"داعش" 2020: نشاط في البادية السورية وتراجع في العراق

"داعش" 2020: نشاط في البادية السورية وتراجع في العراق

01 يناير 2021
من معركة الباغوز ضد "داعش" في 2019 (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

جملة من الأسباب أدت إلى عودة تمدد "داعش" في الجغرافية السورية

حققت القوات العراقية نجاحاً واضحاً في تتبّع خلايا التنظيم وتفكيكه

مخاوف عراقية من استغلال داعش للأزمة بين الحكومة والمليشيات للعودة

إذا كان 2019 هو عام الإعلان عن القضاء على تنظيم "داعش" في سورية، بعد خسارته معقله الأخير شرقي سورية في بلدة الباغوز في ريف دير الزور، فإن العام 2020 شهد عودة نشاط التنظيم الإرهابي وخلاياه المتفرقة، موجّهاً ضربات للنظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين في عموم البادية السورية، التي تحولت إلى ميدان واسع يتحرك خلاله التنظيم. كما اعتمد "داعش" على خلايا له لتنفيذ عمليات أيضاً في منطقة شرقي نهر الفرات ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في ريف دير الزور الشرقي ومتعاونين معها، إضافة إلى عمليات في مناطق سيطرة المعارضة السورية. وفيما اعتمد "داعش" على ما يُعرف بـ"الذئاب المنفردة" لتنفيذ عمليات في سورية، مع انتشاره على نحو 4000 كيلومتر مربع، مستغلاً انتشاره في مناطق غير مأهولة وطبيعة البادية، وتكيّفه مع المستجدات، مع استغلال التناقضات بين أطراف الصراع المختلفة، فإن الوضع على الجانب الآخر من الحدود، في الأراضي العراقية كان مختلفاً. وكانت القوات العراقية، بغطاء من طيران التحالف الدولي، نجحت في تتبّع خلايا التنظيم وتفكيك الكثير منها والقضاء عليها، مع استخدام خطط جديدة في ملاحقتها، بعيداً عن الحملات العسكرية الكبرى، بالتوازي مع تعاون الأهالي للإبلاغ عن أي نشاط له. وعلى الرغم من ذلك، يبقى الخوف قائماً في العراق من استغلال التنظيم التطورات الأخيرة، والأزمة بين الحكومة والمليشيات الموالية لطهران، للعودة إلى الساحة.

نشاط في سورية
ونشر المرصد السوري لحقوق الإنسان، قبل أيام، إحصائية ترصد بالأرقام نشاط "داعش" في سورية خلال العام 2020، وتبيّن عدد قتلاه وقتلى قوات النظام وأطراف أخرى، خلال عمليات مباغتة نفذتها خلايا التنظيم، أو ما يُعرف بـ"الذئاب المنفردة" التابعة إلى "داعش". وبحسب المرصد، ينتشر التنظيم على نحو 4000 كيلومتر مربع في سورية، انطلاقاً من منطقة جبل أبو رجمين في شمال شرق تدمر وصولاً إلى بادية دير الزور وريفها الغربي، إضافة إلى بادية السخنة، وفي شمال الحدود الإدارية لمحافظة السويداء. غير أن غالبية عمليات التنظيم تركزت في المثلث الإداري لأرياف حلب – حماة - الرقة.


تركزت غالبية عمليات "داعش" في المثلث الإداري لأرياف حلب – حماة – الرقة

ووفقاً لإحصائيات المرصد السوري، قتل "داعش" خلال العام 2020 نحو 780 عنصراً من قوات النظام والمليشيات الموالية لها، عبر كمائن وقصف واشتباكات ضمن البادية، ضمنهم 108 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية، بينما قُتل 507 من مسلحي التنظيم في العمليات ذاتها، وبالقصف الجوي من قبل طيران النظام والروس.

ويضاف إلى قتلى النظام، 37 عنصراً في قواته قتلوا أول من أمس الأربعاء في هجوم استهدف حافلة في محافظة دير الزور كانوا يستقلونها عائدين إلى منازلهم في مأذونية، وفق ما أفاد المرصد السوري، ناسباً الهجوم إلى تنظيم "داعش"، فيما أوردت وكالة أنباء النظام "سانا" أن حافلة تعرضت "لهجوم إرهابي" في دير الزور، ما أسفر عن مقتل "25 مواطناً" وإصابة 13 آخرين. وأشارت الوكالة إلى أن "خلايا إرهابية" من بقايا تنظيم "داعش" تنتشر في المنطقة.

