز العلاقة مع الجانب الروسي بتسليم موسكو الأسد وبعض أركان سلطته الذين لجأوا إلى روسيا بعد الثامن من ديسمبر الماضي.

وتعليقاً على الانفتاح الروسي على الإدارة في سورية، رأى المحلل طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "دمشق وموسكو حريصتان على استمرار وتعزيز العلاقات بينهما"، مضيفاً: "كان أمام الإدارة الجديدة خياران بعد الثامن من ديسمبر الماضي حيال التعاطي مع الملف الروسي في البلاد، وهما: تأجيل التعامل معه، أو الاصطدام العسكري مع الروس من خلال التقدم إلى القواعد العسكرية، وهو ما استبعدته الإدارة، ما يؤكد حرصها على علاقة متميزة مع موسكو". وتابع: "الإدارة الجديدة تسلمت بلاداً منهكة على المستويات كافة، ولمواجهة التحديات لا بد من قبول إقليمي ودولي واعتراف قانوني وسياسي بها، وهو ما رتّب على هذه الإدارة الانفتاح على الجميع، وطمأنة الدول بشأن التغيير الذي حدث في البلاد بالقول والفعل".

ورأى عبد الواحد أن العلاقة مع موسكو "لها أهمية خاصة لدى الحكومة السورية ومن المؤكد أنها ستنعكس على الأوضاع الداخلية في سورية، خصوصاً أن موسكو تريد لعب دور في رفع العقوبات الغربية عن سورية"، مضيفاً: روسيا بإمكانها تقديم المساعدات للشعب السوري في كل المجالات. وأعرب عن اعتقاده بأن العلاقة المتميزة بين دمشق وموسكو تمنح الأولى القدرة "على المناورة" في العلاقة مع الدول الغربية، مضيفاً: يمكن لموسكو لعب دور مؤثر في انفراج العلاقة بين دمشق وبكين وهذه مسألة مهمة، خصوصاً أن الصين داعمة للقضايا العربية ولا سيما في الصراع مع إسرائيل.


عبد الرحمن الحاج: موسكو تدرك أن من قاتلتهم بالأمس هم الآن في القيادة

مصالح روسيا الاستراتيجية

من جانبه، رأى الباحث السياسي عبد الرحمن الحاج، في حديث مع "العربي الجديد"، أن لـ"روسيا مصالح استراتيجية في سورية، وتدرك القيادة السورية ذلك"، مضيفاً: بالطبع ثمة مصالح سورية استراتيجية في المقابل تدركها موسكو، وهي تتركز حول ثلاثة ملفات: عسكرية واقتصادية وسياسية. وتابع: موسكو تدرك أيضاً الدور الذي قامت به في سورية، وأن هذا الدور يتطلب ثمناً، فمن قاتلتهم وشيطنتهم وارتكبت الفظائع فيهم بالأمس هم الآن في القيادة، ومع ذلك يبدو أن هنالك أفقاً لعلاقة جيدة بين الطرفين. واعتبر الحاج أن الاتصال الهاتفي الذي أجراه بوتين بالشرع "اعتراف روسي بالقيادة الجديدة"، مضيفاً: لهذا الاعتراف آثار سياسية، وهو مؤشر إلى تقدم العلاقة وإمكانية معالجة الملفات العالقة بينهما. وأشار إلى أن "هناك مصلحة مشتركة استراتيجية للطرفين تجعل كل القضايا الأخرى قابلة للحل، وهو ما يعني أننا سنشهد تطوراً متسارعاً في المرحلة الانتقالية للعلاقة بين البلدين"، مضيفاً: الشرع يظهر أنه رجل يلتزم بالوعود والقرارات خلافاً لما هو عليه بشار الأسد، وسيعزز ذلك رغبة بوتين في حلحلة الملفات، لأن روسيا الآن تجد نفسها أمام فرصة جديدة أيضاً ولن تتردد في استغلالها.