خطط طوارئ في ليتوانيا خوفاً من حرب روسية: إجلاء سكان العاصمة فيلنيوس

28 ابريل 2025
جنود ليتوانيون خلال عرض بيوم العلم الوطني في فيلنيوس،1 يناير 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- استعدادات الطوارئ: ليتوانيا تخطط لإجلاء 600 ألف من سكان فيلنيوس كإجراء احترازي ضد أي محاولة روسية للسيطرة، مع تعزيز الدفاعات بالتعاون مع حلف الناتو وتحديث البنية التحتية للطوارئ.

- التوترات الجيوسياسية: تواجه ليتوانيا ضغوطًا بسبب موقعها بين كالينينغراد الروسي وبيلاروسيا، ورفضها مطالب روسيا بتواصل بري، مما دفعها لتسريع الاستعدادات الدفاعية وتطوير وسائل الإنذار.

- التحديات العسكرية والدبلوماسية: تعاني ليتوانيا من ضعف الحلف الأطلسي في المنطقة، وقد تضطر للتفاوض مع روسيا بشأن كالينينغراد وسط شكوك حول التزام الناتو بالدفاع عنها.

تتجه ليتوانيا نحو تطبيق خطط طوارئ تبنتها العام الماضي لإجلاء نحو 600 ألف نسمة من سكان عاصمتها فيلنيوس إلى أماكن آمنة، حال محاولة روسيا السيطرة على بعض أراضيها.

ليتوانيا، على عكس شقيقتيها لاتفيا وإستونيا، وتشكل معهما ما يعرف باسم دول البلطيق (جمهوريات سوفيتية سابقة استقلت في 1991 وانضمت لاحقاً إلى حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي)، لا تتجاوز فيها نسبة الناطقين بالروسية الـ5% من بين نحو 2.8 مليون نسمة. وتصل في الدولتين الأخريين إلى نحو 24 إلى 27%.

الحديث حول ضرورة استعداد الليتوانيين، في سياق بلطيقي وأوروبي شمالي، ليس مصدره ذريعة الأقلية الروسية فحسب، بل القلق من إقدام موسكو على خطوة ضم أراض من الدولة الصغيرة لفرض تواصل روسي بري مع جيب كالينينغراد (الروسي) على بحر البلطيق، وغيرها من مسائل تخشاها دول البلطيق المسنودة بوجود عسكري من حلف شمالي الأطلسي. ويستشعر ساسة ليتوانيا هبوب رياح ساخنة منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، إذ يوسع حلف شمالي الأطلسي "الناتو" انتشاره العسكري، وبصورة خاصة من الألمان واسكندنافيا. فمواقف وسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتشجيع ذهاب طرفي الحرب الأوكراني والروسي نحو اتفاق سلام يمنح الأخيرين بعض الجوائز، مع غيرها، باتت تثير الكثير من الخوف.

وقررت سلطات فيلنيوس وضع خطط حماية سكانها من خلال نقل مئات آلاف سكانها إلى مناطق آمنة في حال اندلاع نزاع مع روسيا. فالبلد الصغير يبرر خطواته على اعتبار أنه "محشور" بين جيب كالينينغراد وبيلاروسيا القريبة من سياسات موسكو. ورفضت ليتوانيا وبولندا لسنوات المطالب الروسية بضرورة القبول بتواصل بري بين ذلك الجيب على ساحل بحر البلطيق والبلد الأم روسيا.

قلق من تصريحات روسية وسياسات أميركية

خلال الآونة الأخيرة، انضم عضو مجلس الشيوخ من مجلس الاتحاد الروسي غريغوري كاراسين إلى المطالبين بضرورة "القيام بشيء ما". وتقدم غريغوري بمقترح على المجلس حول ضرورة  "مراجعة الحدود" مع بولندا وليتوانيا. ويتوافق المقترح مع ما قدمه الأسبوع الماضي في اجتماع "الجمعية التاريخية العسكرية الروسية" المؤرخ أليكسي بلوتينكوف، إذ نقلت عنه وسائل إعلام ليتوانية قوله إن "الحدود في أوروبا كانت تنهار دائماً بمجرد تغير موازين القوى".

ووصف بلوتينكوف ليتوانيا بأنها "واحدة من أكثر الدول كراهية لروسيا"، مشدداً على أن "روسيا يجب ألا تنسى مصالحها الوطنية ونحن على حق تماماً على الرغم من وجود اتفاقية حدودية". حدود يعتقد أنه سيتم مراجعتها كلها عاجلاً أم آجلاً "لضمان الأمن في كالينينغراد، وطرحنا مسألة ما إذا كان ينبغي على ليتوانيا أن تسلمنا تلك القطعة (للوصول البري إلى الجيب)".

