استمع إلى الملخص
- المفاوضات تشمل قضايا معقدة مثل دمج "قسد" في الجيش السوري، والسيطرة على حقول النفط والغاز، والاعتراف باللغة الكردية، مع خلافات حول مدة تنفيذ الاتفاق.
- القوى الكردية اتفقت على عقد مؤتمر في القامشلي لمناقشة رؤية سياسية مشتركة، لكن الانقسامات الداخلية مستمرة مع عدم دعوة بعض الأطراف.
تشهد سورية تطورات من شأنها تغيير معادلاتها الداخلية في ما يرتبط بالعلاقة بين دمشق وأكراد سورية وتطورها. التفاوض الذي تجريه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الطابع الكردي لجهتي القيادة والتوجيه، مع السلطات في دمشق، حقق نتائج جزئية في أكثر من ملف، إلا أن "قسد" تطالب بمدد زمنية أطول لتنفيذ اتفاق وُصف بـ"التاريخي" وقّعته، الشهر الماضي، مع الحكومة السورية التي تتطلع لاستلام الشمال الشرقي من سورية الغني بالثروات، والتي ربما تكون من مفاتيح التعافي الاقتصادي. وبالتزامن، تستعد القوى السياسية الكردية لعقد مؤتمر للتوصل إلى رؤية واحدة تعبّر عن تطلعات الشارع الكردي للتفاوض عليها مع الحكومة في دمشق، التي تبدو بدورها حريصة على مقاربة هادئة مع أكثر التحديات تعقيداً في الفترة الراهنة، وهو الملف الكردي، وعدم الجنوح لحلول عسكرية تعمّق الأزمات التي تمر بها البلاد.
تنفيذ اتفاق مع الحكومة
بدأت قبل أيام خطوات تنفيذ اتفاق وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد "قسد" مظلوم عبدي، في العاشر من مارس/ آذار الماضي، لدعم هذه القوات ضمن مؤسسات الدولة، ووضع حد للأوضاع الشاذة في شمال شرقي سورية عبر بسط سيطرة الدولة على كامل البلاد. وفُتح، الثلاثاء الماضي، طريق حيوي في شمال مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري، يُعرف باسم "الكاستيلو"، بالتوازي مع طيّ ملف حيين كرديين في مدينة حلب، قبل أيام، هما الشيخ مقصود والأشرفية، وخروج قوات كردية كانت تسيطر عليهما إلى الشمال الشرقي من سورية. وتجري عمليات إزالة السواتر الترابية التي تفصل الحيين عن باقي أحياء المدينة لتسهيل حركة المدنيين تحت إشراف جهاز الأمن العام التابع للحكومة.
طلال محمد: أبرز الملفات المطروحة بين بين الحكومة السورية و"قسد" هو "السيادة"
نصّ الاتفاق على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي. وفي هذا الصدد، حُل ملف سد تشرين على نهر الفرات في ريف حلب الشمالي الشرقي، والذي شهد معارك طاحنة عقب سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي. وانتشرت، السبت الماضي، قوات الجيش والأمن العام السورية في محيط السد المذكور، بعد التوصل لاتفاق يقضي بإنشاء قوة عسكرية مشتركة بين "قسد" ودمشق لحماية السد، على أن يخضع من الناحية الأمنية لسيطرة الأمن العام التابع للحكومة، مع انسحاب فصائل تتهمها "قسد" بالتبعية للجانب التركي.
وكانت قد شُكلت لجان متناظرة متخصصة للتفاوض حول العديد من الملفات الشائكة، بين دمشق وأكراد سورية خصوصاً، منها التعليم وحقول النفط والغاز، ودمج "قسد" في المنظومة العسكرية للبلاد. وقال عبدي في مقطع سُرّب إلى وسائل الإعلام، الاثنين الماضي، إن هناك خلافات بين قواته والحكومة في دمشق حول نقطتين، الأولى إصرار الأخيرة على أن التفاوض مع "قسد" لا علاقة له بالملف الكردي في البلاد، والثانية الخلاف على المدة الزمنية لتنفيذ الاتفاق، فالحكومة ترى أن عاماً يكفي لذلك، بينما يقول عبدي إنه يحتاج إلى عامين.
ملفات معقدة بين دمشق وأكراد سورية
لكن بين دمشق وأكراد سورية ملفات معقدة. ويبدو أن "قسد" بصدد تقديم تنازلات في ملفات تُوصف بـ"السهلة" للحصول على تنازلات مماثلة من الحكومة في الملفات الصعبة، خصوصاً لجهة بقاء هذه القوات كتلة واحدة ضمن الجيش السوري الجديد واستمرار الإدارة الذاتية في مناطق الغالبية الكردية، شمال شرقي سورية. كما يعد ملف النفط والغاز من الملفات المعقدة، إذ إن "قسد" تضع يدها منذ سنوات على أهم وأكبر الحقول والآبار في ريفي دير الزور والحسكة. بالمقابل تسعى الحكومة لاستلام هذه الحقول بشكل كامل لكونها من مفاتيح التعافي الاقتصادي في البلاد، وقد رفضت سابقاً مبدأ تقاسم هذه الثروة مع "قسد" وإدارتها الذاتية.
