استمع إلى الملخص
- أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على أولوية رفع العقوبات الأميركية عبر التفاوض، بينما تواصل إيران حواراتها مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا لتجاوز العقوبات.
- يرى الخبراء أن موقف خامنئي الصارم جاء رداً على مذكرة ترامب التنفيذية، مع عدم توقع مواجهة عسكرية حالياً، وسط تساؤلات حول ظروف فتح الحوار بين الطرفين.
في تطور مفاجئ عكس التوقعات ببدء التفاوض الإيراني مع أميركا في الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي، الجمعة الماضي، بشكل قاطع، حظر إجراء أي تفاوض مع هذه الإدارة الأميركية، مما أثار تساؤلات حول أسباب موقف خامنئي في رفض التفاوض الإيراني مع أميركا. فيما أكد الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان أن رفع العقوبات الأميركية من خلال التفاوض على سلّم أولوياته. في المقابل، حذّر ترامب القادة الإيرانيين من مغبة "القيام بما يفكرون فيه حالياً"، وحثهم على التوصل إلى صفقة نووية "ستجنب إيران هجوماً إسرائيلياً أو أميركياً واسع النطاق"، خلال مقابلة صحافية. وأكد خامنئي أن التجربة أثبتت أن التفاوض الإيراني مع أميركا "ليس ذكياً ولا مشرّفاً ولا حكيماً"، وأن المفاوضات "لن تحل مشاكل إيران"، مضيفاً في كلمة لدى قادة السلاح الجوي الإيراني أن "التفاوض مع أميركا لا تأثير له في حل مشاكل البلاد، وعلينا أن ندرك هذه الحقيقة بشكل صحيح، يجب ألا يوهمونا بأن الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع تلك الحكومة سيؤدي إلى حل هذه المشكلة أو تلك. لا، لن تحل أي مشكلة عبر التفاوض الإيراني مع أميركا والتجربة الماضية أثبتت هذا الأمر".
ترامب: أود التوصل إلى صفقة مع إيران بدلاً من قصفها بشكل جهنمي
حظر التفاوض الإيراني مع أميركا
حملت تصريحات خامنئي رداً على ما قاله الرئيس الإيراني قبل فترة بأن المرشد قد أجاز التواصل مع الجميع باستثناء الاحتلال الإسرائيلي، إذ أكد المرشد في كلمته الجمعة الماضي، أن "أميركا هي الاستثناء الوحيد" في الحوار مع العالم، قائلاً: "لا أذكر الكيان الصهيوني كاستثناء، لأنه ليس دولة بل عصابة مجرمة مغتصبة للأرض". واللافت أن إعلان خامنئي رفضه "الصارم" للتفاوض مع إدارة ترامب جاء بعد إدلائه بتصريحات نهاية الشهر الماضي، لم يتخذ فيها هذا الموقف، بل ألمح فيها إلى إمكانية عقد صفقة، قائلاً إن "الإنسان إذا ما عرف الطرف الآخر يمكن أن يعقد صفقة، لكن يعلم ماذا يفعل وعلينا أن نعرف ونعلم". وراجت خلال الأيام الأخيرة تقارير غير مؤكدة على وسائل إعلام وشبكات تواصل إيرانية، بأن ترامب وضع جملة شروط للاتفاق مع إيران بشأن برنامجها الصاروخي والتخلي عن دعم حلفائها في المنطقة.
في السياق، قال ترامب، في مقابلة حصرية أجرتها معه صحيفة نيويورك بوست نُشرت أمس الأحد: "أود أن يتم التوصل إلى صفقة مع إيران حول (وضعها) غير النووي. أفضل ذلك على قصفها بشكل جهنمي.. هم لا يريدون الموت. لا أحد يريد الموت". وأضاف: "إذا أبرمنا الصفقة فلن تقصفهم إسرائيل". لكن لم يكشف تفاصيل أي مفاوضات محتملة مع إيران، وقال: "لا أحب أن أفصح لكم عما سأخبرهم به. هذا ليس لطيفاً". وتابع ترامب: "يمكنني أن أخبرهم بما يجب أن أقوله، وآمل أن يقرروا عدم القيام بما يفكرون فيه حالياً. وأعتقد أنهم سيكونون سعداء حقاً"، وأضاف: "سأخبرهم بأنني سأبرم صفقة". وعندما سئل عما سيعرضه على إيران في المقابل، قال: "لا يمكنني قول ذلك لأنه أمر مقرف للغاية. لن أقصفهم".
