دعم غزة في الجزائر.. موقف رسمي مناصر وفضاءات عامة مغلقة أمام التظاهر
استمع إلى الملخص
- نظمت بعض الأحزاب وقفات تضامنية في مدن جزائرية، لكن هذه الفعاليات تواجه قيودًا أمنية، حيث تم اعتقال بعض المشاركين في العاصمة.
- رغم أن الدستور الجديد يتيح التظاهر، لم تُنفذ السلطات هذا التدبير، بينما تُظهر تساهلًا تجاه الجمعيات الأهلية الناشطة في إغاثة فلسطين.
بدت حركة الشارع الجزائري الداعمة للشعب الفلسطيني، في خضم المأساة الأليمة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، متواضعة وعلى غير العادة، مقارنة بالمواقف التقدمية البارزة التي تعبّر عنها الجزائر في مجلس الأمن أو في المنابر والبيانات الرسمية. ويعود عدم تحرك الشارع أساساً إلى إغلاق السلطات الجزائرية للفضاءات العامة أمام التجمعات ذات الطابع السياسي منذ وقف الحراك الشعبي مطلع عام 2020، فيما تتيح مساحة أوسع لنشاط الجمعيات الأهلية العاملة في إغاثة فلسطين والقطاع.
ونظّم نشطاء من حركة مجتمع السلم، كبرى الأحزاب الإسلامية في البلاد، الثلاثاء، وقفة تضامنية في مدينة ميلة شرقي الجزائر مع الفلسطينيين المحاصرين في غزة، رفضًا للصمت الدولي والخذلان العربي والإسلامي، ورفعوا خلالها صورًا وشعارات تندد بالتواطؤ الدولي. وفي مدينة عين الدفلى غربي البلاد، نظم نشطاء وقفة مماثلة للمطالبة بخطوات عملية لرفع الحصار عن القطاع.
وسبق ذلك تنظيم مسيرة شعبية في منطقة ورقلة جنوبي الجزائر، أمس الاثنين، رُفعت خلالها الرايات الفلسطينية وصور تُظهر مظاهر التجويع الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان غزة. كذلك نظم نشطاء من قافلة الصمود، الأحد الماضي، وقفة في ساحة الشهداء وسط العاصمة الجزائرية انتهت باعتقال قوات الأمن لعدد من المشاركين بحجة "التجمع من دون ترخيص"، قبل الإفراج عنهم لاحقًا. وتستعد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لتنظيم تجمع شعبي، الجمعة المقبل، في مدينة سطيف شرقي الجزائر، دعمًا للمحاصرين في غزة وإنهاء حالة الصمت حيال معاناتهم.
تبرز هذه المبادرات القليلة والمتباعدة حجم القيود المفروضة على حركة الشارع الجزائري في ما يتعلق بالمشاركة في الفعاليات العالمية للتعبير عن التضامن مع غزة. وهو ما دفع حركة مجتمع السلم إلى إصدار إعلان سياسي الأحد الماضي طالبت فيه بـ"فتح الفضاءات العمومية أمام التعبير عن التضامن والدعم للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع صور التجويع والإبادة الجماعية، والدعوة إلى التنسيق مع الدول المناصرة للقضية الفلسطينية لتسيير قوافل وأسطول بحري وجوي لإغاثة غزة". بدوره، طالب السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، في تجمع لكوادر حزبه، السلطات برفع كل القيود التي تحول دون تعبير الجزائريين عن مواقفهم، داعيًا إلى "رفع أشكال القمع والتضييق، خصوصاً تلك التي تُقيد حرية الرأي والتنظيم".
ومنذ آخر مسيرة شعبية نظمت في العاصمة الجزائرية بتاريخ 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 دعمًا لفلسطين، والتي جرت بضغط من القوى السياسية، لم تسمح السلطات بأي مظاهرة أو مسيرة داعمة للقضية الفلسطينية، خصوصاً في العاصمة. واقتصرت الفعاليات منذ ذلك الحين على القاعات أو أمام مقار الأحزاب السياسية. ورغم أن الدستور الجزائري الجديد المصدَّق عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 يتيح تنظيم التظاهرات بمجرد التصريح للسلطات من قبل الجهة المنظمة، إلا أن هذا التدبير لم يدخل حيز التنفيذ بعد خمس سنوات، وسط تبريرات حكومية تتعلق بعدم مراجعة القانون المنظم للمسيرات. في الواقع، لا تزال السلطات متحفظة وحذرة من أي حراك شعبي قد ينطلق من دعم فلسطين، ويتوسع لاحقًا ليشمل قضايا داخلية.
ويعتبر المحامي والرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، بوجمعة غشير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن استمرار إغلاق الشارع أمام التظاهر، حتى لصالح دعم فلسطين، "يطرح أسئلة كثيرة"، موضحًا أنّ "القانون يسمح بذلك لأي طرف مسؤول عن التظاهرة، لكن السلطات ما زالت متخوفة من الشارع بعد تجربة الحراك الشعبي. تقديرها أن السماح بالتجمعات قد يبدأ بالقضية الفلسطينية، لكنه قد يتحول لاحقًا إلى قضايا داخلية. أعتقد أن هذه قراءة خاطئة تفتقر إلى الحنكة السياسية، فالإغلاق لم يكن يومًا حلًا".
ومن اللافت أن هذا المنع يقابله موقف رسمي متقدم داعم لفلسطين على الصعيد السياسي، يظهر في جهود الجزائر في مجلس الأمن والمنابر الدولية، وعلى الصعيد الأهلي حيث تتسم السلطات بتساهل ملحوظ مع الجمعيات الجزائرية الناشطة في الإغاثة، مثل جمعية البركة (التي صنفتها واشنطن على قائمة داعمي الإرهاب)، وجمعية الأيادي البيضاء، وجمعية الإرشاد والإصلاح، وغيرها. وقد دعمت السلطات في بعض الأحيان هذه الجمعيات لوجستيًا، كما حدث خلال نقل مساعدات عبر البحر إلى ميناء العريش المصري.