دلالات بقاء بنكيران على رأس العدالة والتنمية المغربي

28 ابريل 2025
خلال كلمة بنكيران بأشغال مؤتمر الحزب ببوزنيقة، 27 إبريل 2025 (لقطة شاشة)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عبد الإله بنكيران يعود لرئاسة حزب العدالة والتنمية المغربي بعد حصوله على 69% من الأصوات، مما يعكس انقساماً بين مؤيدين يرونه رمزاً للوحدة ومعارضين يطالبون بتجديد القيادة.

- إعادة انتخاب بنكيران تشير إلى تجميد القيادة داخل الحزب، مع رغبة في الاستفادة من شخصيته الصدامية في التنافس السياسي استعداداً للانتخابات المقبلة، وتأثير ذلك على تفاعلات الحزب الخارجية.

- التمسك ببنكيران يُظهر أزمة في البنية الحزبية، مع انتقادات لغياب النقاش الحقيقي حول البرامج السياسية، بينما يؤكد أعضاء الحزب على ديمقراطية الانتخاب وثقة المؤتمر في قيادته.

للمرة الثانية توالياً والرابعة في مساره السياسي، عاد رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بنكيران إلى رئاسة حزب العدالة والتنمية المعارض، بعد أن انتهت أشغال المؤتمر التاسع أمس الأحد بمدينة بوزنيقة، جنوب الرباط، إلى تجديد الثقة فيه أميناً عاماً في خطوةٍ تحمل أكثر من دلالة، وتثير أكثر من تساؤل في المشهد السياسي في البلاد. وحافظ بنكيران على منصبه بعد أن حصل خلال عملية الانتخاب أمس، على تأييد 974 مؤتمراً من أصل 1402، بنسبة 69%، متقدماً بذلك على منافسه الأول رئيس المجلس الوطني للحزب إدريس الأزمي الذي حصل على 374 صوتاً، ورئيس المجموعة النيابية عبد الله بووانو، الذي ظفر بـ42 صوتاً فحسب.

وجاء انتخاب بنكيران، إحدى أكثر الشخصيات إثارة للجدل في المشهد السياسي المغربي، لينهي النقاش الذي طفا على السطح خلال أشغال المؤتمر التاسع وقبل أسابيع من موعده، حول مستقبل القيادة داخل الحزب الإسلامي، بين فريق دفع نحو التمديد لبنكيران بالنظر إلى "دوره في الحفاظ على وحدة الحزب وإعادة حضوره السياسي، فضلاً عن أنه لم يتخلَّ عنه في لحظات الضعف"، في مقابل فريق آخر رأى أن العدالة والتنمية "بحاجة إلى تجديد دمائه"، و"إفساح المجال أمام جيل جديد من القيادات الشابّة".

وعلى امتداد ما يقارب 30 سنة من انتسابه إلى العدالة والتنمية، تمكّن بنكيران من ترك بصمته على الحزب، بعد أن قاده إلى رئاسة الحكومة المغربية مرّتين متتاليتين، بعد الانتخابات البرلمانية في 2011، وانتخابات 2016، في سابقة بتاريخ المغرب الحديث. وطوال قيادته الحزب وللحكومة، كان بنكيران محطّ جدل بين مناصريه الذين كانوا يرونه "استثنائياً"، سواء على مستوى الخطاب والتواصل، أو على مستوى المواجهة، أو حتى على مستوى قدرته على استيعاب المحيطين به واحتوائهم، وبين خصومه السياسيين، الذين كانوا يصفونه بأنه "وحش سياسي" يستخدم الدين في السياسة، ومسؤول "ذو ميول شعبوية"، وفشل في توظيف الفرص التي منحها دستور "الربيع العربي" للطبقة السياسية، وفي محاربة الفساد.

ولئن كانت إعادة انتخاب بنكيران تشكل لحظة مفصلية في مسار الحزب، إذ تأتي في سياق سياسي استثنائي تتقاطع فيه الاعتبارات التنظيمية مع رهانات التموقع السياسي استعداداً للانتخابات التشريعية والمحلية المقبلة في سبتمبر/ أيلول 2026، إلّا أن ضمان بقائه على رأس الأمانة العامة للمرة الثانية على التوالي، يحمل دلالات تتخطى البيت الداخلي للعدالة والتنمية. في قراءته لبقاء بنكيران على رأس الحزب، يقول الباحث في العلوم السياسية، محمد شقير، لـ"العربي الجديد"، إن "لذلك البقاء دلالات سياسية يمكن تلخيصها في دلالتين أساسيتين: الأولى داخلية تتمثل في تجميد قيادة العدالة والتنمية بإعادة انتخابه للمرة الرابعة، الشيء الذي حول الحزب إلى زاوية سياسية بدل حزب سياسي، إذ تحلّق الأتباع والمريدون حول شيخهم"، ويرى أن التشبث به أظهر بأن "الحزب  لم يتعاف بعدُ من نكسته السياسية، وفضّل الاحتماء بجُبّة الشيخ بنكيران في أفق الاعتماد على هذه الشخصية الصدامية لولوج حمأة التنافس السياسي، والتموقع استعداداً للانتخابات القادمة التي تفرز حكومة المونديال"، في إشارة إلى التسمية التي باتت شائعة في المغرب للحكومة القادمة التي ستتزامن ولايتها مع استعداد المغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030 مع إسبانيا والبرتغال.

