استمع إلى الملخص
- رفضت حركتا حماس وفتح خطط ترامب، داعين لتضافر الجهود الوطنية والدولية لمواجهتها، واقترحوا تنفيذ القرار الأممي 194 كحل للفلسطينيين اللاجئين.
- يرى هاني المصري أن تصريحات ترامب تتطلب برنامج عمل وطني فلسطيني مشترك، محذراً من تأثيرها السلبي على اتفاق وقف إطلاق النار، وداعياً للتعاون مع دول عربية للتصدي لها.
أحدثت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضجة كبيرة في الأوساط الفلسطينية والعربية والإسلامية، بعد حديثه الواضح عن رغبته في السيطرة على قطاع غزة. وتحدث ترامب، خلال لقائه مع نتنياهو مساء أول من أمس الثلاثاء، بشكل واضح عن تهجير الفلسطينيين من القطاع ونقلهم إلى عدة دول، بالإضافة إلى أن خطط ترامب بشأن غزة ستؤدي إلى سيطرة أميركا بشكل كامل على القطاع، في تأكيد على تصريحاته السابقة بشأن التهجير، والتي حظيت برفض فلسطيني وإقليمي واسع، لا سيما من قبل مصر والأردن. وتتقاطع خطط ترامب بشأن غزة مع رؤية اليمين الإسرائيلي وتيارات القومية الدينية المتطرفة التي ترغب في تهجير أهالي القطاع والفلسطينيين عموماً وتعزيز الاستيطان في غزة، والضفة والقدس المحتلتين. وتحظى هذه الرؤية بتأييد من قبل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن عفير اللذين يناديان منذ بداية الحرب على غزة بضرورة عودة الاستيطان في القطاع وترحيل أهله.
تأثير خطط ترامب بشأن غزة على وقف النار
ويخشى من أن تكون لهذه التصريحات تداعيات على حالة وقف إطلاق النار الهشة في غزة، في ظل التلكؤ الإسرائيلي في إدخال المساعدات الإغاثية وتنفيذ البروتوكول الإنساني الذي تم الاتفاق عليه خلال المرحلة الأولى للاتفاق. ويبدو مصير المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مجهولاً في ظل الرؤية الأميركية الحالية، حيث من المؤكد أن حركة حماس وفصائل المقاومة عموماً ترفض أي حديث عن تهجير طوعي أو قسري للفلسطينيين. علاوة على ذلك فإن موقف السلطة الفلسطينية وحركة فتح لا يبدو بعيداً عن موقف حركة حماس والفصائل المتحالفة معها، فضلاً عن الموقف العربي الذي يرفض بشكل قطعي خطط ترامب بشأن غزة والتي ستؤدي لتهجير الفلسطينيين باتجاه هذه الدول.
جهاد طه: خطط ترامب تعطي الشرعية للاحتلال في عدوانه المدمر على قطاع غزة
أما داخلياً، فلا تمتلك الفصائل الفلسطينية بشكل عام أي رؤية سياسية للوصول إلى اتفاق مشترك في ما بينها حول برنامج عمل سياسي يتصدى لخطط ترامب بشأن غزة والتي تقضي بتهجير الفلسطينيين إلى خارج القطاع. وكان التهجير مطروحاً منذ الأيام الأولى للحرب على القطاع التي استمرت 471 يوماً، غير أن الاحتلال فشل في تنفيذه بالقوة العسكرية، فيما يرغب نتنياهو وترامب حالياً بتنفيذه بالمشاريع والأدوات السياسية الناعمة. ويعول الفلسطينيون على صمودهم وبقائهم في أرضهم للتصدي لخطط ترامب بشأن غزة، غير أن ذلك يصطدم بحالة الدمار التي يستخدمها ترامب للتلويح لمشروعه الجديد بذريعة أن القطاع تحول لمنطقة جغرافية للهدم فقط. ويقول الناطق باسم حركة حماس جهاد طه إن خطط ترامب بشأن غزة تأتي في سياق صفقة القرن ومشاريع ومخططات تهجيرية تسعى إليها الإدارة الأميركية تستهدف الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة والضفة الغربية.
ويضيف طه، في حديث لـ"العربي الجديد" تعليقاً على خطط ترامب بشأن غزة، أن الشعب الفلسطيني بكل مكوناته الوطنية والإسلامية والجماهيرية يرفض هذه التصريحات ويعتبروها انحيازاً واضحاً للاحتلال. ويشير إلى أن هذه التصريحات تعطي الشرعية للاحتلال في عدوانه المدمر على قطاع غزة، مشدداً على أن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه وحقوقه ولن يستطيع أحد أن يفرض إملاءاته عليه وسيكون مصير هذه المشاريع الفشل والسقوط. ويؤكد طه ضرورة تضافر كافة الجهود على المستوى الوطني الفلسطيني لمواجهة هذه المشاريع، كما بات مطلوباً من المجتمع الدولي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي التحرك العاجل واحترام إرادة الشعب الفلسطيني وتطلعاته في العيش بكرامة على أرضه ووقف سياسة ارتكاب الجرائم والمجازر بحقه وتعزيز صموده ومعالجة آثار العدوان على قطاع غزة.