وأحصى المرصد، خلال 2020، أكثر من 480 عملية لخلايا "داعش" ضمن مناطق "قسد"، في دير الزور والحسكة والرقة ومنطقة منبج في ريف حلب غربي نهر الفرات. وتوزعت تلك العمليات بين تفجيرات وكمائن وهجمات، وتسببت بمقتل 208 أشخاص، هم 86 مدنياً، بينهم 10 أطفال و6 نساء، و122 من عناصر "قسد". وشهد العام 2020 نشاطاً للتنظيم في مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية، إذ أعلن مسؤوليته عن اغتيال مسؤول المكاتب العقارية في مدينة الباب شمال شرق حلب في 26 حزيران/يونيو الماضي.

وكان التنظيم قد سيطر خلال عامي 2014 و2015 على نحو نصف مساحة سورية، إذ سيطر على قسم كبير من ريفي حلب الشمالي والشرقي، وكل محافظة الرقة، وجُل محافظة دير الزور، وأكثر من نصف مساحة محافظة الحسكة. كما سيطر على أغلب البادية التي تعادل نحو نصف مساحة سورية، وتتبع إدارياً لمحافظات عدة، منها الرقة ودير الزور وحلب وحماة وحمص وريف دمشق والسويداء. ووصل نفوذ التنظيم إلى داخل العاصمة دمشق، حيث سيطر على بعض أحيائها الجنوبية، إضافة إلى قسم من ريف درعا الغربي في أقصى الجنوب السوري. وعقب صعود دراماتيكي، بدأ التنظيم، في العام 2017، بالتراجع، حيث خسر مساحات كبيرة من مناطق سيطرته، وصولاً إلى مطلع عام 2019، حين خسر معقله الأخير في شرقي سورية، وهو بلدة الباغوز في ريف دير الزور، ليعلن التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، القضاء على التنظيم في شرقي الفرات، قبل أن يعاود "داعش" نشاطه عام 2020، على الرغم من عمليات عدة قامت به "قسد" لاجتثاث خلاياه النائمة.

وفي منتصف العام الحالي، وجّه التنظيم ضربة للجانب الروسي، إذ لقي الجنرال الروسي فياتشيسلاف جلادكيخ مصرعه في ريف دير الزور، بانفجار عبوة ناسفة بدائية الصنع، أثناء مرور موكبه في منطقة تبعد عن مدينة دير الزور نحو 15 كيلومتراً. وأعلن "داعش" مسؤوليته عن قتل الجنرال الروسي، مشيراً، في بيان إعلامي، إلى أن دوريّة للجيش الروسي وقعت في حقل ألغام زرعه مسلحوه شرق مدينة السخنة في بادية حمص، ما أسفر عن مقتل ضابط برتبة لواء وإصابة آخرين. وعقب هذه العملية دفع الروس بعدة مليشيات محلية تابعة لهم، أبرزها "لواء القدس"، لشن عملية حملت اسم "الصحراء البيضاء" لتمشيط البادية السورية.

استفاد التنظيم من ظهور فيروس كورونا لتكثيف عملياته في سورية والعراق

وكانت خلايا تتبع لـ"داعش" قد قطعت، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحالي، طريق الرقة - حمص بالقرب من منطقة أثريا، وقتلت عدداً من سائقي عربات نقل ثقيلة تابعة لمليشيا القاطرجي، التي تتولى نقل الحبوب والمحروقات من مناطق "قسد" في شرقي نهر الفرات إلى مناطق النظام. وبعد هذه العملية حاولت قوات النظام القيام بعملية عسكرية ضد التنظيم في عمق البادية، لتأمين الطرق التي تعبر عليها القوافل التجارية، التي تنقل الحبوب والمحروقات إلى مناطقه. ولا توجد معلومات مؤكدة عن عدد مسلحي التنظيم في البادية السورية، ولكن مصادر محلية تشير إلى أن العدد ربما يصل إلى عدة آلاف، أغلبهم مقاتلون أجانب هربوا من عدة مناطق سورية وعراقية مع تضييق الخناق عليهم خلال عامي 2017 و2018.

