خلاف أربيل مع حزب العمال الكردستاني يطاول "الإدارة الذاتية" في سورية

خلاف أربيل مع حزب العمال الكردستاني يطاول "الإدارة الذاتية" في سورية

23 يونيو 2021
اتخذ إقليم كردستان إجراءات مشدّدة في معبر سيمالكا (فرانس برس)
+ الخط -

تتجه العلاقة بين "الإدارة الذاتية" ذات الصبغة الكردية في الشمال الشرقي من سورية وبين إقليم كردستان العراق إلى توتر سياسي، ربما يهزّ تفاهمهما المستمر منذ سنوات عدة على مختلف الصعد، خصوصاً في الشق الاقتصادي، حيث يعد الإقليم البوابة الرئيسية لما بات يُعرف بـ"منطقة شرقي الفرات" التي تقع جلها تحت السيطرة الكردية. وفي آخر المحطات الخلافية، اتهمت إدارة معبر سيمالكا، الذي تديره "الإدارة الذاتية" مع الجانب العراقي، إدارة معبر فيشخابور المقابل في إقليم كردستان العراق بـ"اتخاذ قرارات منافية للأخلاق وحسن الجوار"، حسبما ذكر بيان صادر عنها، أول من أمس الإثنين. ودعت إدارة معبر سيمالكا سلطات معبر فيشخابور للتراجع عن هذه القرارات التعسفية، مطالبة المسؤولين في إقليم كردستان بالتدخل "لوقف هذه التصرفات والقرارات التعجيزية".

ويطالب معبر فيشخابور بإرسال استمارة تحتوي على جميع معلومات المسافرين، بحسب إدارة معبر سيمالكا، التي تعتبر أن هذه الإجراءات أجبرت المسافرين من المرضى على الانتظار أكثر من أربعة أيام، فضلاً عن رفض قبول الحالات الإسعافية التي كانت تدخل سابقاً إلى إقليم كردستان. وتوترت العلاقة بين "الإدارة الذاتية" التي يقودها حزب "الاتحاد الديمقراطي" والإقليم منذ عدة أيام، عقب اعتقال الأخير قياديين من "الاتحاد الديمقراطي" في مدينة أربيل، عاصمة كردستان. وذكرت "دائرة العلاقات الخارجية" في "الإدارة الذاتية"، أمس الثلاثاء، أن مصير المعتقلين لا يزال مجهولاً، مؤكدة أنه ليست هناك مسوّغات قانونية لاعتقالهم. ولا يمكن عزل ما يجري بين "الإدارة الذاتية" وقيادة الإقليم عن التجاذبات السياسية التي تضرب المشهد الكردي برمته، في سورية وتركيا والعراق.


أججت الاعتقالات الأخيرة لقياديين في "الاتحاد الديمقراطي" التوترات

وحول هذه التوترات، يشرح الكاتب الكردي شفان إبراهيم، في حديث مع "العربي الجديد"، أوجه الخلاف بين حزب "الاتحاد الديمقراطي" والحزب "الديمقراطي الكردستاني"، ويشير إلى أنها "تتمحور حول النظام السياسي في هذه المنطقة والموقف من شكل الحكم وشكل الدولة، والحقوق القومية للشعب الكردي وقضية المعتقلين وقضية المناهج والعقد الاجتماعي". ويكشف أن "المجلس الوطني الكردي يريد شراكة عسكرية في شمال شرقي سورية، من خلال إدخال البشمركة السورية إلى المنطقة من إقليم كردستان العراق"، مشدّداً على أنه "لا يجوز أن ينفرد أي طرف بقرار السلم والحرب".

وفي السياق، يُلقي حزب "الاتحاد الديمقراطي" المسؤولية كلها على الجانب التركي في الاضطرابات التي تضرب المشهد الكردي في سورية. وتشير المتحدثة باسم الحزب سما بكداش، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "أن الدولة التركية هدفها القضاء على المكتسبات الكردية وتطبيق مخططاتها التوسعية". وتتهم بكداش الجانب التركي بالسعي إلى "حصول اقتتال بين الأكراد أنفسهم"، مضيفة أن الشعب الكردي واحد قُسّم بين أربع دول، وحصول حل للقضية الكردية في أي جزء سيكون له أثر على الأجزاء الأخرى، لذلك تحاول الدولة التركية القضاء على المشروع الديمقراطي الذي تم تحقيقه في روج أفا (التسمية الكردية لشمال شرقي سورية).

وحول الحوار الكردي ـ الكردي الذي توقف بين أحزاب "الإدارة الذاتية" و"المجلس الوطني الكردي"، تلفت بكداش إلى أنه "ليس هناك موعد محدد للعودة إلى طاولة الحوار"، مؤكدة أن حزبها "يشجع الحوار، ونحن جاهزون لاستئنافه، والكرة الآن في ملعب المجلس الوطني الكردي". وتشير إلى أن على المجلس تبيان موقفه من استئناف الحوار، معتبرة أن "موقفنا واضح منذ سبعة أشهر وطالبنا بالعودة للحوار. ولكن حتى الآن ليس هناك اجتماعات مشتركة بين الوفدين، ونأمل في أن يُستَأنَف الحوار من جديد وننهي النقاط الباقية التي يجب أن يتم الاتفاق عليها".

