Skip to main content
درعا تصدّ النظام: المعارضة تحسن أوراقها التفاوضية
عماد كركص
تسعى قوات النظام للسيطرة على الشريط الحدودي مع الأردن (محمد أبازيد/فرانس برس)

ساد الهدوء الحذر، يوم أمس الجمعة، عموم محافظة درعا، جنوبي سورية، باستثناء بعض الاشتباكات المتقطعة، وذلك بعد يوم من الاشتباكات العنيفة التي أرجعت المشهد في سورية إلى وضع سابق كانت فيه المعارك والاشتباكات حدثاً يومياً في عموم البلاد، قبل أن تخف وتيرتها بعد توقيع سلسلة من اتفاقات التسوية في مناطق متفرقة، منها درعا في الجنوب السوري.
ومع فشل قوات الفرقة الرابعة التابعة للنظام، التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، وتتلقى دعماً إيرانياً كبيراً، باقتحام منطقة درعا البلد داخل مدينة درعا، مركز المحافظة، ومن ثم رد المعارضة بهجوم معاكس أزاح قوات النظام عن حوالي 30 نقطة عسكرية وحاجزاً أمنياً في عموم المحافظة، سجّل عناصر المعارضة تفوقاً ضمن معطيات التطورات الأخيرة في درعا، ليعلن النظام تعليق عمليته. كما نجح عناصر المعارضة بأسر نحو 200 عنصر عسكري وأمني من قوات الفرقة الرابعة والمليشيات التي شاركت بمحاولة اقتحام درعا البلد وغيرهم من العناصر المنتشرين على الحواجز في بلدات مختلفة، واغتنام حوالي 400 قطعة سلاح.

مصدر من لجنة درعا: نقبل بانتشار الفيلق الخامس كحل وسط

وشهدت محاور درعا البلد، أمس، اشتباكات متقطعة بين الحين والآخر بين المقاتلين المحليين من جانب، وقوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة لها من جانب آخر، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، الذي لفت إلى أن المفاوضات كانت متواصلة أمس بشأن شروط فك الحصار عن درعا البلد، ولكن من دون التوصل إلى حلول حتى عصر أمس. ووفق "المرصد"، فإن بعض الأسماء المطروحة لترحيلها نحو الشمال السوري ترفض الأمر بشكل قطعي. في سياق متصل، شهدت مدينة الحراك، شرقي درعا، أمس، وقفة احتجاجية تضامناً مع درعا البلد.

وطرح تفوّق المعارضة أسئلة حول ما إذا كان العناصر السابقون في فصائل درعا سيحاولون توسيع نطاق السيطرة الجغرافية في المحافظة بإمكانياتهم التسليحية المحدودة، أم سيكتفون بما أنجزوه لتحسين شروط التفاوض بشأن درعا البلد على طاولة جديدة، بعدما فشلت كل جلسات التفاوض الماضية مع تعنّت النظام وتمسكه بشروطه. وباتت المعارضة اليوم تملك أوراقاً جديدة تعزز موقفها التفاوضي وتدفعها للتمسك بشروطها، بسحب حواجز قوات النظام من درعا البلد وغيرها من البلدات والمواقع، وعدم تسليم السلاح الفردي المتبقي بأيدي العناصر، بالإضافة إلى الحد من تهجير العناصر السابقين في المعارضة مع عائلاتهم نحو الشمال السوري.

وقال مصدر من لجنة درعا البلد، لـ"العربي الجديد"، إنه "كان يتم الاتفاق مساءً مع النظام على التهدئة، ومن ثم تقوم الفرقة الرابعة مع مليشيات إيران بنقض الاتفاق مع ساعات الفجر الأولى وتشن الهجمات وتنفذ عمليات قصف"، مشيراً إلى أنّ "ضباط النظام الذين يتفاوضون معنا قالوا لنا صراحة إنهم لا يملكون تأثيراً على قرار الفرقة الرابعة بإلزامها بأي اتفاق يحدث". وأضاف أن "الفرقة الرابعة ومليشيات إيران تسعى من خلال كل ما تقوم به للسيطرة على الشريط الحدودي مع الأردن، بهدف تنفيذ عمليات تهريب المخدرات بأريحية، بالإضافة إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة بطرق عدة".