تزايد القلق في دول البلطيق من التصريحات الروسية يجعل الليتوانيين يسارعون نحو "الاستعداد للأسوأ". وفي سياق هذه الاستعدادات أنهت فيلنيوس "خطة الإجلاء الجديدة" بتحديد 150 طريقاً ونحو 670 منطقة تجمع للهروب من عاصمتهم (600 ألف إنسان) غرباً نحو الساحل وباتجاه بولندا. أما وسيلة إنذار السكان بضرورة المغادرة الفورية، وبحسب الخطط الرسمية فستتم من خلال إطلاق الإنذارات عبر الرسائل النصية وتطبيق يجري تطويره حالياً على الهاتف المحمول وإضافة 52 جهاز صفارات إنذار في المدينة، هذا إلى جانب العمل على توسيع الطرق وبناء جسر رئيسي.

وبحسب هيئة البث العام في التلفزيون الليتواني، فإن الخطة تشمل تحديث الملاجئ الموجودة في فيلنيوس، وتخصيص لأجلها نحو 14 مليون يورو. وتتعاقد الحكومة على شراء كتل خرسانية وحواجز تأخير تقدم الدبابات، وتسمى "القنافذ التشيكية". ما يعني ببساطة أن الليتوانيين باتوا يتصرفون وكأن الحرب واقعة مستقبلاً لا محالة.

في السياق، تحدثت تقارير عسكرية متخصصة في الشمال الأوروبي عن أن الوجود العسكري الأطلسي في ليتوانيا، خاصة الألماني الذي يخصص لواء لصد الروس نيابة عن الغرب، لن يصمد سوى لساعات قليلة أمام أي تقدم روسي. ومن جهة أخرى، يميل الليتوانيون إلى تجنيد المزيد من الشباب لأجل اعتماد النموذج الأوكراني في استخدام طائرات بدون طيار لاستهداف العربات والدبابات الروسية إذا غزت بلدهم الصغير، بحسب ما نشر التلفزيون الليتواني "أل آر تي".

وفي العموم يعاني الحلف الغربي من خاصرة رخوة على الجانب الشرقي في ممر سووالكي الضيق نحو كالينينغراد والحدود البيلاروسية. وبحسب المتخصصين فإن هذا الشريط بطول نحو 64 كيلومتراً قادر على منح الروس فرصة تطويق ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا بعيداً عن بولندا.

وبالطبع يستطيع الروس أيضاً قطع الطريقين الرئيسيين الممتدين من الجنوب إلى الشمال، وكذلك خطط السكك الحديدية بطول 870 كيلومتراً، وشيده الاتحاد الأوروبي ليقطع المسافة بين بولندا وشمالاً نحو عاصمة إستوانيا، تالين. هذا بالإضافة إلى كابلات الجهد العالي وأنابيب الغاز الطبيعي المكشوفين تماماً أمام الروس، ذلك وفقاً لقراءات تراقب ما يجري.

في كل الأحوال، وبرغم قرع طبول الحرب والاستعداد لها، فإن التغير الطارئ في علاقة واشنطن بحلفائها في أوروبا قد يتحول إلى ضغوط على ليتوانيا، وغيرها ربما، لأجل التفاوض مع روسيا لتغيير وضعية الوصول إلى جيب كالينينغراد على سواحل البلطيق. وتقوم روسيا اليوم بإرسال الإمدادات عبر السكك الحديدية العابرة لبيلاروسيا، ولكنها تخضع لقيود، بينما تنقل من سانت بطرسبرغ جواً وبحراً ما لا تستطيع نقله برياً.

تثير السياسة الأميركية الجديدة في عهد ترامب الكثير من هواجس عدم تفعيل الحلف الأطلسي لميثاقه من أجل الدفاع عن ليتوانيا العضو فيه. المراهنة على الدعم العسكري الأوروبي الذي انتشر في دول البلطيق أكثر منذ بداية الحرب في أوكرانيا، بذريعة مقاومة روسيا التي يرون أنها تضعهم على لائحتها التالية، لم يعد كافياً لضمان أمن هذه الدول. حتى حجة دعم دول البلطيق الكبير لأوكرانيا باعتبارها "تدافع عن كل أوروبا" أصبحت حجة مخلخلة بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ما يدفع ليتوانيا إلى هذا التفكير بتفريغ عاصمتها فيلنيوس بعد أن شاهدت ما جرى ويجري لكييف.