أسباب العودة

ورأى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عرابي عبد الحي عرابي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك جملة من الأسباب التي أدت إلى عودة تمدد تنظيم "داعش" في الجغرافية السورية، منها تمركز التنظيم في مناطق غير مأهولة، وتكيّفه مع طبيعة البادية السورية وقدرته على التأقلم مع المستجدات. وقال "يستثمر التنظيم الهوامش التي تنتج عن الحوادث الكبيرة. إذ استفاد من ظهور فيروس كورونا لتكثيف عملياته في سورية والعراق. وعندما اغتيل قاسم سليماني مطلع العام 2020 استفاد من التغييرات التي جرت على تمركز المليشيات الإيرانية في ريف دير الزور الشرقي في أقصى الشرق السوري، ونفذ عدة عمليات ضدها في المناطق الجديدة التي تمركزت بها".
وأوضح عرابي أن التنظيم "ركز عملياته في البادية السورية لأنه وجد أن قوات النظام أضعف بكثير من قسد في منطقة شرقي نهر الفرات والمدعومة من التحالف الدولي"، مضيفاً "لا يمتلك النظام القدرة على مواجهة تمدد داعش". وبيّن أن التنظيم "يعتمد سياسة التصعيد في فترة من الفترات ثم الاختفاء، إذ يهاجم الطرق الرئيسية في البادية التي يعتمد عليها النظام، من خلال الكمائن والعبوات الناسفة. واستنزف أعداءه في البادية السورية بالاستفادة من عمليات وتحركات هؤلاء الأعداء. التنظيم رفع وتيرة العمل الأمني ووضع قيادات جديدة في البادية، وهذا كله أدى إلى تصاعد عملياته".

نجاح عراقي 
على عكس النشاط المتزايد لخلايا "داعش" على الجانب السوري، حققت القوات العراقية المشتركة، وبغطاء واسع من طيران التحالف الدولي، نجاحاً واضحاً في تتبّع خلايا التنظيم وتفكيكها، وتشتيت جهودها في إعادة ترتيب ما يعرف بـ"التواصل الخيطي" بين الخلايا المتناثرة شمال وغربي البلاد، من خلال تأمين التواصل بين قيادات التنظيم الجديدة من جهة، وبين أمراء أو مسؤولي الخلايا الإرهابية من جهة أخرى، بشكل غير مباشر لتسلم التعليمات وتنسيق الهجمات. وكان هذا الأمر معمولاً به من قبل التنظيم بين 2012 وحتى منتصف 2014 قبل اجتياحه البلاد، قادماً من الأراضي السورية، وسيطرته على أكثر من 40 في المائة من مساحة العراق.

ويتحدث مسؤولون عراقيون في بغداد عن نجاح كبير لقوات الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب، خلال الربع الأخير من العام 2020، في تفكيك 8 خلايا كبيرة لـ"داعش"، وقتل عدد من قيادات وعناصر التنظيم، خلال مواجهات مسلحة، أو كمائن وهجمات، نُفذت أغلبها في الجزء الشمالي والشمالي الغربي من العراق، في إشارة إلى بادية نينوى وكركوك وصلاح الدين.
وقال جنرال عراقي رفيع المستوى في بغداد، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن العمل في تتبّع بقايا "داعش" شهد تطوراً كبيراً خلال الأشهر القليلة الأخيرة، بالتزامن مع زيادة الدعم الجوي الأميركي، ضمن التحالف الدولي، لجهود وتحركات القوات العراقية. وأضاف أن مرحلة إطلاق الحملات العسكرية الضخمة، التي يتم تحشيد آلاف الجنود لها، وإطلاقهم بالصحراء والمناطق الجبلية بحثاً عن مسلحي "داعش"، انتهت، لأنها أثبتت فشلها استخبارياً وعسكرياً، وقد أنهكت موازنة الدفاع، إذ كانت كل حملة تكلف الدولة ما بين مليون  و2.5 مليون دولار، وتشارك مختلف الصنوف العسكرية بها، ويتم نقل معدات وقوافل جنود قبل أيام للمنطقة المراد استهدافها بشكل يسمح بفرار مسلحي التنظيم، أو أخذه احتياطات مسبقة.

ولفت إلى أن أسلوب المباغتة، وجمع المعلومات، وتتبّع العناصر المشتبه بها، ثم اعتماد المراقبة الجوية في الطائرات المسيّرة، أثبت نجاحاً كبيراً في مهمة قتال بقايا تنظيم. وهنا يكمن دور التحالف الدولي في الرصد والمتابعة للتحركات، خصوصاً في صحراء غرب العراق وبادية الحضر وجزيرة الموصل وجبال حمرين ومناطق الخازر وقره جوغ، وصولاً إلى جنوب تكريت وجزيرة الثرثار في سامراء، عدا عن الحدود الدولية مع سورية. وأقر، في الوقت نفسه، "بوجود جانب آخر من المعادلة يتعلق بعناصر الفصائل المسلحة ضمن الحشد الشعبي، التي تحاول إبقاء موضوع داعش وهجماته لغايات لها جوانب سياسية، وأخرى تتعلق بمصالح خاصة بها، خصوصاً في ديالى وصلاح الدين وغرب الأنبار وجنوب غرب الموصل".

