دعم مصري لسعيّد... ومخاوف من آثار الانفراد المبكر بالسلطة

دعم مصري لسعيّد... ومخاوف من آثار الانفراد المبكر بالسلطة

06 اغسطس 2021
تربط مصر دعمها لسعيّد بسياسته بشأن الجيش التونسي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري، الثلاثاء الماضي، زيارة إلى تونس، حمل خلالها رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى نظيره التونسي قيس سعيّد، يؤكد فيها تضامنه مع القرارات التي أصدرها في 25 يوليو/تموز الماضي، والتي تضمنت تجميد عمل البرلمان لـ30 يوماً، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي ورفع الحصانات عن النواب. وكرر السيسي، في الرسالة، إبداء استعداده لتقديم الدعم الكامل لتنفيذها، ومنبهاً لضرورة عدم تحدي المؤسسات الوطنية، التي يقصد بها السيسي دائماً الجيش والشرطة، ومؤكداً ثقته في "حكمة سعيّد"، واستجابة الدولة التونسية الناجزة للتحديات المختلفة.

لكن مصر، قبل هذه الزيارة، تأخرت بعض الشيء عن إعلان دعمها لسعيّد، فلم تسارع للترحيب بقراراته، كما فعلت بعض الدول، غير أنها لم تتوان عن توفير دعم إعلامي، من خلال المنصات المختلفة التابعة للمخابرات العامة التي رحبت بـ"الإطاحة بالإخوان"، والتركيز على فكرة استلهام سعيّد لتجربة السيسي في العام 2013، رغم كل ما في هذه المقاربة من إخلال بالسياقات والمعطيات.

جرت اتصالات بين المخابرات المصرية والمخابرات العسكرية التونسية لاستكشاف مدى تمتع قرارات سعيّد بالقبول لديها

ويعود سبب التأخر في الإعلان، بحسب مصدر حكومي مطلع، تحدث لـ"العربي الجديد"، إلى أن السيسي وجه شخصياً لعدم إصدار أي إشارات صريحة مبكرة بدعم سعيّد، لتلافي أي اتهام لمصر بالتخطيط أو المساعدة في تلك القرارات، فضلاً عن عدم وضوح الرؤية في ذلك الوقت لمصر بشأن موقف الجيش والشرطة في تونس بشكل كامل، وما إذا كانت القرارات مدعومة بصورة نظامية ومؤسسية، أم مدعومة من قبل أشخاص محددين. وكذلك إلى حين التأكد من رضا القوى الكبرى المهتمة بتونس، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، عن قرارات سعيّد، ومدى قوة روابط "إخوان" تونس مع دوائر السلطة في أوروبا.

وأوضح المصدر أن اتصالات جرت بين المخابرات المصرية، والمخابرات العسكرية التونسية، وشخصيات نافذة بالشرطة والمخابرات العامة، بعيد إقالة رئيسها الأزهر لونقو ضمن قرارات سعيّد، لاستكشاف الأوضاع والتطورات المحتملة، ومدى تمتع قرارات الرئيس بالقبول في تلك المؤسسات. وأشارت إلى أن حصيلة تلك الاتصالات دفعت القاهرة، في التوقيت المناسب لها، لإعلان موقفها تدريجياً، وصولاً إلى إصدار البيان الرسمي بالدعم قبل أربعة أيام، ثم زيارة شكري لتونس.

وشهدت الاتصالات إبداء مصر استعدادها لتقديم النصائح والمساعدات المناسبة لضمان تماسك الجيش والشرطة، منبهة إلى ضرورة التواجد في الشارع بقوة، ومن خلال أنشطة متنوعة خدمية ومرفقية، لا تقتصر على التأمين والحماية فقط، لإشعار المواطن التونسي بالحاجة الماسة للمؤسسات النظامية، مع الإشارة لضرورة استغلال التفويض الصادر للجيش بإدارة جهود التصدي لجائحة كورونا. وكان السيسي قد أرسل، بواسطة الجيش، مساعدات طبية ودوائية تسلمها الجيش التونسي، الشهر الماضي على ثلاث دفعات، قبل أيام من قرارات سعيّد.

وكشف المصدر عن إجراء اتصالات أخرى على المستوى الاستخباراتي بين القاهرة وباريس وبرلين وواشنطن والجزائر للتباحث حول التطورات، حيث اعتبرت مصر، بشكل صريح في تلك الاتصالات، أن قرارات قيس سعيّد تؤكد صحة الرؤية المصرية تجاه قوى الإسلام السياسي، وعلى رأسها "الإخوان المسلمين"، داعية لتوفير الدعم للجيش والشرطة، بحجة أن عدم تمكنهما من السلطة، ووجود رئيس مدني، ربما يغري "الإخوان" لبدء معركة استنزاف طويلة المدى ضد الدولة التونسية، وربما تتطور إلى مواجهات أهلية، مستشهدة بما سمته "بالنزاع الذي وقع بين الجيش والشرطة والمعارضة الإسلامية" في مصر بعد عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي قبل 8 سنوات.