وأكد المصدر، أنه "على الرغم من سيطرة قوات المعارضة على حوالي 60 في المائة من درعا وريفها، أول من أمس الخميس، وأسر حوالي 200 عنصر للنظام"، بحسب قوله، "إلا أنّ ذلك ليس الهدف، بمعنى توسيع السيطرة الجغرافية على الأرض، وإنما الهدف كان صد الهجوم كرد فعل على التصعيد في المقام الأول، ومن ثم تحقيق مكاسب لتحسين شروط التفاوض على الطاولة". وأشار إلى أن "الالتفاف والتكاتف من جميع بلدات حوران ودرعا شرقاً وغرباً مع درعا البلد، منحنا نقاط قوة إضافية".

وكشف المصدر أنه "تم الاتفاق بين اللجان الفرعية في درعا على أن تكون جسماً تفاوضياً واحداً لمواجهة التطورات"، وقال: "مطالبنا واضحة، في مقدمتها انسحاب قوات النظام إلى الثكنات العسكرية الخاصة بها، أما مليشيات الفرقة الرابعة، فإننا نطالب بانسحابها من درعا بالكامل وأن تعود إلى دمشق، لأنها سبب بكل ما يحدث من حرب وفوضى أمنية في المنطقة الجنوبية بكاملها. كما أننا لن نوافق على إحداث تهجير قسري، فلا أحد يمكن أن يتخلى عن أرضه، أما من يريد الخروج برغبته، فلا يمكن أن نمنعه". وتابع: "نرفض انتشار حواجز قوات النظام داخل المدن والبلدات، ولكن نقبل بانتشار الفيلق الخامس (المدعوم من روسيا والمُشكل من أبناء درعا، بينهم الكثير من عناصر المعارضة السابقين)، كحل وسطي، فهم يبقون أبناء البلد، ولا يمكن أن يشكلوا تهديداً للأهالي كقوات النظام والمليشيات".

تبدو محافظة درعا بعد أحداث يوم الخميس أمام 3 احتمالات

وعلى الرغم من أن النظام وافق مبدئياً، يوم أمس الجمعة، على إيقاف العملية العسكرية على درعا البلد، بمعنى تعليقها، إلى حين تنفيذ عدد من مطالبه، وفي مقدمتها ترحيل المطلوبين أمنياً نحو الشمال السوري، قبل الجلوس على طاولة تفاوض جديدة لحل الأزمة برمتها، لكن احتمال التوصل لاتفاق يبقى صعب التحقيق من دون ضغوط دولية في هذا الشأن. ومن الواضح أن الحملة العسكرية بما يتخللها من مطالب بسحب السلاح الفردي وترحيل المطلوبين نحو الشمال مع عائلاتهم، إجراء تقف وراءه إيران عبر نفوذ الحرس الثوري الذي يسعى للتمدد أكثر فأكثر في الجنوب السوري، وباتت له هيمنة واضحة وكبيرة على قرار "الفرقة الرابعة" التي يحركها الضباط الإيرانيون بشكل كامل. ومع فشل الروس في تعهداتهم، كرعاة لاتفاقات التسوية في درعا والجنوب، بالحد من الانتشار الإيراني عبر المليشيات، يبقى الاحتمال الذي بات مطروحاً، وتحدث قادة في المعارضة لـ"العربي الجديد" في وقت سابق عنه، بأن تلجأ الولايات المتحدة للضغط على الروس لكي يقوموا بالحد من نفوذ مليشيات إيران في الجنوب، وذلك بتقديم واشنطن دعماً للمعارضة في تلك المنطقة، من دون تحديد شكل هذا الدعم وماهيته.

