استمع إلى الملخص
- أكدت سوريا تعاونها مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتواصلها مع الولايات المتحدة لمكافحة داعش، مع خطوات لتوحيد الفصائل وتشكيل برلمان وطني، لكنها تتحفظ على السماح باستهداف شخصيات على أراضيها.
- أثار منح رتب عسكرية لمقاتلين أجانب جدلاً، حيث تسعى سوريا لمنحهم الجنسية، مما يقلق الغرب. تطالب الولايات المتحدة بتحييدهم عن المناصب القيادية، بينما ترى سوريا أن الأمر يتطلب تنسيقاً للحفاظ على الاستقرار.
تعهدت الحكومة السورية بتنفيذ أغلب المطالب الأميركية لـ"بناء الثقة"، ورفع العقوبات المفروضة على البلاد، في تماشٍ مع النهج الذي أعلنته دمشق مراراً منذ تسلّم الإدارة الجديدة مقاليد الأمور في البلاد، بعد إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ردّ سوري على المطالب الأميركية
وكشفت وكالة رويترز عن رد مكتوب من سورية على قائمة المطالب الأميركية لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلة إنها طبّقت معظم الشروط والمطالب، لكن البعض الآخر يتطلب "تفاهمات متبادلة" مع واشنطن. ووفق "رويترز"، سلّمت الولايات المتحدة سورية، في مارس/آذار الماضي، قائمة بثمانية شروط تريد من دمشق الوفاء بها، منها تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم. وذكرت الوكالة أن المسؤولة الأميركية الكبيرة ناتاشا فرانشيسكي، سلّمت قائمة الشروط لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في لقاء جمعهما على هامش مؤتمر المانحين لسورية في بروكسل في 18 مارس الماضي.
رضوان زيادة: دمشق واضحة لجهة عدم التسامح مع أي وجود يهدد المصالح الغربية والأميركية
وفي الوثيقة المكونة من أربع صفحات، وفق "رويترز"، تتعهد سورية بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمته البحث عن الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، وتورد بالتفصيل إجراءاتها للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيميائية، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. لكن الرسالة لم تورد الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسية أخرى، مثل إبعاد المقاتلين الأجانب ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لمكافحة الإرهاب. وجاء في الرسالة أن المسؤولين السوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأميركي السابق دانيال روبنستاين، لكن المسألة "تتطلب جلسة مشاورات أوسع". وذكرت الرسالة أن ما يمكن تأكيده في الوقت الحالي، أن إصدار الرتب العسكرية عُلِّق بعد الإعلان في وقت سابق ترقية ستة أفراد، في إشارة واضحة إلى تعيين مقاتلين أجانب في ديسمبر الماضي في مناصب بالقوات المسلحة السورية. وحول طلب الولايات المتحدة التنسيق في مسائل مكافحة الإرهاب والقدرة على تنفيذ ضربات على أهداف إرهابية، قالت الرسالة إن "الأمر يتطلب تفاهمات متبادلة". وشملت الرسالة تعهداً بأن الحكومة السورية الجديدة لن تتسامح مع أي تهديدات للمصالح الأميركية أو الغربية في البلاد، وتعهداً باتخاذ "الإجراءات القانونية المناسبة".
وفي ما يتعلق بالمسلحين الفلسطينيين في سورية، قالت الرسالة إن الرئيس أحمد الشرع شكّل لجنة "لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية"، وإنه لن يُسمح بوجود فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة. وذكرت الرسالة أنه "فيما يمكن أن تستمر المناقشات حول هذه المسألة، فإن الموقف العام هو أننا لن نسمح بأن تصبح سورية مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل". وأقرّت الرسالة بوجود "تواصل مستمر" بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في عمّان بشأن مكافحة تنظيم داعش، وقالت إن سورية تميل إلى توسيع هذا التعاون.
وترى دمشق أن غالبية المطالب الأميركية مطبّقة بالفعل، إلا أنها تعلن تحفظها على مطالب تتطلب "تفاهمات متبادلة"، خصوصاً أنها تعد مساساً مباشراً بالسيادة السورية، ولا سيما لجهة السماح للولايات المتحدة باستهداف شخصيات على الأراضي السورية ترى واشنطن أنها تشكل تهديداً لأمنها. كذلك وضعت الإدارة السورية الجديدة حداً لكل المنظمات الفلسطينية التي كانت تنشط إبّان نظام الأسد، فاعتقلت بالفعل قبل أيام قياديين في حركة الجهاد الإسلامي بتهمة التخابر مع إيران.
