دخول تركيا طرفاً في اتفاق غزة: تطور غير مرغوب إسرائيلياً
استمع إلى الملخص
- تركيا لم تخفف من تصريحاتها ضد إسرائيل، مما يثير تساؤلات حول دورها المتزايد في غزة، حيث توفر دعماً لوجستياً لحماس، مما يجعلها قادرة على ممارسة ضغوط فعالة.
- الدور التركي يُعتبر نقطة تحول، حيث ساهمت في ضخ مساعدات كبيرة، لكن هذا يثير قلق إسرائيل بسبب تضارب المصالح وقوة تركيا المتزايدة.
حاولت إسرائيل على مدى عامي الحرب إقصاء أردوغان عن المشهد
لعبت أنقرة دوراً مركزياً في المحادثات التي أفضت لاتفاق شرم الشيخ
يثير وجود تركيا في غزة ودورها في المفاوضات تساؤلات لإسرائيل
على مدى عامين من حرب الإبادة على قطاع غزة، منعت إسرائيل تركيا من التدخل وسيطاً في المفاوضات مع حركة حماس، معتمدة وفق ما أورده موقع واينت العبري، اليوم السبت، على مصر وقطر، في محاولة لإقصاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن المشهد. السبب في ما سبق، عائدٌ إلى أن الأخير "دعم حركة حماس"، ووصف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بـ"(الزعيم النازي، أدولف) هتلر"، وكان من بين أوائل الذين اتّهموا إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة. لكن، بما أن لا شيء يبقى على حاله، وبينما لا تزال التفاصيل بشأن استمرار تنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في قطاع غزة، وكذلك المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق، غير واضحة، يبدو أن تركيا استرجعت، وفق الموقع، دورها وسيطاً ومشاركاً مضموناً في القطاع.
وفي هذا الصدد، لفت الموقع إلى أنه بمبادرة من ترامب، لعبت أنقرة دوراً مركزياً في المحادثات التي أفضت إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وحتّى أنه عدّها طرفاً مارس ضغوطاً رجحت كفة الاتفاق في النهاية، الذي شهد توقيع أردوغان عليه في قمة شرم الشيخ الاثنين الماضي، إلى جانب ترامب، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ولن يقتصر دور تركيا عند هذا الحد، إذ ستشارك أيضاً في قوة المهام الدوليّة التي ستساعد في العثور على جثث أسرى إسرائيليين قتلوا خلال احتجازهم في غزة. وأكد ما تقدّم، مسؤول تركي رفيع، صرّح، أمس الجمعة، لوكالة فرانس برس، أن فريقاً مكوّناً من 81 منقذاً ينتظر الضوء الأخضر من تل أبيب لدخول القطاع.
ترامب يثق بأردوغان: "سيعيد النظام"
رغم الدور المتزايد لتركيا في غزة، لم تُخفف أنقرة، ولا سيّما رئيسها أردوغان ووزير خارجيته هاكان فيدان، حتى الآن من تصريحاتهما الهجومية العلنية ضد إسرائيل، حسب الموقع، الذي ذكّر بأنه، يوم الاثنين الماضي، يوم قمة شرم الشيخ، أفادت تقارير تركية بأنه إثر ورود أنباء عن مشاركة نتنياهو في القمة، وقبل الإعلان عن إلغائها، أعلن أردوغان أنه سيلغي مشاركته وسيعود أدراجه إلى بلاده في حال حضر نتنياهو. ووفقاً للتقارير، فإنّ طائرة أردوغان بدّلت مسارها قبل وقت قصير من الهبوط في مصر، ولكن بعدما ألغى نتنياهو مشاركته بذريعة عدم انتهاك قدسية "عيد العرش"، عادت الطائرة إلى مسارها باتجاه شرم الشيخ.
وقبل ذلك، وتحديداً يوم الأحد الماضي، قبل إعادة أولى دفعات الأسرى من غزة، قال أردوغان إن "لإسرائيل تاريخاً طويلاً من خرق الوعود بعد توقيعها اتفاقات وقف إطلاق النار". ويوم الثلاثاء، واصل أردوغان انتقاداته الحادة تجاه إسرائيل، قائلاً إنّه "من الأهمية بمكان أن يُنفذ الاتفاق، وأن تواصل واشنطن ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية في هذه المرحلة". في ضوء ما تقدّم، اعتبر "واينت" أن الوجود التركي في قطاع غزة ودور أنقرة في المفاوضات يثير تساؤلات كثيرة بالنسبة لإسرائيل، خصوصاً أنه "لفترة طويلة، لم ترغب إسرائيل في رؤية أي تدخل تركي في اليوم التالي للحرب على غزة، وعارضت ذلك بحزم"، وفقاً للباحثة الكبيرة في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، غاليا ليندنشتراوس.