تقارير عربية
التحديثات الحية

واعتبر شقير أن "إعادة انتخاب بنكيران وإحاطته بنائبين له هما إدريس الأزمي الإدريسي وعبد الله بووانو اللذين كانا منافسَين رئيسيَين له في السباق نحو قيادة الحزب، يُبرز أنّ تيار بنكيران هو الذي يتحكم في الحزب بعد أن جرى إقصاء كل معارضي الرجل، وعلى رأسهم القياديَين والوزيرين السابقين مصطفى الرميد وعزيز الرباح"، مشيراً إلى أن "إعادة انتخاب بنكيران تحمل دلالة سياسية خارجية تتمثل في عودته إلى الساحة السياسية بخلافاته السياسية وخصوماته الشخصية التي ستتحكم في توجهات الحزب وتفاعلاته مع باقي قيادات الأحزاب الأخرى، خاصة الذين يتهمهم بإبعاده عن رئاسة الحكومة في الولاية الثانية وتعويضه بسعد الدين العثماني". وبرأيه، فإن بقاء بنكيران على رأس الحزب "لن يزيد إلّا من تكريس الخطاب الشعبوي الذي جرت، في مرحلة سابقة، محاولة تجاوزه من خلال إبعاد زعيم حزب الاستقلال السابق حميد شباط، والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العمري، بعدما سُجِّل من تضخّم في تمييع الحياة السياسية وانتشار الخطاب الشعبوي بما يتضمن من سب وقذفٍ وتنابُز بالألقاب".

ما يعنيه بقاء بنكيران على رأس الحزب

وبخصوص ما يعنيه بقاء بنكيران على رأس الحزب الإسلامي، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، إسماعيل حمودي، إن "إعادة انتخاب بنكيران كانت متوقعة بالنظر أولاً إلى مكانته داخل الحزب باعتباره من أبرز القادة المؤسّسين للتجربة الحركية الإسلامية ككل، وثانياً لدوره القيادي والتعبوي في إعادة بعثّ الروح في جسد حزبه، خصوصاً بعد الهزيمة القاسية التي تكبدها في انتخابات 2021"، إذ حل في المرتبة الثامنة، بـ13 مقعداً برلمانياً من أصل 395 بعدما كان يحوز 125 مقعداً في انتخابات 2016، ولفت في تصريح لـ"العربي الجديد "، إلى "وجود رهان حزبي داخلي، يريد مواصلة الطريق مع بنكيران بغرض استكمال مسار الخروج من الأزمة الداخلية والتعافي منها، خصوصاً بعد ابتعاد عدد من القيادات مثل مصطفى الرميد وسعد الدين العثماني".

وفي تقدير حمودي، فإن تجديد الثقة في بنكيران على رأس العدالة والتنمية "يعكس التقاء ثلاث إرادات هي: إرادة بنكيران الذي عبر عن رغبته في الاستمرار لولاية أخرى، وإرادة المؤتمرين من أعضاء الحزب الذين صوتوا له بنسبة تناهز 70%، بمعنى وجود طلب واسع وقوي لدى قواعد الحزب على بنكيران، أما الإرادة الثالثة فهي إرادة الدولة التي يبدو أنها بحاجة إلى زعيم حزبي من وزن بنكيران كذلك، بالنظر إلى مكانته الاعتبارية لدى الدولة، خصوصاً في حالات التوتر والأزمات"، على حد قوله. وإجمالاً، يرى حمودي أن إعادة انتخاب بنكيران "هو تعبير عن التقاء موضوعي بين تلك الإرادات الثلاث: بنكيران، قواعد الحزب، والدولة".

حالة التمسّك ببنكيران

أما رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية (المغرب)، رشيد لزرق، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن حالة التمسك ببنكيران تكشف "عن جذور العقلية الأبوية المتأصلة في التربية الجماعية للإسلاميين، التي تتجلى في الحاجة المستمرة لوجود قائد كاريزمي يمثل رمزاً للاستقرار والمرجعية في عالم مضطرب"، معتبراً أن "التنشئة داخل إطار جماعي محافظ تُعلي من قيمة الطاعة والانضباط للقيادة باعتبارها ضماناً للوحدة والتماسك، تجعل من الصعب التخلي عن الزعيم التاريخي حتى في الممارسة الحزبية المفترض أنها ديمقراطية".

