خيارات "آسيان" في ظل التنافس بين الولايات المتحدة والصين

21 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 22 أغسطس 2025 - 05:57 (توقيت القدس)
اجتماع لـ"آسيان" في جاكرتا، 29 يوليو 2025 (ياسويوشي تشيبا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحتفل آسيان بذكرى تأسيسها الـ58 وسط تحديات ناتجة عن الاستقطاب بين الصين والولايات المتحدة، مما يضعها في موقف حرج بين الانحياز للأمن الأمريكي أو الانفتاح على الصين اقتصاديًا.
- تلعب آسيان دور الوسيط المحايد بين القوى العظمى، حيث يمكنها تشجيع تبني قوانين مشتركة لضمان الأمن المتبادل، مما يعزز دورها الدبلوماسي.
- تواجه آسيان تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، حيث تسعى الصين لتعزيز علاقاتها التجارية بينما تفرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية، وتثير الصين توترات في بحر الصين الجنوبي.

احتفلت رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في 8 أغسطس/آب الحالي بالذكرى 58 لتأسيسها، غير أن هذه المناسبة تحل في وقت تعيش فيه الرابطة لحظةً فاصلةً في ظل حالة الاستقطاب الشديد بين الصين والولايات المتحدة، إذ يجد قادة دول جنوب شرق آسيا أنفسهم أمام خيارات صعبة لعلها تنحسر في الانضواء تحت المظلة الأمنية الأميركية، أو الانفتاح على الصين قوةً اقتصادية لا يمكن تجاوزها في المنطقة.

تأسست رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في 8 أغسطس 1967 في بانكوك التايلاندية، بتوقيع إعلان "آسيان" من قِبل إندونيسيا وماليزيا والفيليبين وسنغافورة وتايلاند. ومنذ ذلك الحين، توسعت عضويتها لتضم أيضاً بروناي وميانمار وكمبوديا ولاوس وفيتنام. وتشمل أهدافها تسريع النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتنمية الثقافية لدولها الأعضاء، وحماية السلام والاستقرار الإقليميين.

وفي تعليقها على التحديات التي تواجهها الرابطة، قالت صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست الصينية أمس الأربعاء، إن النظام العالمي القائم على القواعد يُشبه طريقاً سريعاً تحت ضغط شديد، لا سيما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تُعتبر ربما أكثر نقاط التقاء الطرق السريعة ازدحاماً بين الولايات المتحدة والصين، ورابطة آسيان تقع في قلب هذا التقاطع. وبحسب الصحيفة الحكومية، تعتمد سلامة الطريق السريع على سلامته الهيكلية، كما تعتمد سلامة المناطق الواقعة على طوله على التزام القوى العظمى بقواعد الطريق. ومع ذلك، لم تعد هناك قواعد موحدة، فقوانين المرور في الشؤون الدولية تحمل الآن تفسيرات متعددة ومتباينة.

وأضافت الصحيفة الصينية: تصرّ الولايات المتحدة والصين بشكل متزايد على الالتزام بنظام قائم على القواعد وفقاً لشروطهما ومصالحهما الخاصة، وبالتالي يجب التوفيق بين التفسيرات لضمان انسيابية حركة المرور الدولية بأمان وسلاسة. وتابعت: استناداً إلى هذا الواقع يمكن لرابطة آسيان تشجيع الجانبين على اعتماد قانون مشترك لضمان الأمن المتبادل. وبالطبع، لا تُعدّ الرابطة شرطياً عالمياً. ولكن بما أنها لا تُشكّل أي تهديد اقتصادي أو سياسي أو عسكري للولايات المتحدة أو الصين، أو لأي جهة أخرى، فإنها قادرة على العمل بمثابة وسيط غير رسمي ومحايد بين القوتين العظميين. وأشارت الصحيفة إلى أنه ينبغي أن يكون هذا هو الهدف الدبلوماسي لرابطة آسيان في هذه المرحلة الحرجة.