وكان مدير العلاقات العامة في وزارة النفط والثروة المعدنية السورية أحمد السليمان قد قال في تصريحات صحافية في أواخر الشهر الماضي، إنه "تم تشكيل لجان متخصصة للإشراف على استلام حقول وآبار النفط، وإعداد تقارير شاملة حول جاهزيتها، وحالتها الفنية، ومتابعة المعدات والتجهيزات بشكل كامل". ومن الملفات التي تكتسب أهمية خاصة بين دمشق وأكراد سورية هو ملف السجون التي تديرها "قسد" وتضم آلاف المسلحين الذين كانوا في صفوف تنظيم داعش، ويتحدرون من دول عديدة رفضت استلامهم.
يبدو أن الجانبين في طريقهما للتوصل إلى اتفاق نهائي حول ملف التعليم ربما تُعلن تفاصيله الأسبوع المقبل، وفق وزير التربية والتعليم محمد عبد الرحمن تركو، الذي أشار في تصريحات صحافية أخيراً، إلى أن الاتفاق يتطلب عدة اجتماعات قبل الإعلان عن جميع تفاصيله بشكل نهائي. وتطالب الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية بالاعتراف باللغة الكردية وتخصيص حصص دراسية في المدارس السورية لتعلمها، فضلاً عن اعتراف الحكومة بالشهادات التي تصدرها. وكانت الحكومة قد توصلت إلى اتفاق مع الإدارة الذاتية، في أواخر الشهر الماضي، لتسهيل عملية تقديم نحو 30 ألف طالب في شمال شرقي سورية لامتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية خلال العام الحالي، ضمن مناطق خاضعة لسيطرة الإدارة بالتنسيق مع وزارة التربية.
وفي ظروف ضاغطة على دمشق وأكراد سورية تستمر المفاوضات بين الحكومة و"قسد". والأولى، ورغم مقاربتها التي تُوصف بـ"الهادئة" في التفاوض، إلا أنها تريد حل الملف مع "قسد" والقوى الكردية مع نهاية العام الحالي، لاستعادة السيطرة على الثروات وبالتالي الحد من تراجع الاقتصاد. في المقابل، لدى الأكراد، وخصوصاً "قسد"، مخاوف من انسحاب أميركي مفاجئ من شمال شرقي سورية ينزع من يدها الكثير من أوراق القوة في عملية التفاوض.
في هذا الصدد، نقلت وكالة رويترز، الثلاثاء الماضي، عن مسؤولين أميركيين، أن الجيش الأميركي يستعد لدمج قواته في سورية، خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، في خطوة قد تُقلص عددها إلى النصف. وقال أحد المسؤولين، الذي تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، إن هذا الدمج قد يقلل عدد القوات في سورية إلى ألف تقريباً، فيما أكد المسؤول الثاني خطة التخفيض، لكنه قال إنه لا يوجد يقين بشأن الأعداد. وكان متشككاً إزاء تخفيض بهذا الحجم في وقت تتفاوض فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع إيران وتحشد قواتها في المنطقة. وللجيش الأميركي نحو ألفي جندي في سورية موزعين على عدد من القواعد، معظمها في الشمال الشرقي. وتعمل القوات الأميركية مع القوات المحلية لمنع عودة ظهور تنظيم داعش، الذي استولى في عام 2014 على مساحات شاسعة من العراق وسورية، قبل دحره لاحقاً. وفي السياق نفسه، ذكر موقع واينت التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، الأربعاء الماضي، أن واشنطن أبلغت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأنها ستبدأ الانسحاب تدريجياً من سورية خلال شهرين، في وقت كانت فيه إسرائيل تحاول منع هذه الخطوة، فيما تلقت أخيراً تأكيداً بفشل جهودها. وأضاف الموقع أنه مع ذلك لا تزال المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تسعى للضغط على واشنطن لمنع تنفيذ القرار. ونقل عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى اعتقاده بأن الانسحاب، إذا حدث، سيكون جزئياً، مضيفاً أنه حتى هذا الشكل من الانسحاب تحاول إسرائيل منعه خشية زيادة التوتر مع تركيا.
السيادة والدستور
حول الملفات بين دمشق وأكراد سورية وتحديداً "قسد" أوضح طلال محمد، وهو رئيس حزب السلام، أحد أحزاب الإدارة الذاتية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك العديد من الملفات المطروحة على طاولة التفاوض بين الحكومة السورية و"قسد"، أبرزها "السيادة". وأضاف أن "دمشق تعتبر نفسها صاحبة السيادة المطلقة، في حين تطالب الإدارة الذاتية بالاعتراف الرسمي بها ضمن سورية لامركزية، مع دستور يقر بخصوصية المناطق الكردية". وبيّن أن الإدارة ترفض تسليم حقول النفط والغاز "بدون اتفاق سياسي متكامل"، بينما "تصر دمشق على أن تكون القيادة والسيطرة للجيش السوري المركزي"، موضحاً أن الإدارة الذاتية "تطالب بإبقاء قسد قوةً محليةً ضمن منظومة الدفاع الوطني". وباعتقاده فإن أحد "أعقد الملفات هو الدستور السوري المقبل"، مشيراً إلى أن الإدارة الذاتية "تطالب بأن يتضمن الاعتراف بها، لكن دمشق ترفض ذلك وتقبل بمستويات من اللامركزية الإدارية". وشرح محمد أن الحكومة السورية ترفض الاعتراف بالمناهج الدراسية التي وضعتها الإدارة، مضيفاً أن الملفات معقدة ومتشابكة و"أي اتفاق مستقبلي يتطلب تسوية شاملة، وليس مجرد تفاهم أمني أو إداري".
