دعم "المقاومة الأوكرانية"... طريق معبدة بالألغام

دعم "المقاومة الأوكرانية"... طريق معبدة بالألغام

19 مارس 2022
يحتاج الجيش الأوكراني إلى أنواع مختلفة من الأسلحة (Getty)
+ الخط -

لم يحصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منذ إطلاقه الحملة العسكرية لغزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، على أي مكسب سياسي بعد. وعلى صعيد عسكري، برزت من دون شك، في الحملة التي تجاوزت أسابيعها الثلاثة، مكامن خلل وثغرات في القيادة العسكرية الروسية للعملية، يعود جزء منها إلى سوء تقدير روسي لصلابة وإمكانيات الجيش الأوكراني، الذي ليس سرّاً تلقيه، خصوصاً منذ ضمّ شبه جزيرة القرم في عام 2014، تدريباً عالياً على يد مدربين من حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

لكن كل ذلك لا يعدو كونه بداية لعبة طويلة الأمد، قد تستمر سنوات، وتتحول فيها الحرب التقليدية بين الجيشين الروسي والأوكراني إلى حرب بين جيش نظامي وحركة مقاومة أوكرانية، إذا ما تمكن الجيش الروسي من السيطرة على معظم أوكرانيا. ولا يزال الجيش الروسي يتجنب الانزلاق في حرب عصابات مع القوات الأوكرانية، مفضلاً محاصرة المدن وقصفها بكثافة لإجبارها على الاستسلام، فيما أظهر الجيش الأوكراني قدرة على تأخير وحتى إفشال هذا السيناريو.

عمليات سرّية أميركية في أوكرانيا

وعلى الرغم من ضبابية المشهد، فإن الولايات المتحدة باتت تقف أمام مفترق حسّاس، لجهة الحاجة إلى دعم أوكرانيا بما يعرف بـ"العمليات السرّية" لخلق حركة مقاومة فاعلة ضد القوات الروسية المهاجمة، عندما تصبح العمليات العسكرية بين جيشين نظاميين غير ذات جدوى.

يخشى متابعون أن تمتد الحرب وتصبح أكثر تعقيداً

وإذا كان للولايات المتحدة تاريخ غير مشجع من العمليات السرّية لدعم "تمردات" حول العالم، ومنها نجاح 4 محاولات فقط من أصل 35 لدعم تمردات وانشقاقات ضد الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، بحسب مجلة "فورين أفيرز"، فإن المسألة الأوكرانية لا تقل خطورة، لا سيما إذا ما تضمنت "دعسات ناقصة"، قد تجعل الحرب كونية.

ولذلك، فإن كل التقديرات حول دعم "مقاومة أوكرانية" تبقى حذرة. وترى المجلة أن "الطريق إلى الجحيم غالباً ما يكون معبداً بالنوايا الحسنة". وتبدو المهمة مليئة بالأشواك، وقد تنذر، بحسب "فورين أفيرز"، بمسار طويل من الاستنزاف الدموي في أوكرانيا، ليس مضموناً نجاحه للحلفاء. من هنا، تبدو الدعوات لتسليح "المقاومة الأوكرانية" متأنية، علماً أنه في واشنطن، يخرج أكثرها من الجبهة الجمهورية.

ويجمع متابعون للحرب في الحديث عن خشيتهم من حرب طويلة ومعقدة، خصوصاً إذا ما طرأت على الصراع مفاجآت، على غرار التدخل الروسي في حرب سورية لصالح نظام بشار الأسد في 2015، بعدما عملت واشنطن على تسليح الثوار السوريين الذين كانوا على وشك إسقاط النظام. وبحسب المجلة، فإنه كلما توسعت العملية السرّية أيضاً، فإن خطر انكشافها أو اختراقها يصبح أكبر. وتذكّر المجلة بتقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" صدر في عام 2012، وورد فيه أن حركات المقاومة نادراً ما تنجح من دون تدخل أميركي على الأرض، وهو ما لا تريده واشنطن حالياً.

تجارب مأساوية بدعم حركات التمرد

وكانت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" سبّاقة، في فبراير الماضي، في تقرير لجيف روغ، في التحذير من تجربة سابقة فاشلة للولايات المتحدة في تسليح المقاومة الأوكرانية ضد الاتحاد السوفييتي في 1949، وصفتها بعد عقود وكالة "سي آي إيه"، بأنها "كانت مأساوية".