وأشار إلى أن "هذا التمسك بشخص بنكيران لا ينفصل عن سياق إقليمي ودولي يتسم بالغموض وغياب اليقين، ما يدفع أتباعه للتشبث بما يمثله من استمرارية واطمئنان نفسي وسط متغيرات سياسية متسارعة، فيصبح الزعيم بمثابة الملاذ الآمن والبوصلة الموثوقة في خضم تحولات تهدد الهوية الجماعية، وتضع النموذج الإسلامي السياسي أمام تحديات وجودية". في المقابل، يرى لزرق أن عودة بنكيران إلى الأمانة العامة مجدداً "يعكس أزمة عميقة في البنية الحزبية التي تجد صعوبة في الانتقال من منطق الجماعة إلى مؤسسة حزبية بالمعنى الديمقراطي الحقيقي، فرغم الادعاءات بممارسة ديمقراطية داخلية، يظل الحزب أسير شخصنة السلطة وغياب التداول الفعلي على المسؤولية، إذ تحولت الانتخابات الداخلية إلى واجهة شكلية تخفي الانقسامات العميقة وتكرس هيمنة الفرد الواحد".

وأضاف أن "غياب النقاش الحقيقي حول البرامج والرؤى السياسية، واستبداله بخطاب المظلومية والضحية الذي يتقنه بنكيران، يكشف عن أزمة فكرية وعجز عن تجديد الخطاب السياسي بما يستجيب لتحديات المرحلة، ما يجعل الحزب يدور في فلك قائده بدل أن يتطور بصفته مؤسسةً مستقلةً عن الأشخاص، وهو عطب يتجاوز العدالة والتنمية ليعكس أزمة المنظومة الحزبية المغربية بأكملها".

في المقابل، قال عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية حسن حمورو، إن "إعادة انتخاب بنكيران جرت ديمقراطياً وفق ما تنصّ عليه مساطر وقوانين الحزب، وتابعها الرأي العام عبر البثّ المباشر عبر الدعامات التواصلية للحزب"، موضحاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "انتخاب بنكيران يعكس ثقة المؤتمر فيه، واستمرار الحاجة إليه من موقع القيادة، وكذلك اعتراف مناضلي الحزب بالجهود التي قام بها خلال المرحلة التي أعيد انتخابه فيها بعد انتخابات 8 سبتمبر/ أيلول 2021".

كما تؤكد إعادة الانتخاب أن "المقاربة التي يشتغل وفقها الأستاذ بنكيران تحظى بقبول المؤتمر الوطني الذي هو أعلى هيئة تقريرية في الحزب"، يقول حمورو، مشيراً إلى أن "هذه المقاربة قد لا تكون مكتوبة، وإنما تظهر في الممارسة والخطاب السياسيَين للحزب، وكذا في تدبير العلاقة مع مختلف الفاعلين المؤسّساتيين في دائرة السلطة وعلى رأسها المؤسسة الملكية"، واعتبر أن "تصويت المؤتمر لفائدة الأستاذ بنكيران هو انحياز لهذه المقاربة وتعبير عن رغبة في ترسيخها وتوطيدها وترصيد مكاسبها ليستفيد منها الوطن قبل الحزب".

وتابع: "الذين ينتقدون إعادة انتخاب بنكيران لا ينطلقون من المسافة نفسها من الحزب، بمعنى هناك من ينتقد للتشويش فحسب، ومحاولة تسميم الأجواء داخل الحزب، ومحاولة تعميق التناقضات داخله، وهناك من ينتقد من موقع الخصومة الأيديولوجية والسياسية، وهؤلاء لا نستمع لهم ولا تهمنا آراؤهم، ونقول لهم طبقوا ما تقترحونه علينا في أحزابكم وتنظيماتكم لأن الشأن الداخلي لحزب العدالة والتنمية يبقى ملكاً لمناضليه، أما الذين ينتقدون من موقع المتابعة والتحليل السياسي والصحافي، فنرحب بانتقاداتهم وملاحظاتهم، ويمكن أن نستفيد منها"، وختم بالقول: "أؤكد أن مناضلي العدالة والتنمية ليسوا قاصرين وليسوا في حاجة لوصاية أحد ليحدّدوا معايير اختيار أمينهم العام، والحزب قادر كما كان دائماً على تقديم الدروس في الديمقراطية الداخلية".