خلافات حول رئاسة مجلس النواب الليبي... هل يعود المشهد للتصعيد؟

خلافات حول رئاسة مجلس النواب الليبي وتوتر دولي بشأن المتوسط... هل يعود المشهد للتصعيد؟

09 ديسمبر 2020
تقرر عقد جلسة جديدة لمجلس النواب في غدامس في 21 و22 الجاري برئاسة الأكبر سناً (تويتر)
+ الخط -

أنهى مجلس النواب الليبي جلسته الرسمية الأولى في غدامس، مساء أمس الثلاثاء، بمحاولة الحفاظ على وحدته بعد خلافات كبيرة بين أعضائه على رئاسته، في وقت يخشى فيه مراقبون من تأثير التوتر في البحر المتوسط على مسارات البحث عن حل سلمي للأزمة الليبية

واتفق أكثر من 120 نائباً ليبياً خلال ثلاث جلسات تشاورية، بدأت الأحد الماضي بمدينة غدامس الليبية، على تغيير رئاسة مجلس النواب، لكن خلافات دبت بينهم بعد لحظات من بدء أولى جلسات المجلس الرسمية بعدما طالب نواب من الجنوب الليبي بأن تكون رئاسة المجلس لنائب من الجنوب. 

وبحسب البيان الختامي للمجلس، مساء الثلاثاء، فقد تقرر عقد جلسة جديدة لمدة يومين في 21 و 22 من الشهر الجاري برئاسة أكبر النواب سناً، في اليوم الأول يتم إقرار نظام الدورة البرلمانية لرئاسة المجلس بواقع ستة أشهر لكل دورة، ومن ثم  انتخاب رئاسة جديدة. 

وفي اليوم الثاني، وفق البيان الختامي، سيعيد النواب "انتخاب اللجان البرلمانية وتشكيل اللجان الفنية المؤقتة، ومناقشة التعديلات المقترحة على اللائحة"، مشيراً إلى أنّ تأجيل الجلسة إلى الموعد المحدد جاء لـمنح فرصة لباقي النواب من أجل الالتحاق بالجلسات الرسمية. 

ووفق عضو مجلس النواب محمد الرعيض، فإنّ عدداً من نواب الجنوب طالبوا بأن تكون الرئاسة من بينهم، باعتبار أن رئاسة السلطة التنفيذية الجديدة التي سيفرزها ملتقى الحوار السياسي ستكون موزعة بين الشرق والغرب، في مقابل إصرار نواب من الشرق على تولي الرئاسة من جانب نائب من الشرق خلفاً لعقيلة صالح العبيدي. 

ويعبر الرعيض، في حديث لــ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، عن انزعاجه من بروز الخلافات التي أدت إلى نقل بنود الجلسة إلى موعد لاحق يومي 21 و 22 من الشهر الجاري، معتبراً أن الاستحقاقات المتصلة بالمرحلة المقبلة والتي تنتظر النواب "أكبر من أي خلاف على منصب مؤقت". 

وهو ما تتفق عليه سلطنة المسماري، عضو مجلس النواب، التي أكدت على أن التوافق كبير بشأن اعتماد آلية الدورات النيابية لرئاسة المجلس كل ستة أشهر، معتبرة أن "الوقت كفيل والاتصالات الشخصية أيضاً بالإعداد للجلسة المقبلة دون أي خلافات". 

وأشارت المسماري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "النواب أصروا على عقد الجلسة في الموعد المحدد للاستفادة من زخم المشاركة والحضور، وأنه لا يمكن التفريط في ذلك"، معتبرة أن "الإشكال الرئيسي، خلال جلسة الأمس، كان بسبب انعقاد الجلسة دون رئيس". 

وترى المسماري أن "اقتراح أن يترأس الجلسة المقبلة أكبر الأعضاء سناً يعتبر حلاً لتجاوز مؤقت للكثير من الخلافات القانونية، واحتياطاً ستتم دعوة عقيلة صالح لحضور الجلسة". 

وحول إمكانية وقوف نواب موالين لرئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح وراء إثارة الخلافات خلال جلسة الأمس في غدامس، لا توافق المسماري على هذا الرأي، بل تعتبر أن الوفاق كبير بين الأعضاء. 

ويواجه المجلس العديد من الصعوبات، خصوصاً بعد إعلان المتحدث الرسمي باسم مجلس نواب طبرق عبد الله بليحق، أن جلسة بنغازي، مساء الإثنين الماضي، "قررت عدم قبول أي مخرجات أو قرارات لأي جلسة تنعقد خارج المقر الدستوري للمجلس في بنغازي".

وحول كل هذه المستجدات، يعتبر الصحافي الليبي سالم الورفلي، أن المجلس "لن يخرج من بوتقة خلافاته، ومعلوم لدى الرأي العام أن اجتماعهم في طنجة وقرارهم بتوحيد شقي المجلس جاء خوفاً من خروجهم من المشهد الذي بات على شفا التغير قريباً". 

المسماري: اقتراح أن يترأس الجلسة المقبلة أكبر الأعضاء سناً يعتبر حلاً لتجاوز مؤقت للكثير من الخلافات

ويمضي الورفلي في انتقاده للنواب بأنهم "سيتحولون لأداة طيعة في يد البعثة الأممية لتمرير قرارتها أياً كانت مقابل بقائهم في المشهد"، ويتساءل "أي استحقاقات مطلوبة، وماذا تبقى لهم من عمل للمرحلة المقبلة سوى المصادقة على قرارات البعثة الأممية، فكل الخطوات حددتها البعثة من خلال أعضاء الملتقى السياسي". 

