خطوة تجاوز التوتر المصري الروسي من باب استئناف الطيران

خطوة تجاوز التوتر المصري الروسي من باب استئناف الطيران

10 اغسطس 2021
توقف الطيران الروسي إلى المنتجعات المصرية منذ 2015 (Getty)
+ الخط -

استؤنفت أمس الإثنين، وللمرة الأولى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015، رحلات الطيران بين المطارات الروسية ومطارات المنتجعات المصرية على شواطئ البحر الأحمر. ووصلت أولى الرحلات الجوية لشركة "مصر للطيران" قادمة من موسكو إلى الغردقة، على متن طائرة إيرباص "آي 330- 300"، وتحمل 300 سائح، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة لعودة السياحة الروسية بكامل طاقتها إلى الغردقة وشرم الشيخ ومرسى علم ورأس سدر ودهب والجونة، وغيرها من المقاصد السياحية الرئيسية للروس في مصر، والتي تضررت كثيراً خلال السنوات الست الماضية، بسبب غياب السيّاح الروس أو تراجع أعدادهم. وعكس تطبيق البروتوكول الجديد الموقع بين روسيا ومصر، والخاص بالتعامل الأمني مع الرحلات إلى البحر الأحمر، للمرة الأولى، استحداث سيطرة روسية شبه كاملة على المطار المصري منذ بدء الاستعداد لاستقبال الوفد السياحي. وتمّ تسليم قيادة المطار لفريق أمني روسي، أشرف على تجهيز أماكن تخزين الأمتعة ونقاط التفتيش والمراقبة وغرفة التحكم المركزية في المطار، من دون أي تدخل من المسؤولين المصريين، بحسب مصادر مطلعة في وزارة الطيران المدني المصري.

عكس تطبيق البروتوكول الجديد بين روسيا ومصر، استحداث سيطرة روسية شبه كاملة على مطار الغردقة

وأضافت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن هذا البروتوكول يختلف عن سابقه الذي فرض التزامات أمنية معينة على المصريين بشأن مطار القاهرة وباقي المطارات الإقليمية، والذي تضمن ضرورة تركيب أنظمة قياس بصمة بيومترية متقدمة، وبصمة الوجه، في المناطق الأمنية الخلفية، وتركيب بعض الأجهزة في المناطق الخاصة بدخول وخروج الأمتعة وعمل الموظفين. علماً أن مصر لم تطبق نظام بصمة الوجه في مطار القاهرة إلا في أكتوبر 2019 فقط، حين بدأ العمل بها بهدف التأمين وإحكام السيطرة على منافذ المطار. ويتضمن البروتوكول الجديد ضمان وجود فريق روسي عند الحاجة، وفي نسبة معينة من الرحلات، لضبط أعمال مطاري الغردقة وشرم الشيخ، فضلاً عن إجراء زيارات تفتيش دورية وغير دورية للتأكد من تنفيذ الاشتراطات الأمنية.