ليندنشتراوس المتخصصة في شؤون السياسة الخارجية لتركيا، والنزاعات العرقية، والسياسة الخارجية لأذربيجان، والقضية القبرصية والأكراد، رأت أنه "بسبب ضغوط ترامب، وأيضاً لأنّ العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في ذروتها الآن، نرى أن ترامب يثق بأردوغان ليساعده في "فرض بعض النظام" في الشرق الأوسط"، ورجحت أن اعتماد ترامب على تركيا عائدٌ إلى قدرتها على ممارسة ضغوط على حماس، فإلى جانب قطر، توفر تركيا ملاذاً ودعماً لوجستياً للحركة، ما مكّنها من استخدام هذه الأوراق رافعات ضغط، وفق قولها.
وفي الإطار، أوضحت ليندنشتراوس أن تركيا تُعتبر إحدى العوامل التي ساهمت في إتمام الاتفاق، ما فتح الباب أمام "تدخل أعمق لأنقرة في قطاع غزة، وهو ما كانت تسعى إليه منذ البدايات"، مضيفةً "تركيا تبدي عداءً كبيراً لإسرائيل، سواء بالأفعال أو التصريحات، وبالنسبة لإسرائيل، فإنّ دخول أنقرة طرفاً رئيسياً في إدارة مرحلة اليوم التالي ليس تطوراً مرغوباً"، وفسرت ما سبق بأنه "أحد أثمان الصفقة، وليس أمراً إيجابياً"، مشيرةً إلى أن لدى تركيا خبرة في حفظ السلام، ولديها خبرة في قوات المراقبة، وجيشها يتمتع بقدرات مهنية، ورغم ذلك "إسرائيل لم تكن تريد رؤية تركيا في غزة، فهي تعمل على نحوٍ فعّال لمنع وجودها في جنوب سورية، والسماح لها الآن بالتحرك من خلال موطئ قدم في غزة يتعارض مع المصالح الإسرائيلية"، على حدّ تعبيرها.
دور تركيا... نقطة تحوّل
أمّا زميلها الباحث في المعهد نفسه، رامي دانيال، وهو متخصّص أيضاً في الشؤون التركية، فرأى أن "الدور التركي كان حاسماً في التوصل إلى الاتفاق، بمعزل عن الآراء حوله"، موضحاً أن "تركيا ضخّت في الماضي كميات كبيرة جداً من المساعدات إلى غزة. وفي فترة معينة، كانت الدولة التي قدمت أكبر قدر من الدعم. أردوغان حاول أن يُشكل نموذجاً في معارضته لإسرائيل، ولا توجد دولة ذهبت بعيداً في هذا السياق مثل تركيا، غير أن مسعاه قد فشل"، وبحسبه "هناك دول كانت تكرهنا دائماً، لكن تركيا كانت دولة تربطها علاقات تجارية معنا، ثم ذهبت حدّ المقاطعة، ومع ذلك لم تنجح في خلق موجة تقليد لفعلها، كما أنها لم تنجح في أن تكون الوسيط، إلّا في الأشهر الأخيرة، وليس لأن أردوغان لم يرد ذلك. في نهاية المطاف، ترامب، من أجل أن يُرغم "حماس" على التراجع، فعّل كلاً من تركيا وقطر معاً، وكان ذلك نقطة تحوّل".
وفي السياق، رجّح الباحث أن "حماس كانت بحاجة لأن تدرك أنها وصلت إلى طريق مسدود، وأنه لم يعد لديها مكان تلوذ إليه أو جهة تعتمد عليها. إيران دعمتها عسكرياً، وقطر سياسياً ومالياً، وتركيا سياسياً ولوجستياً. وعندما أدركت أن هذا المثلث لم يعد قائماً، غيّرت موقفها"، على حدّ وصفه. ولذلك، بحسبه "انخراط تركيا في هذا الملف كان محسوماً. والمشكلة بالنسبة لإسرائيل أن لذلك ثمناً. خلال هذا الدور والتعامل مع حماس، لم يغيّر أردوغان من مواقفه، وقد ساعدت تركيا في الوصول إلى المرحلة الأولى من الصفقة، لكنّنا جميعاً نعلم أن التوصل إلى تفاهمات حول المرحلة الثانية، الحل طويل الأمد، سيكون صعباً جداً، لأنّ تركيا لن تلعب فيه دوراً يخدم مصالحنا".
أمّا بخصوص الدور المستقبلي لتركيا في القطاع، فلفت ليندنشتراوس إلى أنه "لا نعرف التفاصيل كافّة حول مدى حجم الانخراط التركي (لاحقاً)، لكن من الجانب التركي نسمع تصريحات مبالغ فيها جداً حول ما هم قادرون على فعله، إذ يقولون إنه إذا دعت الحاجة، يمكن للجنود الأتراك أن يكونوا في غزة. في الوقت الحالي، من الواضح جداً أن تركيا ستكون منخرطة في قوة البحث عن الجثث، أما بقية الأدوار فليست واضحة. تركيا تتحدث عن أنها ستكون مراقباً لضمان احترام وقف إطلاق النار".
