دروس من فجر طرابلس

دروس من فجر طرابلس

19 مايو 2022
يعيد الحدث سؤال من يسيطر على طرابلس؟ (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت العاصمة الليبية، طرابلس، فجر الثلاثاء، ساعتين من الاشتباكات المسلحة بين تشكيلات المدينة، بعد أن أعلن بعضها ترحيبه بدخول رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، إلى العاصمة وسهل ذلك، بينما رفضت تشكيلات أخرى الخطوة وبادرت بمحاصرة مقار التشكيلات الأولى واقتحامها بقوة السلاح، قبل أن تتوسط ثالثة لفض الاشتباكات وتوفير ممر آمن لخروج باشاغا إلى خارج طرابلس. وسريعاً ما أعلن الأخير عن تخليه عن طرابلس وتبنيه لخيار عمل حكومته من مدينة سرت، وسط شمال البلاد.

وبالتوازي مع بيانات الداخل والخارج التي طالبت بضبط النفس ووقف الاشتباكات، تضمنت خطابات رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وباشاغا، ذات الحجج لوقف التصعيد، وتحديداً عبارة "حقن الدماء". لكن الأهم في رصد هذا الحدث، هو عودة سؤال من يسيطر على طرابلس؟ فضلاً عن إزاحته النقاب عن حقيقة هشاشة الوضع الأمني والمؤسسي والحكومي في البلاد، لا العاصمة فقط.

ومما كشف عن ذلك، إقرار الدبيبة ضمناً، في بيان لوزارة الدفاع التابعة لحكومته، وهي الوزارة التي يشغلها هو نفسه، بأن الحدث كان "مفاجئاً"، بل ووصفه بـ"الاختراق الأمني" صراحة، ما يجعل شكره الذي كرر توجيهه لـ"الأجهزة الأمنية والعسكرية التي قامت بصد دخول (باشاغا) طرابلس"، مجرد محاولة لكسب ودها. فمن المؤكد أن كل هذه الأجهزة لم تكن تعلم بدخول باشاغا لطرابلس، وربما تيقّظت لوجود محاولة انقلاب ناعمة وسط طرابلس، متأخراً. فالاشتباكات وتحرك الكتائب جاءا بعد ظهور باشاغا معلناً عن وجوده في العاصمة.

والملاحظ أن رأس حربة الكتائب التي حاصرت مقر كتيبة النواصي، حيث استضيف باشاغا، هي كتيبة أبو سليم، التي تعمل تحت مسمى جهاز دعم الاستقرار، والتي جاهرت في السابق برفض قرارات باشاغا، عندما كان وزيراً للداخلية في حكومة الوفاق السابقة، بشأن خططه لتفكيك المجاميع المسلحة وإعادة دمجها في المؤسسات العسكرية والأمنية. وقد عُرفت هذه الكتيبة بعلاقتها المتوترة مع باشاغا، حتى أنها سيّرت موكباً احتفالياً بعد إعلان رئيس حكومة الوفاق الوطني السابقة، فايز السراج، وقف باشاغا عن العمل وتحويله للتحقيق في ديسمبر/كانون الأول عام 2020.

على الرغم من أن الحدث لم يتجاوز الساعتين، إلا أن الدروس المستفادة منه عديدة، ومنها، بالنسبة للدبيبة وباشاغا، أن هذه المجاميع المسلحة لديها الاستعداد لتغيير ولائها في كل لحظة، بحسب مصالحها. ولا أدل على ذلك لناحية إدراك الدبيبة لهذا الأمر، من إصداره قراراً بإقالة رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، اللواء أسامة الجويلي، المتحدر من الزنتان، وهي المدينة التي سهلت وصول باشاغا إلى طرابلس عبر مطارها المحلي وأراضيها، من دون أن يُصدر أي أوامر بشأن كتيبة النواصي، النافذة في طرابلس والمسيطرة على مواقع حيوية فيها.

أما سياسياً، فمجلس النواب لزم الصمت، مقابل المجلس الأعلى للدولة الذي أبان عن موقف طالما حاول إخفاؤه، على لسان رئيسه خالد المشري، من خلال نصح الأخير لباشاغا بالاستقالة، والتصريح بأن حكومته محل نزاع. والمشري يقصد هنا نزاعه مع مجلس النواب، الذي يتشاور في الوقت ذاته معه حول إطار دستوري للانتخابات. كما نصح المشري الدبيبة بقبول التغيير.