ورأت الصحيفة أن الاستخبارات الروسية تشكل عامل خطر قوياً على أي جهد استخباري أميركي في أوكرانيا، مذّكرة بأن "سي آي إيه" تكافح اليوم لحماية عملائها في الخارج. وشدّدت على أن الولايات المتحدة لا تملك تقديراً دقيقاً حول مدى قدرة الأوكرانيين على تحمل معركة مقاومة طويلة الأمد، أو إمكانية استسلام الروس.

الاستخبارات الروسية تشكل عامل خطر قوياً على أي جهد استخباري أميركي في أوكرانيا

بدورها، كانت مجلة "فورين بوليسي" قد نقلت مع انطلاق الحرب، عن مسؤولين أميركيين ومساعدين للرئيس جو بايدن في الكونغرس، أن إدارته تناقش خططاً لدعم مقاومة أوكرانية، في ظلّ خشية من أن ينهار الجيش الأوكراني سريعاً أمام الغزو الروسي. وكان لافتاً صدور الكشف في اليوم الأول من الغزو، ثم توالي تقارير أميركية تحدثت عن سيناريو "أفغنة" للحرب، وإغراق الجيش الروسي في مستنقعها.

وشكّل ذلك تتمة لحملة سبقت الغزو، بطلتها الاستخبارات الأميركية التي كشفت خطط بوتين واستعداداته وتحشيدات قواته. وبرز مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، وليامز بيرنز، كرأس حربة في الصراع الاستخباري مع موسكو، بسبب خبرته الطويلة في الملف الروسي، ومعرفته ببوتين.

ويبدو تمرير التسريبات حول مداولات البيت الأبيض لدعم المقاومة الأوكرانية متعمداً. وذكرت "فورين بوليسي" أن مشرعين جمهوريين في الكابيتول قد استبقوا حرباً طويلة قد تلوح في الأفق في أوكرانيا، وهم يضغطون على بايدن لتحضير الأوكرانيين وجعلهم "يدمون" الجيش الروسي، عبر تجهيز مشروع قانون "عدم تسليم أرض أوروبية أبداً".

متطلبات لدعم مقاومة أوكرانية

ويتطلب دعم "مقاومة أوكرانية" تزويدها بمزيد من الأسلحة وأنواع أخرى من الذخائر، كالمتفجرات والألغام والبنادق. وفي السياق، وضع موقع "أتلانتك كاونسل" ترتيباً للمخاطر التي يمكن أن تجنيها الولايات المتحدة والناتو من التدخل في الحرب. وبحسب الموقع، فإن إطلاق هجوم سيبراني على الجيش الروسي هو الأقل خطراً. علماً أن الأعلى خطراً يكمن في فرض منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا، ثم نشر قوات خاصة أجنبية لمهمة "مباشرة" داخل البلاد، وهي أكثر خطراً من مهمة "تدريبية" (لكن مع مكاسب عالية). ومن الحلول، نقل منظومة "باتريوت" أو "القبة الحديدية".

ويتصدر الأفكار حول دعم "المقاومة الأوكرانية" إبقاء سيل الأسلحة متدفقاً على هذا البلد، أو التحول إلى تكتيك الحرب "غير المتناسقة"، أي تأقلم المقاتلين مع استراتيجية مختلفة لتوزيع الأسلحة والانتشار والإمداد. وترى صحيفة "وول ستريت جورنال" أن حرب العصابات ممكنة، رغم نظريات تخشى الطبيعة الجغرافية لأوكرانيا، المتكونة في معظمها من سهول تحول دون إمكانية القيام بمثل هذه الحروب على غرار فيتنام.

ويرى الكابتن المتقاعد في الجيش الأميركي دايفيد بيترز أن ذلك ممكن عبر تحويل حرب العصابات إلى داخل المدن، واتباع نظرية "إطلاق النار بالقرب من العدو"، بدلاً من "عليه". ويرى معهد "مودرن وور" أن ذلك يعتمد على عنصرين: أن يصبح الجندي الأوكراني أكثر عدوانية، وأن يصبح الجندي الروسي أكثر خوفاً.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

المساهمون