وبحسب ليندنشتراوس، كلما تزايد انخراط تركيا وقطر، أصبح من الأصعب تهميش "حماس"، لا سيما وأن هناك تساؤلات لا تزال قائمة بخصوص "اليوم التالي"، ومن سيكون ذلك الطرف الدولي في فترة الانتقال؟ ما هو مصير حماس؟ هل سيجري نزع سلاحها بالكامل أم سيُترك لها جزء منه؟ وهل سيتمكنون من إخراجها من أجهزة الحكم؟". أمّا زميلها دانيال، فلفت إلى أن الأدوار المستقبلية لم توزع بعد، مشيراً إلى أن "خطة ترامب، في نهاية المطاف، بسيطة جداً ومبدئية، ولا يُعرف على وجه التحديد مَن سيفعل ماذا. هل سيكون الجيش التركي منخرطاً؟ أردوغان حَلُمَ بلعب دور في غزة منذ 7 أكتوبر، والآن حصل على هذا الدور، ويبدو أنه سيحاول أن يكون منخرطاً بقدر ما يستطيع، وأن يكون مهماً قدر الإمكان في هذه القضية".
إسرائيل عامل معرقل
ورداً على سؤال ما الذي على إسرائيل فعله، يجيب دانيال أنه "ليست إسرائيل وحدها من لا تريد حماس. فمصر لا تريد حماس. والإماراتيون لا يريدون حماس. وإذا قارنا بين الموقف الإسرائيلي والموقف التركي، بعد تحرير الأسرى وبعد وقف إطلاق النار، فإن معظم دول المنطقة أقرب إلى الموقف الإسرائيلي من الموقف التركي، من حيث نزع سلاح حماس وإقامة حكم بديل في غزة. وهذه هي الطريقة الأفضل للعمل". ووفق قوله، فإن "نقطة ضعف تركيا هي أنها تسير ضد التيارين العالمي والإقليمي. هناك رغبة لدى قادة في الشرق الأوسط للتخلص من حماس، لكنّنا نمر في فترة تركيا فيها قوية بشكل خاص. في الوقت الراهن، وضعها جيّد، لكن في كل الساحات يمكن أن ينقلب اللعب ضدها".
وعلى السؤال ذاته، أجابت ليندنشتراوس، أنه "إذا كان بالإمكان تقليص الانخراط العسكري التركي قدر الإمكان، فهذا أفضل. في موضوع البحث عن الجثث، لا أرى مشكلة كبيرة، لكن حين يكون لتركيا رأي في ما إذا كان وقف إطلاق النار يُحترم أم لا، من الواضح أن تركيا طرف يميل إلى جانب حماس. ثم إن فكرة وجود قوات تركية هناك هي فكرة مقلقة. فماذا سيحدث إذا قامت إسرائيل، عن طريق الخطأ، بإصابة تلك القوات؟ هذا ينطبق على أي قوة دولية، ولكن عندما تكون العلاقات متوترة بهذا الشكل بين إسرائيل وتركيا، ومع وجود زعيم شديد العداء لإسرائيل، فإن الأمر يصبح أكثر إشكالية".
ومع ذلك، بحسب الباحثة، فإنه "في نهاية المطاف، تركيا وقطر لا تريدان رؤية حماس تُباد، بل تسعيان لاستمرار وجودها بطريقة أو بأخرى. لذلك، يوجد هنا تضارب جوهري في المصالح مع المصلحة الإسرائيلية"، وتابعت الباحثة أن تركيا تُعتبر إشكالية لثلاثة أسباب رئيسية؛ أولاً، لأنها بالفعل لاعب قوي في المنطقة، يتحدث ويتصرف بطريقة تُعد إشكالية بالنسبة لإسرائيل. والسبب الثاني هو ضعف إيران، الذي تعزّزت قوّة تركيا مقابله. والسبب الثالث مرتبط بالثاني، وهو ما حدث في سورية. وأوضحت أنه "فجأة، من وضعٍ كانت فيه تركيا مهتمة بشمال سورية وإسرائيل بجنوبها خلال معظم فترة الحرب في دمشق، أصبحت تركيا الآن ذات مصلحة أعمق بكثير في سورية ونظام أحمد الشرع، وتُعتبر إسرائيل طرفاً مُعرقلاً محتملاً. ولهذا نشأ الخط الساخن بين الدولتين لتفادي الحوادث الجوية".
فضلاً عمّا تقدم، أضافت الباحثة أن ثمة "تحريضاً بروح فكرة إسرائيل الكبرى، ومن الصعب معرفة ما إذا كان هذا يأتي من الخارج، لكن يجب القول إنه يتماشى مع نظريات المؤامرة العميقة المتجذرة في تركيا، التي تزعم أن قوى أجنبية تحاول إفشالها على مرّ السنوات، لذلك من الصعب الجزم بأن هذا غير أصيل ويأتي فقط من الخارج (مثل التصريحات التي قالها نتنياهو قبل أسابيع في مقابلة مع قناة آي 24 الإسرائيلية). اليوم، كل تصريح هنا يُضخَّم هناك، والعكس صحيح".