وذكرت المصادر أن وجود العناصر الأمنية الروسية سيكون مؤقتاً، لكن الفترة ستطول ربما إلى نهاية فصل الصيف، وأن سلطة الطيران الروسية اشترطت ذلك بناء على تقرير التفتيش الأخير في مايو/أيار الماضي الذي أعدته اللجنة المكونة من 17 متخصصاً أمنياً وملاحياً وتقنياً. وكان التقرير قد سجّل خلال الزيارة، نقطتين سلبيتين، مثل تقرير التفتيش السابق في فبراير/شباط الماضي، حيث أجريت مباحثات مع المسؤولين المصريين في كيفية علاجهما سريعاً، وتم علاج إحداهما خلال فترة إقامة الفريق في مصر.
وكانت حركة الطيران الروسي إلى المطارات المصرية، وبالأخص إلى المنتجعات السياحية في البحر الأحمر، قد توقفت منذ حادث سقوط الطائرة الروسية في نهاية أكتوبر 2015. وتستمر الرحلات الروسية حالياً إلى القاهرة وفقا لجدول زمني منتظم من موسكو ومن روستوف، بعدما استأنفت شركة "إيروفلوت" الروسية الحكومية رحلاتها من موسكو إلى القاهرة والعكس، في إبريل/نيسان 2018، بناء على بروتوكول استئناف الرحلات وتأمين المطارات الذي وقّعه البلدان، إلا أن الموعد المبدئي لعودة الطيران إلى مدن البحر الأحمر والأقصر واجه تأجيلا طويلا.
وكان مطارا شرم الشيخ والغردقة يستقبلان نحو 90 في المائة من حركة السياحة الروسية إلى مصر قبل حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء. وكانت السياحة في مدن البحر الأحمر تعتمد بنسبة 92 في المائة على الطيران المباشر، وليس على الطيران الداخلي الآتي من القاهرة. وأثّر إجبار السائحين الروس على استخدام الطيران الداخلي من القاهرة إلى أي مدينة أخرى للوصول إلى محل إقامتهم، سلبياً على إقبال الروس على الحجوزات الفندقية بنسبة تصل إلى 70 في المائة، علماً أن السائحين الروس يمثلون بحسب إحصاء أجري مطلع عام 2019 نحو 40 في المائة من إشغال الفنادق في مدن البحر الأحمر.
وفي سياق متصل، ربطت مصادر دبلوماسية مصرية بين الحرص الروسي خلال الفترة الأخيرة على استئناف الرحلات السياحية، تلبية لمطالب شركات السياحة المتعثرة اقتصاديا، وبين توجه أوسع للدولة الروسية للحد من التوتر الذي ضرب علاقات البلدين بوضوح في الآونة الأخيرة بسبب الموقف الروسي السلبي من القاهرة في قضية سدّ النهضة الإثيوبي، وتصاعد التنسيق بين موسكو وأديس أبابا في مجالات شتى. ويحوّل ذلك إثيوبيا لرأس حربة السياسة الروسية في المنطقة، ويجعلها الذراع المساعدة الأولى لموسكو في شمالي وشرقي القارة الأفريقية، بدلاً من هذا الدور الذي كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يأمل في لعبه بعيد صعوده إلى السلطة.

لم تطرح موسكو أي خطوات عملية لوساطة روسية قوية ومؤثرة في ملف السد

وذكرت المصادر أن التصريحات الأخيرة للسفير الروسي في القاهرة جيورجي بوريسينكو، عن استعداد موسكو لبذل الجهود للتوصل إلى حلّ لقضية سد النهضة، وأن بلاده تتفهم جيّداً القلق الشديد "لأصدقائها المصريين"، وأن النقد الروسي في مجلس الأمن فُهم بشكل خاطئ، لا تعدو كونها محاولات لتخفيف الأثر السلبي البالغ على العلاقات المصرية – الروسية. وأوضحت المصادر أن البلدين يدركان جيّداً أن العلاقة بينهما غير متكافئة بسبب العقود والمساعدات والقروض طويلة الأجل التي وقّعاها خلال السنوات الأولى من حكم السيسي، لا سيما في مشروع الضبعة النووي، الذي يتفق البلدان على تجنيبه أي توترات سياسية. لكن في الوقت ذاته، تدرك موسكو جيّداً أهمية مصر الإقليمية، وكونها سوقاً كبيرة للمستثمرين ومستورداً مهماً للأسلحة، وأنه ليس من المصلحة الإسراع في غضّ الطرف عنها.
وأوضحت المصادر أن تصريحات السفير الروسي الأخيرة عبر وكالة الأنباء الرسمية وإحدى الفضائيات، سبقتها اجتماعات أجراها مع عدد من المسؤولين في وزارة الخارجية المصرية لبحث تصفية الأجواء. وعدا نفي قصد الإضرار بمصر، لم يطرح السفير أي خطوات عملية لوساطة روسية قوية ومؤثرة في ملف السد، الأمر الذي يدفع القاهرة لقصر التعامل مع هذه المحاولات على تأثيرها على الملفات المشتركة، وهي كثيرة، من دون أن تأمل في حصول تغيير إيجابي في قضية سد النهضة. 
ومن بين الملفات التي يتعاون فيها الجانبان أخيراً بتعليمات من القيادة السياسية، دخول مصر في عداد الدول التي ستشارك في التجارب السريرية على لقاح "سبوتنيك" الروسي المعدل ضد فيروس كورونا، والذي يتكون من جرعة واحدة بدلاً من جرعتين. وفي هذا الصدد، تتسلم القاهرة خلال أيام شحنة تجريبية من اللقاح لعمل التجارب، مقابل الحصول على كميات منه مستقبلاً. علماً أن اللقاح الأصلي المكون من جرعتين استُخدم بشكل أساسي لتلقيح القادة والضباط في الجيش المصري وأسرهم، وأُعطيت نسبة محدودة منه لوزارة الصحة.

المساهمون