ما زالت دائرة السيسي تنظر إلى سعيّد باعتباره شخصية صعبة الفهم، وتصرفاته غير متوقعة

وفي سياق الاتصال السياسي، قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من دعم قرارات سعيّد، فما زالت دائرة السيسي تنظر إليه باعتباره شخصية صعبة الفهم، وتصرفاته غير متوقعة. وأشارت إلى أن السيسي شخصياً كان مرتاباً في سعيّد ونواياه، حتى حدثت ثلاثة مواقف متتالية جعلته أكثر ترحيباً بالتعامل معه، أولها تطور صدامه مع البرلمان وسرده لتفاصيل هذا الصدام عند زيارته القاهرة في إبريل/نيسان الماضي، وطلبه النصيحة من السيسي وبعض المسؤولين المصريين، وهو ما قوبل وقتها بالتحفظ لعدم وجود ثقة كافية، بحسب المصادر، بل إن بعض القيادات في دائرة السيسي اعتبرت وقتها أن حديث سعيّد العلني، بعد لقائه بالسيسي، عن ضرورة التصدي للإرهاب والتطرف مجرد محاولة لاستمالة الرئيس المصري. والموقف الثاني أنه طلب خلال الزيارة إجراء جولة في الحصون العسكرية للعدو الإسرائيلي في سيناء، والتي اقتحمها الجيش المصري في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، فترك هذا لدى السيسي انطباعاً إيجابياً عن سعيّد ساهم في التقريب بينهما.

والموقف الثالث هو ثبات تونس على مساندة مصر في قضية سد النهضة، وتقديم يد العون بكل السبل المتاحة لها في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وبعد كل هذه المواقف المشتركة والقرارات الإيجابية الأخيرة، مازالت دائرة السيسي تربط الدعم الكامل لسعيّد بعدة أمور أساسية، أهمها ضرورة أن يحظى بالقبول الكامل من الجيش والشرطة في تونس، وأن تكون هناك سياسة واضحة في التعامل مع الجيش والشرطة لدعمهما ضد أي هجوم، أو إساءة، أو تغييرات تعسفية محتملة قد تسهم في تفكك المؤسستين أو انقسامهما.

تدعم مصر استمرار سعيّد في اتخاذ إجراءات استثنائية

وبحسب المصادر فإن هذا الإطار لا يرتبط فقط بفكرة ثبات الدعم لما يسمى بالمؤسسات الوطنية، أو تعميم النموذج المصري، بل يحركه أيضاً قلق من أن استئثار سعيّد بالسلطة منفرداً، مع اتخاذ إجراءات ضد الجيش أو الشرطة، قد يؤدي على المدى الطويل إلى تحالف مضاد بين مؤسسات الدولة والإسلاميين، أو الأحزاب اليسارية والليبرالية، وبالتالي تدخل تونس في وضع جديد يصعب التعامل معه، بعد الدعم العلني للقرارات الأخيرة، وربما يطول لتشهد حالة من عدم الاستقرار غير المرحب بها إقليمياً، وذلك في ظل معطيات الحالة التونسية المختلفة عن مصر، وبالنظر لكون سعيّد غير منتمٍ إلى أي مؤسسة أو تيار.

ووفقاً للمصادر نفسها، يرتبط هذا الدعم أيضاً بضرورة الثبات على تعامل رشيد مع "الإخوان" والقوى السياسية الأخرى، بما يقف حائط صد ضد التدخل المحتمل لأنقرة في الملف التونسي، خاصة بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع سعيّد، أخيراً، ودعاه فيه إلى إعادة البرلمان للانعقاد والحفاظ على التجربة الديمقراطية. وقالت المصادر إن مصر تعارض إعادة هذا البرلمان، وتدعم استمرار سعيّد في اتخاذ إجراءات استثنائية، ملتحفاً بقراءته الخاصة للفصل 80 من الدستور، ولكن في الوقت نفسه ترى أن المسارعة إلى قمع "الإخوان"، بدون خطة حذرة وطويلة الأمد، ستؤدي إلى تعثر محاولات التفاهم الجارية مع تركيا في ليبيا، والتي ما زالت عقدتها الرئيسية هي إخراج القوات التركية من ليبيا، وهي نفسها المأخذ الرئيسي لسعيّد على أنقرة منذ ما قبل قرارات 25 يوليو.

وبحسب المصادر فإن الاتصالات مع تركيا ما زالت معطلة، مرجحة أن تؤدي أحداث تونس إلى استئنافها خلال هذا الشهر، لتعدد الملفات التي يجب على الطرفين التنسيق بشأنها، والوقوف على ما يجب على كل طرف تقديمه، بعد القرارات التي اتخذتها أنقرة ضد المنصات الإعلامية والإعلاميين المعارضين للسيسي على أراضيها، والتي رحبت بها القاهرة بشدة.