آسيان بين واشنطن وبكين

وعن ذلك، قال الباحث الزميل في جامعة آسيا (تايوان) جو فانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه ليس من مصلحة رابطة آسيان المفاضلة بين قوتين اقتصاديتين وعسكريتين عظيمتين بحجم الولايات المتحدة والصين، في حين أنه يمكن أن تلعب دور الوساطة في تقريب وجهات النظر وسد الثغرات بينهما، بما يضمن مصالح الرابطة واستقرارها الأمني والاقتصادي. وأضاف أن هناك مؤشرات على لعب هذا الدور خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية والتي شهدت حالة من عدم اليقين بشأن سياسته الخارجية تجاه المنطقة.

ولفت جو فانغ إلى أن القمة المقبلة لرابطة آسيان التي ستعقد في كوالالمبور في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، قد تشهد اللقاء الأول بين الرئيس الصيني شي جين بينغ وترامب منذ إعادة انتخاب الأخير في مطلع العام الحالي، إذ وُجّهت دعوات للزعيمين الأميركي والصيني من أجل حضور القمة. وأضاف أن عقد اللقاء الأول بينهما في جنوب شرق آسيا، سيحمل الكثير من الدلالات وسوف يخدم الرابطة في اتباع نهج أكثر توازناً في مقاربة العلاقات بين بكين وواشنطن.

جو فانغ: ليس من مصلحة رابطة آسيان المفاضلة بين قوتين اقتصاديتين وعسكريتين عظيمتين بحجم الولايات المتحدة والصين

وكان رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، قد كشف في وقت سابق من الشهر الحالي، أن الرئيس الصيني من المتوقع أن يحضر قمة رابطة آسيان، وهو ما قد يحوّل المحادثات السنوية إلى منصة لاجتماع هام بين زعيمي أكبر قوتين عظميين في العالم. وقال إن القمة السنوية لرابطة آسيان ستشهد هذا العام التجمع الأبرز لزعماء العالم، حيث من المتوقع أن يحضرها أيضا رئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا.

خلافات ونزاعات

من جهته، قال الباحث في معهد جيانغ شي للدراسات السياسية لين وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه في الوقت الذي تبني فيه الولايات المتحدة جدراناً من العزلة عبر فرض رسوم جمركية على معظم دول العالم بما في ذلك الحلفاء، تمد الصين جسوراً من الصداقة إلى دول جنوب شرق آسيا، رغم الخلافات والنزاعات بينهما في العديد من الملفات. واعتبر أن هذا يعطي بكين أولوية في تقييم العلاقات والمفاضلة مع واشنطن. وأضاف أن الصين سارعت إلى المضي قدما في تحديث اتفاقية التجارة الحرة بينها وبين دول جنوب شرق آسيا، لافتاً إلى أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أعلن في يوليو/تموز الماضي، أن الجانبين سيقدمان النسخة الثالثة من اتفاقية التجارة الحرة للموافقة عليها في أكتوبر المقبل. وقال إن ذلك يشير هذا إلى سعي الطرفين إلى ضمان تدفقات التجارة في ظل تجدد الحمائية الأميركية، معتبراً أن تحديث الاتفاقية يُتيح لدول آسيان فرصة لتعميق التكامل الإقليمي وتعزيز سلاسل التوريد في ظل تزايد حالة عدم اليقين الجيوسياسي.

لين وي: في الوقت الذي تبني فيه الولايات المتحدة جدراناً من العزلة عبر فرض رسوم جمركية، تمد الصين جسوراً من الصداقة إلى دول جنوب شرق آسيا

يشار إلى أن بكين كانت قد أثارت حفيظة دول جنوب شرق آسيا بسبب تأكيدها على ملكيتها معظم الممر المائي الاستراتيجي في بحر الصين الجنوبي على الرغم من حكم دولي صدر في عام 2016 يفيد بأن هذا الادعاء لا أساس قانونياً له. ووضع هذا الأمر الصين في منافسة مع بروناي وماليزيا والفيليبين وتايوان وفيتنام، التي لها مطالبات جزئية في المناطق المتنازع عليها. وفي السنوات الأخيرة، شهدت بكين ومانيلا تصعيداً في المواجهات، بما في ذلك حوادث الاصطدام بالقوارب وإطلاق سفن خفر السواحل الصينية مدافع المياه على نظيرتها الفيليبينية، وأثارت هذه الاشتباكات مخاوف من أنها قد تجر الولايات المتحدة، حليفة مانيلا الأمنية منذ فترة طويلة، إلى صدام مسلح مع الصين.