ويشير متابعون إلى أنّ الولايات المتحدة تسعى لضمان عدم تهجير المزيد من المكوّن السني في الجنوب، خشية إحداث تغيير ديمغرافي لصالح إيران يسمح لها بتشكيل حاضنة شعبية تستطيع من خلالها التحكم المطلق بالجنوب والسيطرة عليه، ما يجعل ذلك ورقة بيد طهران للضغط على إسرائيل. ولهذا يصرّ المفاوضون من جانب النظام على نقل مطلب تهجير عناصر المعارضة مع عائلاتهم عند كل جولة تفاوض، مع التشديد على تطبيقه في المقام الأول، في طريق يؤدي لتحقيق أهداف استراتيجية كبيرة، ستحدث، إذا ما طُبقت، تغيّراً في المعادلات، على الأقل في الجنوب السوري.

تم الاتفاق بين اللجان الفرعية في درعا على أن تكون جسماً تفاوضياً واحداً لمواجهة التطورات

لكن المعارضة، وبعد أحداث أول من أمس الخميس، وأسرها قرابة 200 عنصر عسكري وأمني من قوات النظام والمليشيات، باتت تملك ورقة مهمة ليس فقط للتفاوض عليها في الأزمة الحالية، وإنما للضغط للإفراج عن معتقلين من أبناء درعا لا يزالون في سجون النظام. كما يعد اغتنام قوات المعارضة حوالي 400 قطعة سلاح من حواجز ومفارز ونقاط قوات النظام بعد السيطرة عليها، نقطة قوة بيدها، إذ كان النظام يطالب بتسليم السلاح الفردي، الموجود أساساً بيد عناصر المعارضة، أما اليوم فسيكون التفاوض على استرداد السلاح المغتنم في الاشتباكات الأخيرة بالمقام الأول. ويُعدّ دحر المعارضة لقوات النظام عن كثير من الحواجز والمفارز المنتشرة في بلدات ريف درعا وعلى مداخلها، بالإضافة لصد الهجوم الواسع على درعا البلد، عاملاً يمكن وضعه في الحسبان من قبل قوات النظام، عند التفكير بمزيد من خيارات التصعيد، إذ أثبت العناصر السابقون في المعارضة عدم فقدان لياقتهم كمحاربين على الرغم من عدم خوضهم معارك لثلاث سنوات، وقدرتهم على التعامل مع أي تصعيد عسكري بما يمليه الموقف.

وتبدو محافظة درعا بعد أحداث يوم الخميس أمام ثلاثة احتمالات؛ الأول تحقيق مطالب المعارضة في درعا بسحب حواجز قوات النظام، وعدم تسليم كل الأسلحة، ورفض التهجير القسري، مقابل تسليم الذين أُسروا في الاشتباكات الأخيرة، وربما تنازلات أخرى لا تؤثر على حقيقة التفوق الذي أحدثته المعارضة. الثاني، تمسّك النظام والإيرانيين بشروطهم، والذهاب نحو مزيد من التصعيد، وهذا الخيار سيفتح الباب أمام احتمال تدخل غربي لمنع تمدد مليشيات إيران في الجنوب، من خلال دعم المعارضة. أما الاحتمال الثالث، فهو أن تعود روسيا لتسلم زمام المبادرة كضامنة لاتفاق التسوية، وتطبيق ما كان اتفاقاً روسياً إسرائيلياً أردنياً (ليس علنياً) حول الجنوب، بضبط الوضع بناء على بنود اتفاق التسوية وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، بإبقاء السلاح بأيدي المعارضة وضمان عدم التهجير، بالإضافة لأخذ الدور في تقليص الوجود الإيراني في الجنوب شيئاً فشيئاً.

وكانت المعارضة، عبر لجانها الفرعية والمركزية (شُكّلت من عناصر المعارضة المدنيين والعسكريين في درعا بعد اتفاق التسوية لتقود عمليات التفاوض مع النظام والروس)، قد اتهمت الروس بأنهم وسيط غير نزيه، لا سيما حيال تصعيد النظام أخيراً في المحافظة، إذ وقف الروس مكتوفي الأيدي أمام تجاوزات النظام وخرقه لاتفاقات التسوية. أما اليوم، فبات لدى المعارضة ما يمكنها من الضغط على الروس والنظام معاً، لتحقيق اتفاق مرضٍ، ربما يتضمن شروطاً جديدة.