انقسام كردي
اتفقت القوى والأحزاب الكردية على عقد مؤتمر كردي يجمعها، اليوم الجمعة، في مدينة القامشلي التابعة إدارياَ لمحافظة الحسكة، أقصى الشمال الشرقي من البلاد. يهدف المؤتمر للتفاهم على رؤية سياسية مشتركة بين حزب الاتحاد الديمقراطي، أبرز أحزاب الإدارة الذاتية والمسيطر على "قسد" عبر ذراعه العسكرية، وبين أحزاب المجلس الوطني الكردي. وأشارت مصادر "العربي الجديد" إلى أن المؤتمر سيُعقد بمشاركة نحو 300 شخصية، من بينها مسؤولون في "الاتحاد الديمقراطي" والمجلس الوطني الكردي، وأحزاب سياسية أخرى، إلى جانب ممثلي منظمات المجتمع المدني، ونقابات نسائية وشبابية.
ومن المتوقع، وفق المصادر ذاتها، أن يشهد المؤتمر حضور مسؤولين في التحالف الدولي ضد "داعش"، وعبدي، وممثل عن مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي كان له دور في تقريب وجهات النظر بين الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي.
عبد الوهاب خليل: وثيقة أعدت قبل المؤتمر تنص على اعتبار سورية جمهورية ديمقراطية لامركزية تعددية
من جهته، بيّن عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر عبد الوهاب خليل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المؤتمر سيجمع الأحزاب الكردية من مختلف المشارب السياسية، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني وممثلين عن الشباب والمرأة. ويبدو أن القوى المشاركة أعدت وثيقة سياسية لمناقشتها في الاجتماع، تدعو، وفق خليل، إلى "اعتبار سورية جمهورية ديمقراطية لامركزية تعددية، وإلى المواطنة والمساواة وإقرار حقوق الكرد ضمن الدستور المقبل". كما تدعو الوثيقة إلى الاعتراف بقوات سوريا الديمقراطية باعتبارها قوة حامية للشمال الشرقي من سورية، فضلاً عن تضمن الوثيقة المكونة من 25 بنداً مطالب ثقافية متعددة للأكراد السوريين، وإلغاء سياسات تمييزية كان النظام المخلوع قد اتخذها ضدهم، إلى جانب الاعتراف باللغة الكردية.
لكن الشارع السياسي الكردي في سورية ما زال منقسماً، فـ"رابطة المستقلين الكرد السوريين" لم تدعَ إلى اجتماع القامشلي، وفق نائب رئيسها رديف مصطفى، الذي أكد في حديث مع "العربي الجديد"، أن الرابطة ليست جزءاً من الحراك الذي يحدث. وأوضح أنه "لم تتم دعوتنا إليه (اجتماع القامشلي) ومخرجاته لا تمثلنا. نحن نعتقد بأن الموضوع متعلق باتفاق حزبي بين محورين". غير أن مصطفى لم يستبعد توصل الجانبين (الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي) لاتفاق حول رؤية واحدة "وربما حدث بالفعل". وبرأيه، فإن دمشق وأكراد سورية لن يتفقا "على تقاسم السلطة والثروة".
يُذكر أن هناك تباينات جوهرية في الرؤى السياسية بين "الاتحاد الديمقراطي" والمجلس حالت دون التوصل لاتفاق واضح، رغم الخوض في جولات تفاوض في عام 2020 بدفع من الجانب الأميركي. الحزب المذكور يرفض أي تشاركية في القرار، ويطرح نفسه ممثلاً للشارع الكردي في سورية، بينما يصر المجلس على إعلان هذا الحزب وذراعه العسكرية (وحدات حماية الشعب)، فك الارتباط بحزب العمال الكردستاني، وهو ما يرفضه حتى الآن. ومن المتوقع أن يستغرق التفاوض بين دمشق وأكراد سورية حول المطالب الكردية وقتاً طويلاً بسبب عدم واقعية الكثير من هذه المطالب، خصوصاً لجهة هوية الدولة التي حددها الإعلان الدستوري بشكل واضح (وقّعه الشرع في 13 مارس الماضي وينص في مادته الأولى على أن الدولة هي الجمهورية العربية السورية)، أو الدعوة إلى اللامركزية في السلطة، فالحكومة السورية ترفض حتى الآن هذا المبدأ وتطرح إطاراً محلياً للإدارة في مناطق ذات غالبية كردية في ريف الحسكة، لا أكثر.