استمع إلى الملخص
- يوضح عزام أبو العدس أن إسرائيل تسعى لاجتثاث البيئة المقاومة في المخيمات الفلسطينية، وتغيير معالمها الجغرافية، مما يعكس تحولاً نحو نهج أكثر راديكالية وصهيونية.
- يؤكد محمد عليّان أن المخططات الإسرائيلية تهدف لطمس قضية اللاجئين الفلسطينيين، لكن الفلسطينيين يظلون متمسكين بحقوقهم، مع استمرار الجهود الدبلوماسية لدعم وكالة "أونروا".
حذّر سياسيون وخبراء من أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من تدمير مخيمات جنين وطولكرم، سيتدحرج لبقية مخيمات الضفة الغربية، وأن الأمر بات مجرد وقت قبل أن تستيقظ الضفة الغربية وقد أصبحت مخيماتها الـ22 مجرد أحياءً للمدن القريبة منها بشوارع واسعة تسمح لآليات الاحتلال بالتجول فيها بحرية.
واعتبروا أن حالة العجز الكاملة التي تعيشها القيادة الفلسطينية والتواطؤ الدولي والتطبيع العربي أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لتستمر في عملية الإبادة والتدمير. وبدوره، اعتبر الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن ما يجري في المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، الذي بدأ في مخيمات جنين وطولكرم، وبعد ذلك امتد لمخيم الفارعة ومخيمات نابلس مثل بلاطة ومخيم العين، "سيمتد لجميع المخيمات في الضفة الغربية سواء الجلزون والأمعري في رام الله أو الدهيشة وعايدة في بيت لحم، وهكذا حتى تصل آليات التدمير الإسرائيلية إلى جميع المخيمات في الضفة الغربية".
وقال: "ما يحدث هو عملية تصفية منظمة لموضوع اللاجئين الفلسطييين كجزء من تصفية قضية الفلسطينية، وهناك جانبان تعمل عليهما إسرائيل بشكل متوازٍ، الهجوم على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" من جانب، وتصفية الوجود الفيزيائي للاجئين في المخيمات، كما في حرب الإبادة على قطاع غزة، والآن في الضفة الغربية عبر تدمير المخيمات، وهذا يدخل في سياق عملية الترحيل عموماً". وتابع: "عندما يقضي الاحتلال على بيوت الناس ومساكنها وذكرياتها على مدى أكثر من سبعين عاماً، يظن أنه بذلك يقطع ارتباط الجذور بالأرض، وهذا غير صحيح".
وأوضح أن "عملية تصفية القضية الفلسطينية تشمل ثلاثة مكونات: الاستيطان والتهويد والضم، وتدميرحقوق اللاجئين ومؤسساتهم، والتطهير العرقي، وهذا بالضبط ما تقوم به إسرائيل، لأن هذه المكونات مع بعضها تشكل في جوهرها عملية الإبادة القائمة حالياً". وشدد البرغوثي قائلاً: "علينا أن نتذكر أن كل التطبيع مع المحيط العربي هو جزء من عملية تصفية القضية الفلسطينية".
وانتقد البرغوثي التقصير الرسمي الفاضح إزاء ما يجري من تدمير منذ نحو شهرين في مخيمات جنين وطولكرم، وقال: "نعرف أن الظروف قاسية على الجميع، لكن على القيادة أن تقوم بتوحيد الطاقات الفلسطينية، عبر تشكيل قيادة وطنية موحدة تضم مكونات الشعب الفلسطيني بقدراته وطاقاته وتصبح هي العنوان لكل الفلسطينيين في العالم لتقديم الإسناد والمساعدة، وهذه القيادة الموحدة مهمتها تعزيز صمود الفلسطيني في أرضه فعلاً وليس بالشعارات". وختم البرغوثي: "مشروع إسرائيل بدفع اللاجئين إلى الهجرة بعد تدمير بيوتهم في المخيمات لن ينجح، لأن الفلسطيني تعلم من نكبة 1948 ومن نكسة 1967، لذلك إصرار الفلسطيني على البقاء كبيرة جداً، رغم كل محاولات آلة التدمير والقتل الإسرائيلية".
من جهته، قال المختص في الشؤون الإسرائيلية عزام أبو العدس لـ"العربي الجديد": "ربما كان من حسن حظ إسرائيل أن الفلسطينيين خذلوا بعضهم البعض في هذا اليوم، ولو تكررت تجربة عملية سيف القدس حين انتفضت الضفة والداخل في أثناء الحرب لكان هناك تغيير تاريخي يحمل أبعاداً مهولة، ولكن غزة قاتلت وحدها ومن هنا كان على إسرائيل تغيير عقيدتها الأمنية والعسكرية بشكل جذري. هذه العقيدة يجب أن تقوم الآن على حل المشكلة الفلسطينية وتصحيح أخطاء 1948 و1967، وهو أن إسرائيل تركت خطراً بين البحر والنهر وهم الفلسطينيون الذين لم ينعدم دافعهم للقتال يوماً من الأيام".
وأشار أبو العدس إلى أن "العقيدة القديمة كانت تقوم على التعايش المضبوط مع الفلسطينيين، بمعنى أن يكون لهم نوع من الوجود في فلسطين، ولكن دون كيان سياسي أو أن يشكلوا خطراً... ولكن هذا المفهوم تلاشى بشكل مطلق وحل مكانه مفهوم أكثر راديكالية وصهيونية، وهو أنه يجب طرد الفلسطينيين بشكل كامل ونسف وجودهم البشري البسيط. هذا ما تحاول إسرائيل القيام به في غزة وتقوم به بوتيرة متسارعة في الضفة الغربية، وتحديداً المخيمات".
