استمع إلى الملخص
- المقاومة الفلسطينية تعتمد على تكتيكات حرب العصابات، مما يزيد من كلفة العمليات العسكرية على الاحتلال ويمنعه من فرض سيطرة كاملة، رغم محاولاته خلق واقع سياسي جديد في القطاع.
- الباحثون السياسيون يرون أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تواجه تحديات كبيرة، حيث لم تحقق أهدافها السياسية، والمقاومة تواصل الضغط على الاحتلال، مما يضعف موقف الحكومة الإسرائيلية في المفاوضات.
ينفذ الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية برّية واسعة النطاق في مناطق شمالي غزة منذ الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأت بمخيم جباليا للاجئين ثم طاولت بيت لاهيا ومشروعها ومدينة بيت حانون، فيما عرف بتنفيذ "خطة الجنرالات" الهادفة لتهجير الفلسطينيين من تلك المنطقة، وبسط سيطرة عسكرية عليها. وعلى مدار أكثر من ثلاثة أشهر كبّدت المقاومة الفلسطينية، عبر أذرعها المختلفة مثل "كتائب القسام" ذراع حركة حماس العسكرية، و"سرايا القدس" ذراع حركة الجهاد الإسلامي العسكرية، جيش الاحتلال وكتائبه العسكرية خسائر بشرية ميدانية غير مسبوقة عند مقارنتها بالعمليتين العسكريتين السابقتين شمالي غزة سواء في بداية الحرب في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أو في إبريل/نيسان 2024.
وبحسب تقديرات إسرائيلية فقد قُتل في العملية الأولى شمالي غزة 11 جندياً وضابطاً في المعارك التي شهدتها مناطق شمال القطاع، وفي العملية الثانية بعدها بأشهر 24 قتيلاً من الجنود والضباط الإسرائيليين، عدا عن إصابة العشرات من الجنود والضباط في الكمائن والمعارك التي شهدتها مختلف مناطق شمالي القطاع.
معارك ضارية شمالي غزة
ووفقاً لبيانات جيش الاحتلال الإسرائيلي فقد شهدت العملية العسكرية الثالثة المتواصلة للشهر الرابع على التوالي مقتل 43 جندياً وضابطاً، بعضهم من رتب عسكرية رفيعة المستوى، بالإضافة إلى مقتل 10 جنود في العملية العسكرية في مدينة بيت حانون خلال العملية المتواصلة للأسبوع الثاني على التوالي، وللمرة الثالثة وفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية. وتعكس هذه البيانات واقع المعارك الضارية التي تشهدها مناطق شمالي غزة على الرغم من مزاعم الاحتلال الإسرائيلي القضاء على الكتائب العسكرية التابعة لحركة حماس على وجه الخصوص، خلال الأسبوع الماضي.
محمد الأخرس: العملية شمالي غزة خطيرة بالمعنى السياسي
بالتوازي مع ذلك، فقد قام الاحتلال بتهجير غالبية سكان الشمال واعتقال المئات، عدا عن تدمير البنية التحتية واقتحام المستشفيات وإغلاقها، كما فعل في مستشفى كمال عدوان الذي اقتحمه ثلاث مرات، واعتقل أخيراً مديره الطبيب حسام أبو صفية. وعلى الرغم من الادعاءات الإسرائيلية بالقضاء على المقاومة شمالي غزة إلا أن الأيام الأخيرة شهدت اعترافه بتسجيل سبعة قتلى في مناطق جباليا وبيت حانون تحديداً، فيما تتواصل عمليات إطلاق الصواريخ باتجاه مستوطنات غلاف غزة من تلك المناطق. والأربعاء الماضي، اعترف الاحتلال بمقتل ثلاثة من جنود لواء "ناحال"، وإصابة ضابط بجروح خطيرة، جراء انفجار كبير في منطقة مزروعة بالعبوات الناسفة، في بيت حانون شمالي غزة، بالإضافة لاعترافه يوم الاثنين الماضي بمقتل جنديين جراء استهدافهما بقذيفة مضادة للدروع في بيت حانون وإصابة جنود آخرين، تبيّن أن سبب مقتلهما كان أيضاً عبوة ناسفة وليس قذيفة كما اعتقد الجيش في بادئ الأمر.
وتلفت الاعترافات الإسرائيلية لجوء المقاومة الفلسطينية لعمليات استهداف الآليات والمدرعات العسكرية بالعبوات الناسفة والقذائف المضادة للدروع عبر مجموعاتها العسكرية في شمالي القطاع. وتنتهج المقاومة الفلسطينية أسلوب "الخلايا" في عملها، أو ما يعرف بحرب العصابات الذي يعتمد بالأساس على عدد قليل من المقاتلين ونصب الكمائن والفخاخ في استهداف جنود الاحتلال خلال وجودهم في محاور القتال. واعترف جيش الاحتلال، منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بمقتل 831 جندياً وضابطاً في المعارك مع المقاومة الفلسطينية، التي تشكك هي الأخرى بدقة هذه الأرقام والإحصائيات من خلال بياناتها العسكرية الصادرة عن أذرعها العسكرية.