التنظيم فَقَد حاضنته الشعبية، وبات سكان المدن الشمالية والغربية من العراق أول من يتربص بأي معلومة حول نشاط إرهابي للإبلاغ عنها

والأسبوع الماضي، أعلن المتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، اللواء يحيى رسول، مقتل قيادي بارز في "داعش"، خلال عملية نفذت في وادي الشاي ضمن محافظة كركوك شمالي البلاد. وبحسب بيان رسمي فإن وحدات جهاز مكافحة الإرهاب، قتلت القيادي في التنظيم "شعلان"، الذي يشغل منصب معاون والي العراق في التنظيم. وجاء البيان بعد يوم واحد من بيان مماثل، أعلنت فيه وزارة الدفاع العراقية مقتل 12 عنصراً من مسلحي التنظيم، خلال عملية في منطقة بادوش غرب الموصل شارك بها طيران أميركي.

في السياق، أكد العقيد أحمد اللامي من قيادة قوات الفرقة الأولى في الجيش العراقي المنتشرة غربي الأنبار، أن صفحة سيطرة "داعش" على مدن أو بلدات أو حتى قرى ذات شارع واحد، باتت من الماضي ولا يمكن أن تعود. وأضاف اللامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عمل الجيش حالياً هو تتبّع بقايا التنظيم التي تحاول أن تفجر عبوة هنا أو تقتل مدنياً أعزل بمزاعم تكفيره، أو عنصر أمن عائد لمنزله في إجازة، وهذا أكثر ما يمكنها فعله، ومع ذلك الكثير من العمليات الإرهابية التي نفذتها هذه الخلايا تم اعتقال المسؤولين عنها بعد أيام أو قتلهم. وأضاف "هناك حرفية بالعمل أكثر من السابق، والأهم من ذلك كله أن التنظيم فَقَد حاضنته الشعبية، وحالياً بات سكان المدن الشمالية والغربية من العراق أول من يتربص بأي معلومة حول نشاط إرهابي للإبلاغ عنها، كونهم أكثر من اكتوى بنار إرهابه". وعن الوضع في سورية، قال اللامي إن التنظيم يستغل المتناقضات الكثيرة في التحرك بين "قسد" والروس والأميركيين والمليشيات الموالية لإيران، للعمل في مناطق شمال وشمال شرقي سورية، لهذا يبقى الخطر الأول والأخير هو الحدود، لافتاً إلى أن حكومة مصطفى الكاظمي زادت مخصصات تمويل مشاريع تأمينها بخنادق وكاميرات مراقبة وبناء مراصد وأبراج مراقبة.

وحول ذلك، قال الباحث في الشأن العراقي أحمد النعيمي إنه على الرغم من النجاح المتحقق في الفترة الأخيرة باحتواء التنظيم، هناك خوف من أن تؤثر الأزمة الحالية بين الحكومة والجماعات الموالية لإيران على المعادلة الأمنية. وأضاف النعيمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك أكثر من طرف له مصلحة بعودة هجمات داعش المؤثرة. أولها الطرف الفصائلي أو المليشياوي الحليف لإيران، فوجوده في المدن المحررة، الذي تحول جزء منه للتربح والتجارة وتحصيل الأموال، مرهون بخطر داعش، وزوال هذا الخطر أو تلاشيه يعني أنه لا حجة أمام هذه المليشيات للبقاء في تلك المدن. لذا لمسنا هجمات إرهابية مع كل دعوات تطلقها تلك المدن للمطالبة بإخراج المليشيات والاكتفاء بالجيش والشرطة". ولفت إلى "تراجع خطر التنظيم نهاية هذا العام، على عكس ما كان عليه في منتصفه مثلاً، لكن يبقى غير مضمون عدم عودة الهجمات الإرهابية، لأن أطرافاً سياسية نجحت في ربط الملف الأمني بالسياسي، وهذا ما يمكن اعتباره تلاعباً جديداً بحياة العراقيين".

المساهمون