ولفت إلى أن المخيمات تاريخياً كانت عقدة العقد بالنسبة إلى إسرائيل، سواء في الداخل أو الخارج، "والمخيم يمتاز بكونه بيئة أيديولوجية مقاتلة بطبعها. سكان المخيمات يحملون صفة اللاجئين ويحملون وجعاً وثأراً يدفعهم إلى القتال، فضلاً عن أنهم ليسوا ملاك أراضي مرتبطين بالزراعة والاستقرار، وليسوا من سكان المدن، وهم في بيئة قاسية صعبة ووعرة بسبب العديد من الظروف الاقتصادية والاجتماعية... كذلك فإن طبيعة بنية المخيم من أزقة وبيئة مزدحمة تجعل العمل العسكري المقاوم فيه أكثر سهولة وسلاسة وأصعب على قوات مكافحة التمرد أو القوات العسكرية النظامية، وبالتالي كان على إسرائيل أن تجتث البيئة المقاومة في الضفة الغربية، ويجب أن يكون هذا الحل ضامناً للبيئة العمرانية الجغرافية والبيئة الديمغرافية "السكان"".
وتابع: "هنا تبلورت الخطة الجديدة التي تقوم على أركان أساسية، هي أولاً: يجب أن تكون المخيمات حالة من كيّ الوعي لأي عمل مقاوم في الضفة الغربية، وهذا تمهيد لخطة الضم، بحيث يجب اجتثاث أي عمل مقاوم حتى تكون الضفة الغربية أكثر أمناً من تل أبيب، وهذا تمهيد للسيطرة والضم والطرد. وثانياً: يجب تغيير معالم المخيم الجغرافية، بحيث تصبح أكثر ملاءمة للعمل الميداني ودخول الآليات وتحقيق الأمن للجنود". وأردف: "وثالثاً تنميط حالة التهجير في الضفة وجعلها أمراً واقعاً، بحيث يتعايش الناس مع فكرة التهجير، وأن يكون النجاح بتهجير خمسين ألف فلسطيني سابقة يبنى عليها مزيد من التهجير".
وختم بقوله: "إسرائيل الآن تختبر حدود قدراتها في الضفة الغربية والنتائج مرضية جداً بالنسبة إليها، فقد استطاعت سحق المخيمات وتهجير أهلها. وعلمنا التاريخ أن إسرائيل تستمر في عمل ما تنجح فيه، وهذه هي الطبيعة البشرية البسيطة، وبالتالي إسرائيل ستقوم بكل ما قامت به في المخيمات في مناطق أخرى في الضفة الغربية، وذلك لسبب بسيط جداً، أن الضفة الغربية قلب إسرائيل الكبرى، وما نراه اليوم في مخيمات شمال الضفة سينسحب على كل الضفة وبشكل تدريجي".
وردًا على التقارير الإسرائيلية التي نشرت بعنوان "طمس رواية اللاجئين: خطة الجيش الإسرائيلي لتفكيك المخيمات في الضفة الغربية" والتي تتحدث عن مخطط من شأنه تحويل المخيمات إلى أحياءٍ مدنية، قال المدير العام للإدارة العامة للمخيمات في دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية، محمد عليّان في حديث مع "العربي الجديد" إن عدد اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات يقارب تسعة ملايين لاجئ، سواء المسجلون لدى وكالة "أونروا" أو غير المسجلين، ما يعني أن الاحتلال الإسرائيلي يتوهّم حال اعتقاده أن هذه المخططات العسكرية العدوانية من شأنها شطب قضية اللاجئين؛ لأن من يسكن مخيّمات الضفة يشكّل قرابة 24 بالمئة من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين، في حين أن الملايين الآخرين، رغم أنهم لا يعيشون في المخيمات، إلا أنهم لم يتخلوا عن قضيّتهم، لأن اللاجئ يرى أن "المخيم محطة عبور من أجل الوصول إلى حق العودة".
واعتبر عليان أن هذه المخططات تأتي ضمن محاولات مستمرة منذ عقود لإلغاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، لكنها لم تنجح في أي مرحلة سابقة. ولفت إلى أن الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة والتخريب الممنهج لمعالم المخيمات تهدف إلى تقويض رمزية المخيم، التي تمثل أحد أبرز الشواهد على قضية اللجوء الفلسطيني. وأكد أن هذه السياسات ستبوء بالفشل، مشيرًا إلى أن تجربة قطاع غزة خير دليل، حيث عبّر الفلسطينيون عن تمسكهم بحق العودة فور أن أتيحت لهم الفرصة للعودة إلى مناطق سكنهم التي نزحوا منها خلال الحرب.
وأشار إلى أن المخيمات الفلسطينية تعدّ من أكثر المناطق معاناة على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي، حيث يسعى الاحتلال لمفاقمة هذه الأوضاع وخلق بيئة طاردة لسكانها. إلا أن الشعب الفلسطيني، رغم هذه الضغوط، لا يزال متمسكًا بحقوقه، معتبرًا أن الصمود وتعزيز مقومات البقاء هو السلاح الأقوى في مواجهة هذه المخططات.
وأكد عليّان أن الجهود الحالية تتركز على ضرورة إنهاء الاحتلال داخل المخيمات قبل الحديث عن أي مشاريع إعمار أو إعادة تأهيل، مضيفًا أن التحرك الدبلوماسي متواصل عبر عقد مؤتمرات دورية، ولقاءات مع السفراء وممثلي القنصليات حول العالم لحشد الدعم الدولي وممارسة الضغوط على الاحتلال، الذي يواصل استهداف قضية اللاجئين ويسعى لتقويض دور وكالة "أونروا".