عملية خطيرة
يقول الباحث في الشأن السياسي محمد الأخرس إن "العملية شمالي غزة خطيرة بالمعنى السياسي، لأن أوساط اليمين تعول على استثمار المنجزات العسكرية لخلق واقع سياسي جديد داخل القطاع، لا سيما على صعيد إعادة الاستيطان للقطاع أو خلق منطقة عازلة على أقل تقدير. ولكن هذا الأمر قبل إنفاذه بحاجة لإجماع سياسي في الداخل الإسرائيلي، من خلال إضافته رسمياً لأهداف الحرب، عدا عن الموافقة الأميركية غير المتوفرة إلى حد الآن، والأهم من ذلك كله إيجاد بيئة أمنية مؤاتية لذلك من خلال تهجير السكان والقضاء على المقاومة". ويضيف الأخرس، لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتلال لم يستطع إلى الآن توفير العوامل الثلاثة، فالمقاومة لا تزال قادرة على رفع كلفة العمليات العسكرية التي يقوم بها الاحتلال، وتمنعه من فرض سيطرة تشغيلية على المكان بالصورة التي تحول دون قدرته على خلق واقع سياسي جديد في المنطقة حتى على مستوى الخطط التي تتحدث عن إيجاد فقاعات إنسانية".
إياد القرا: العمليات والكمائن دلالة على عدم سيطرة الجيش على شمال غزة
ويشير إلى أن إضافة الاستيطان إلى أهداف الحرب تتناقض تماماً مع الهدف الأساسي المرتبط باستعادة الأسرى، وذلك سيدفع المقاومة للتشدد في مطالبها، وقد يؤدي لإفشال المفاوضات بصورة كاملة، إضافة إلى أن العامل الأميركي لا يزال غير متشجع لفكرة احتلال مزيد من أراضي القطاع، وقد يعول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على التأثير في موقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لصالح بعض هذه التصورات، لكن لا توجد مؤشرات على استجابة ترامب ذلك في الوقت الحالي.
ويلفت الباحث في الشأن السياسي إلى أنه من الملاحظ استمرار خسائر الاحتلال شمالي غزة لا سيما في الأسبوعين الأخيرين في بيت حانون، حيث فقد العدو 10 جنود وفق اعترافه الرسمي، وهذا يشير إلى أن المقاومة لا تزال قادرة على الإثخان في العدو عبر اعتمادها تكتيكات قتالية تكلفتها منخفضة ومردودها مرتفع، ويترافق ذلك مع قدرة المقاومة على استمرار إطلاق الصواريخ. ويرى أن هذا الأمر يضغط على المستوى السياسي في دولة الاحتلال بصورة كبيرة، حيث يتعمّد بعض قادة الجيش تسريب معلومات حول رفضهم استمرار العمليات العسكرية ويحمّلون حكومة نتنياهو مسؤولية مقتل الجنود، دون وجود هدف سياسي يستحق ذلك.
عمل عسكري قوي
في الأثناء، يقول الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا إن العمليات العسكرية للمقاومة تعكس عملاً قوياً يقوم على فكرة عدم جعل جيش الاحتلال يطمئن، خصوصاً أنه يعتبر نفسه مسيطراً عليها منذ بداية الحرب، مثل بيت حانون، فيما تنتهج المقاومة أسلوب "حرب العصابات" محاولة تكبيده خسائر كبيرة. ويوضح القرا، لـ"العربي الجديد"، أن العمليات والكمائن التي تتم، تجري في مناطق لا يتوقع جنود الاحتلال أن تصل لها المقاومة، وعبر الاستهدافات المباشرة ما جعل الخسائر هي الأكبر في مناطق الشمال، وتعكس دلالات على عدم سيطرة الجيش على شمال غزة بقدر ما قام بتدمير هذه البقعة الجغرافية.
ويشير إلى أن المقاومة تقتل كل يومين أو ثلاثة عدداً من جنود الاحتلال، ما يعكس فشلاً للأهداف السياسية الإسرائيلية، لا سيما فيما يتعلق بأي مشروع استيطاني أو حتى القضاء على المقاومة في تلك المنطقة، على الرغم من تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتدمير مئات الآلاف من البنية التحتية والأحياء السكنية. ويلفت إلى أن الاحتلال قام بتدمير كل ما يستطيع فيما يتعلق بالأبنية والبيوت الفلسطينية، فيما بقيت العمليات العسكرية للمقاومة ورقة ضغط على الاحتلال في العملية التفاوضية التي تجري للوصول إلى وقف إطلاق النار.