زيادة مستوى التصعيد والتوتر

ورغم أهمية الحدث في غدامس، إلا أن الرأي العام في ليبيا بدا منشغلاً بزيادة مستوى التصعيد والتوتر، فبعد هجوم مسلح نفذته مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على مدينة أوباري، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، زعمت قيادة حفتر أنها استهدفت أوكاراً للإرهاب، وقبضت، خلال العملية، على عدد من القيادات الإرهابية. 

وحاصرت مليشيا أخرى تابعة لحفتر، فجر الأحد الماضي، مقر المنطقة العسكرية الجنوبية التابعة لحكومة "الوفاق" لعدة ساعات في محاولة لاقتحامها، وبعد تنديد من جانب قادة قوات حكومة "الوفاق" بخرق حفتر لاتفاق وقف إطلاق النار، برر المتحدث الرسمي باسم قيادة مليشيات حفتر أحمد المسماري، في تصريحات صحافية، الإثنين الماضي، الحدث بأنه "سوء فهم بين آمر دورية مرت بالمعسكر مع بعض الأشخاص، وتم حل الإشكالية من خلال الحكماء والأعيان". 

لكن التصعيد مستمر، بحسب الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق، الذي اعتبر أن حادثة احتجاز مليشيات حفتر سفينة تركية قبالة السواحل الليبية، الإثنين الماضي، على علاقة بأحداث شرقي المتوسط المتصاعدة بين تركيا ودول أوروبية وعربية. 

ويوضح البرق أن حادث احتجاز السفينة، التي صرح قادة من حكومة "الوفاق" بأنها تجارية، وزعمت قيادة حفتر أنّ سبب احتجازها هو دخولها "في منطقة محظورة عسكرياً"، بحسب ما قاله المسماري، في لقاء تلفزيوني ليل الثلاثاء. 

وتأتي هذه التطورات بعد حديث عن قرب فرض عقوبات أوروبية على تركيا على صلة بالتوتر الحاصل في شرق المتوسط، وكذلك بزيارة أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لباريس كان فيها الملف الليبي على رأس قائمة جدول الزيارة. 

وكان وزير خارجية حكومة "الوفاق"، محمد سيالة، قد حذر، خلال لقائه بنظيره التركي مولود جاووش أوغلو في أنطاليا، من انزلاق دول متوسطية لصدام دولي في شرق البحر المتوسط، متهماً بعض تلك الدول بــ"تأجيج الوضع لاعتبارات سياسية وانتقامية". 

وفي إشارة لعلاقة التوترات الحاصلة في المنطقة بالاتفاق الموقع بين حكومته والحكومة التركية، دافع سيالة عن شرعية الاتفاق البحري بين الحكومتين، مؤكداً أنه اتفاق ليس موجهاً "ضد أي دولة ولا يمس بأي حال من الأحوال حقوق الآخرين". 

ويخشى البرق من أن يوفر التوتر في شرق المتوسط ذريعة لحفتر وحلفائه في موسكو وأبوظبي وأيضاً القاهرة، لشن هجوم على مواقع تابعة لقوات الحكومة التي تدعمها تركيا. 

من جانبه، جدد المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي محمد قنونو، التنديد بخرق مليشيات حفتر لاتفاق وقف إطلاق النار، التي أشار إلى أنها "أكثر من ثماني مرات" في محور مدينة سرت. 

وأكد قنونو، في سلسلة تغريدات على "تويتر"، استمرار حفتر "حتى الآن في عمليات التحشيد وإقامة التحصينات والمعسكرات ونقل المرتزقة"، بل أكد رفض "أي حل يحمل بين سطوره وجود أي أثر لمجرم الحرب حفتر". 

وفي إشارة لتهديد وزير الدفاع بحكومة "الوفاق" بالانسحاب من الاتفاق الموقع بين وفدي اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، في ظل استمرار خروقات مليشيات حفتر للاتفاق، قال قنونو "متوافقون ومتمسكون بما أعلنه وزير الدفاع الدكتور صلاح الدين النمروش"، مشدداً على ضرورة استبعاد حلفاء حفتر من تولي المناصب في ليبيا. 

ورغم تصريحات المسماري، المتحدث باسم قيادة مليشيات حفتر، بالتزام قيادة حفتر باتفاق وقف إطلاق النار، إلا أنه عدد تبريراته لحادث احتجاز السفينة التركية، ومنها تصريحه لتلفزيون عربي، ليل أمس الثلاثاء، بقوله "نحن في حالة حرب مع ​تركيا​، ودخلنا في مواجهة حقيقية، ولم يعلن أحد وقف المعركة، بل أعلنا وقف إطلاق النار احتراماً لمساعي المجتمع الدولي والأصدقاء ولرغبات الليبيين في إنهاء الحرب". 

ويرجح البرق أن حالة الصمت التي عادت إليها البعثة لها نذيرها، مشيراً إلى أن رئيسة البعثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز كشفت عن وجود 10 قواعد عسكرية في ليبية تديرها أطراف أجنبية وآلاف المرتزقة الأجانب في جلسة لملتقى الحوار على غير مناسبة، معتبراً أنه استشعار مسبق من جانب البعثة لإمكانية تأزم الأوضاع. 

ويرى البرق أن "حالة التصعيد قد تجر الميدان إلى حرب جديدة واسعة بسبب توازن القوى بوجود أطراف دولية وراء كل طرف من طرفي الصراع"، إلا أنه يعبر عن خشيته من "تأثير التصعيد والتوتر على مسارات الحل السياسي، وربما انهيارها وتحول البلاد لمرحلة جديدة في ظل حديث برز بشكل كبير في مسارات الحل عن سلام وفق منطق الأقاليم الثلاثة التاريخية".