فتح: القطاع جزء من الدولة الفلسطينية
إلى ذلك، يؤكد الناطق باسم حركة فتح منذر الحايك رفض حركته القاطع السيطرة الأميركية على القطاع، مشدداً على أن القطاع جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، ومن سيحكمها هم الفلسطينيون والقيادة التي سيختارها الشعب الفلسطيني بنفسه. ويقول الحايك، لـ"العربي الجديد"، إن حركته تقترح على ترامب تنفيذ القرار الأممي 194 (الصادر في العام 1948)، الذي ينص على عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها عام 1948، وهو ما سيشكل حلاً للفلسطينيين اللاجئين من القطاع عبر عودتهم لأراضيهم. ويضيف أن هذه التصريحات والخطط مرفوضة بشكل كامل، وهي ستفشل كما فشلت الخطط على مدار سنوات وعقود في تهجير الفلسطينيين من أرضهم إلى خارجها، سواء إلى الدول العربية أو غيرها. ويلفت الحايك إلى أن الحل الوحيد هو المسار السياسي الواضح عبر قرارات الشرعية الدولية، خاصة القرارات التي تخص القضية الفلسطينية، إلى جانب المبادرة العربية التي أطلقت عام 2002، والتي تنص على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1976 بما فيها القدس.
أحمد الطناني: خطط ترامب تتماهى مع رؤية التيار الديني القومي في دولة الاحتلال
من جانبه، يرى مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني أن خطط ترامب بشأن غزة تتماهى وتتفق مع رؤية التيار الديني القومي في دولة الاحتلال الذي يريد تنفيذ التهجير وإعادة الاستيطان. ويقول الطناني، لـ"العربي الجديد"، إن ترامب تبنى بشكل كامل رؤى اليمين الديني في إسرائيل، وهي إعادة تجديد لمخططات التهجير الإسرائيلي، والتي تقضي في جوهرها بنقل الفلسطينيين من كامل الأراضي الموجودين فيها من أجل إتمام الوجود الإسرائيلي على كامل مساحة فلسطين التاريخية. ويوضح أن ما يجري يمثل سابقة في إطار الدعم الأميركي للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يتطلب فلسطينياً الاتفاق على مشروع مواجهة شاملة، حيث إن الاستهداف لا يقتصر على القطاع فقط بل يشمل كامل القضية الفلسطينية.
ويشير الطناني إلى أن هذا المشروع يتجاوز حتى مشروع صفقة القرن التي سبق أن طرحها ترامب في ولايته الأولى عام 2017، ويذهب بعيداً في رؤيته لتصفية كامل القضية الفلسطينية عبر تهجير الفلسطينيين للخارج وإنهاء وجود الشعب الفلسطيني باعتباره تجمعاً سكانياً وكينونة. ويلفت الطناني إلى ضرورة الاتفاق فلسطينياً على المواجهة الشعبية الواسعة والمواجهة السياسية والدبلوماسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن المطلوب إجراء أوسع عملية توافق عربي، حيث إن الأمر سيدفع ثمنه كل العرب، إذ إن الطموح الإسرائيلي يشمل أجزاء من مصر والأردن، وقد يصل لأجزاء من شبه الجزيرة العربية. ويؤكد الطناني أن الرئيس الأميركي يتعامل مع الملفات وفقاً للصفقات الرابحة وبأسلوب "رجال الأعمال"، وبالتالي إذا علم أن المصالح الأميركية ستكون في خطر بفعل هذا المشروع فإن ذلك سيساهم في إفشال كامل المخططات، شرط التوافق فلسطينياً وعربياً.
ترامب يتجاوز صفقة القرن
من جهته، يعتقد مدير مركز مسارات للأبحاث والدراسات هاني المصري أن ترامب تجاوز في تصريحاته رؤيته السابقة التي طرحها عام 2017، والتي عرفت حينها باسم صفقة القرن، وبات يتماشى مع رؤية سموتريتش وبن غفير. ويقول المصري، لـ"العربي الجديد"، إن المطلوب هو برنامج عمل وطني فلسطيني مشترك، ولو بالحد الأدنى من التوافق بين حركتي فتح وحماس، يؤدي لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ويقطع الطريق أمام مشروع ترامب. ويلفت إلى أن مشاريع التهجير والتوطين لا تعتبر الأولى، غير أن الخطورة تكمن في الظروف الحالية، وهو أمر يتطلب العمل مع دول مثل مصر والأردن والسعودية للتصدي لهذه المشاريع خلال الفترة الحالية. ويرجح المصري أن تنعكس خطط ترامب بشأن غزة بشكل سلبي على المرحلتين الثانية والثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار، لا سيما ما يتمثل في إعادة الإعمار ومحاولة الربط بينها وبين نقل السكان إلى خارج القطاع. ويشير إلى أن التصريحات الأخيرة بمثابة ضوء أخضر من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية واستكمال حرب الإبادة على القطاع، حتى مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. ويلفت المصري إلى أن مشروع التهجير لا يقتصر على سكان القطاع، بل قد يمس وجود السلطة الفلسطينية نفسها، ويدفع نحو انهيارها بالكامل في الضفة الغربية المحتلة، حيث بات واضحاً أن ترامب في حقبته الثانية أسوأ مما كان عليه في نسخته الأولى في الحكم.