ملفان معقّدان
في كلمة له أمام مجلس الأمن أول من أمس الجمعة، أكد الشيباني أن سورية تُحارب تنظيم داعش وتتعاون بشكل بنّاء مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة، وتعمل على توحيد الفصائل العسكرية والحفاظ على مؤسسات الدولة وتتخذ خطوات نحو الإصلاح الدستوري. كذلك أعلن وضع "خطوات جادة لتشكيل برلمان وطني يمثل الشعب السوري". وأضاف أن سورية ستشكل هيئة للمفقودين، وأنها مستعدة للتنسيق مع الولايات المتحدة للبحث عن الأميركيين المفقودين في سورية.
ولا تعترف الولايات المتحدة بالإدارة الجديدة في دمشق بوصفها الحكومة السورية بحسب وزارة الخارجية الأميركية التي أكدت أن "أي تطبيع للعلاقات في المستقبل سيحدَّد بناءً على الإجراءات التي تتخذها السلطات المؤقتة". وتبدو الإدارة السورية حريصة على تلبية كل المطالب الأميركية لرفع العقوبات عن سورية، فهو أحد المفاتيح الرئيسية للتعافي الاقتصادي الكفيل بترسيخ السلم الأهلي في البلاد المنهكة على المستويات كافة.
وأوضح الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "دمشق لم تتوصل إلى تفاهمات مع واشنطن حيال موضوع المقاتلين الأجانب"، مستدركاً بالقول: "الجانب السوري أكد أن عملية الترفيع العسكري لقادة أجانب في الجيش السوري الجديد توقفت، وأن هناك حاجة لاستكمال التشاور في دور هؤلاء المقاتلين". وحول المطلب الأميركي بحرية استهداف أي شخصية يمكن أن تشكل خطراً محتملاً، أوضح زيادة أن الحكومة السورية ترى أن الأمر "يحتاج إلى مشاورات رسمية مع الحكومة الأميركية"، مضيفاً: "دمشق واضحة لجهة عدم التسامح مع أي وجود يهدد المصالح الغربية والأميركية".
أحمد القربي: المطالب الأميركية من دمشق تمسّ السيادة بشكل واضح وسافر
وكانت الإدارة السورية الجديدة قد منحت بعد أيام من سقوط نظام الأسد، رتباً عسكرية كبيرة لعدد من المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا نظام الأسد إلى جانب فصائل سورية، أو في صفوفها، وهو ما أدى إلى إثارة جدل ولغط داخل سورية وخارجها، خصوصاً أن هؤلاء المقاتلين لا يحملون أساساً الجنسية السورية بشكل قانوني. وألمحت الإدارة أكثر من مرة إلى نيّتها منح المقاتلين الأجانب الجنسية، ولا سيما أن البعض منهم قضى أكثر من عشر سنوات في البلاد. ولكن هذا الملف يشكل مصدر قلق واسع للغرب الذي يؤكد أن الدعم الدولي للإدارة الجديدة قد يتبخر ما لم تُتخذ إجراءات حاسمة حياله.
وفي السياق، رأى المحلل السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن لدى الولايات المتحدة ملفين أمنيين لهما أبعد الأثر في طريقة التعاطي مع الإدارة السورية الجديدة، وهما: الملف الكيميائي، وهو متعلق أساساً بالجانب الإسرائيلي، والثاني ملف المقاتلين الأجانب في سورية. وبالنسبة إلى الملف الأول، أعرب القربي عن اعتقاده بأنه لا توجد مشاكل حياله، خصوصاً أن الحكومة السورية منفتحة إلى حد بعيد لطيّه بشكل واضح، وهي أعلنت التزامها كل المعاهدات الدولية الخاصة بهذا الملف. ورأى أن القضية الخلافية الأبرز بين الطرفين هي "المقاتلون الأجانب"، فـ"الحكومة السورية ترى أن الملف يحتاج إلى وقت وصبر وحذر من أجل المحافظة على السلم الأهلي والاستقرار في البلاد، بينما تريد الإدارة الأميركية تحييد المقاتلين الأجانب عن المناصب القيادية في المؤسسة العسكرية، مع منح واشنطن حرّية التعامل معهم واستهدافهم". وبرأيه، فإن المطالب الأميركية من دمشق "تمسّ السيادة بشكل واضح وسافر"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة، كما يبدو، تريد تطبيق الاستراتيجية التي كانت تطبّقها في شمال غرب سورية قبل سقوط نظام الأسد (في 8 ديسمبر الماضي)، خصوصاً استهداف أي شخص ترى أنه يشكّل خطراً، ولكن الحكومة السورية الحالية ترفض هذا المبدأ، وتطالب بتفاهمات تتضمن تنسيقاً مشتركاً".
من جهته، أعرب السفير السوري السابق في السويد، بسام العمادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "من الأفضل أن تكون التفاهمات التي ستحصل بين دمشق وواشنطن غير معلنة، لتجنّب ردود فعل غير مرغوب فيها، خصوصاً ما يتعلق بالسيادة والمتعلقة بالأجانب".