وكان "المجلس الوطني الكردي" المنضوي في "الائتلاف الوطني السوري"، قد طالب بـ"فكّ الارتباط بين الإدارة وحزب العمال الكردستاني، وتعديل العقد الاجتماعي، وإلغاء التجنيد الإجباري مع دخول البشمركة السورية إلى الشمال الشرقي من سورية، للتوصل إلى اتفاق مع حزب الاتحاد الديمقراطي". ودعا إلى معالجة "الوضع التعليمي وإيجاد حلّ عملي يضمن مستقبل الطلاب بشهادات معترف بها، وإدخال التعليم باللغة الكردية بشكل يناسب ذلك، وحسم مصير المعتقلين والمختطفين".

إلى ذلك، تبذل الولايات المتحدة وفرنسا جهوداً من أجل التوصل لاتفاق بين أحزاب "الإدارة الذاتية" وأحزاب "المجلس الوطني الكردي" في شمال شرقي سورية، يؤدي إلى تشكيل مرجعية سياسية واحدة للأكراد السوريين. وفي هذا الصدد، زار وفد فرنسي مقرّ "المجلس الوطني" في مدينة القامشلي، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، أول من أمس الإثنين. وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الوفد الفرنسي أكد دعم باريس لهذا الحوار، وتجاوز النقاط الخلافية بين أكبر كيانين سياسيين في المشهد الكردي السوري.

ويدعم إقليم كردستان العراق أحزاباً كردية سورية، أبرزها الحزب "الديمقراطي الكردستاني" ـ فرع سورية، بينما يُنظر إلى حزب "الاتحاد الديمقراطي" على أنه نسخة سورية من حزب "العمال الكردستاني"، الذي تشوب علاقته بالإقليم تعقيدات عدة. وتربط إقليم كردستان العراق بالجانب التركي، الذي يعدّ حزب "العمال" تهديداً لأمنه القومي، علاقة تُوصف بـ"المتميزة" على مختلف الصعد. ولقي خمسة عناصر من قوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان مصرعهم وأصيب أربعة آخرون، في 5 يونيو/ حزيران الحالي، إثر قصف استهدف نقطة أمنية بمحافظة دهوك، واتُهم حزب "العمال" بالوقوف وراءه. وعقب الحادث، ألغت "الإدارة الذاتية" ترخيص فضائية "كردستان 24"، التي تبث من إقليم كردستان العراق، بحجة نشر خطاب الكراهية وتأجيج الفتنة والحض على الاقتتال الكردي ـ الكردي.


لا عودة محددة للحوار الكردي ـ الكردي في الأفق

ويتنافس حزبا "الاتحاد الديمقراطي" و"الديمقراطي الكردستاني" على قيادة المشهد الكردي السوري، ولا يزالان أسيري الفشل في ردم هوّة الخلاف بينهما، رغم خوضهما جولات حوارية عدة خلال العام الماضي، تحت رعاية مباشرة من وزارة الخارجية الأميركية. ويعد الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، وهو أبرز مكونات "المجلس الوطني الكردي"، من أقدم الأحزاب الكردية السورية، بسبب تأسيسه عام 1957، ولكنه شهد انشقاقات بعد ذلك. وفي عام 2014 أعيد تأسيسه في أربيل، بعد اندماج أربعة أحزاب كردية في سورية، تحت قيادة سعود الملا.

في المقابل، تأسس حزب "الاتحاد الديمقراطي" عام 2003 من قبل أعضاء سوريين في حزب "العمال الكردستاني"، أبرزهم صالح مسلم. وبعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، نشط هذا الحزب في شمال شرقي سورية بتسهيل من النظام، من خلال ذراعه العسكرية "وحدات حماية الشعب"، وبات يسيطر اليوم عملياً على ثلث مساحة سورية من خلال "قوات سورية الديمقراطية"، المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

وحول أدوار هذين الحزبين، يقول عضو اللجنة السياسية لحزب "يكيتي الكردستاني" في سورية فؤاد عليكو، في حديث مع "العربي الجديد"، إن حزب "الاتحاد الديمقراطي جزء من منظومة حزب العمال الكردستاني"، مشيراً إلى أن الأخير "أسس الاتحاد الديمقراطي في جبال قنديل (مقر حزب العمال)، ووضع برنامجه، وعيّن قيادته". ويعتبر أن "قيادة حزب العمال تدير حزب الاتحاد بشكل مباشر أحياناً"، مؤكداً أنه لا يمكن لـ"الاتحاد الديمقراطي" الخروج من تحت عباءة حزب "العمال" تحت أي ظرف. ويصف عليكو العلاقة التي تجمع الأحزاب الكردية السورية بأحزاب إقليم كردستان العراق بـ"التحالفية وتجمعهم رؤى مشتركة".

المساهمون