وفي وقت سابق وقّع ترامب على مذكرة حول استعادة سياسة "الضغط الأقصى" تجاه إيران، معلناً نيته منع طهران من تطوير سلاح نووي. وجددت طهران رفضها لاتهامات ترامب لإيران بتصنيع أسلحة نووية، ووصفتها بـ"الكذبة الكبيرة"، لكنها أبدت استعدادها لمنح الولايات المتحدة "فرصة أخرى" لحل الخلافات بين البلدين، مشيرة مع ذلك إلى أن تجربة الاتفاق النووي أثبتت عدم التزام الولايات المتحدة بتعهداتها. وحذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في وقت سابق من أن مهاجمة إسرائيل والولايات المتحدة لمنشآت نووية إيرانية ستكون من "أكبر الأخطاء"، مؤكداً أن طهران سترد بشكل فوري وحاسم إذا تعرضت مواقعها النووية لهجوم، وهو ما سيؤدي إلى "حرب شاملة" في المنطقة.
غياب ثنائية الحكم في طهران
وحول مآلات التفاوض الإيراني مع أميركا نفى الخبير الإصلاحي الإيراني داود حشمتي وجود "ثنائية" داخل مؤسسات الحكم في طهران بشأن التفاوض الإيراني مع أميركا وقال لـ"العربي الجديد" إن هذه الثنائية موجودة في الإعلام وبين الناشطين السياسيين والمجتمع. وأضاف أن سبب ذلك يعود إلى "معلومات لا يعلم بها المجتمع ووسائل الإعلام"، موضحاً في السياق "أننا لا نعلم بعد بأنه هل قام ترامب بتمرير رسائل وشروط للتفاوض" إلى إيران "تسبّب رد الفعل هذا" من المرشد الإيراني، أو أن ذلك يعود إلى "قيامه بالتوقيع على مذكرة تنفيذية ضد إيران". وأكد حشمتي أنه "أياً كان الدافع لاتخاذ هذا الموقف الصارم، لكن لا توجد ثنائية في نظام الحكم بشأن التفاوض"، لافتاً إلى أن ثمة شواهد وأدلة تنفي ذلك في الوقت الراهن، في مقدمتها تصريحات بزشكيان بشأن عدم تراجع بلاده أمام العقوبات الأميركية وتأكيده الصمود في مواجهة الضغوط، وكذلك موقف وزير الخارجية عباس عراقجي الداعم لتصريحات خامنئي، وتصريحات المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف الداعي إلى المضي قدماً في تطبيق توجيهات المرشد والقائل إن مذكرة ترامب التنفيذية تعني "نزع السلاح عن إيران".
علي موسوي خلخالي: استقالة الرئيس الإيراني غير مطروحة
وأكد عراقجي، مساء أول من السبت، أن رفع العقوبات الأميركية عن إيران "بحاجة إلى التفاوض لكن لا يمكن التفاوض الإيراني مع أميركا تحت سياسة الضغوط القصوى"، مشيراً إلى أنه "لا توجد أرضية لمفاوضات عادلة" مع الولايات المتحدة، وقال إن التفاوض من موقف الضعف "ليس تفاوضاً وإنما استسلام، ونحن لن نجلس على طاولة هذا التفاوض". كما شددت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، مساء السبت، في تغريدة على منصة إكس على أن إيران "لن ترضخ لتفاوض غير مشرّف"، مؤكدة أن "استراتيجية الحكومة هي أن يسمع صوت موحد من إيران والجميع اليوم على علم بالمشكلات ونحن بحاجة إلى الوفاق والتعاون أكثر من أي وقت لتجاوز هذه المشكلات". وأكدت أن الحكومة ستواصل حواراتها مع الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، والتي أجريت ثلاث جولات منها خلال الشهرين الماضيين.
الكلمة الفصل لخامنئي
إلى ذلك، اعتبر الدبلوماسي الإيراني السابق عبد الرضا فرجي راد في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن المرشد الإيراني له كلمة الفصل في السياسة الخارجية، حسب الدستور، مضيفاً أن المسؤولين الإيرانيين أيضاً ينفذون أوامره بشأن هذه السياسة. وأوضح أنه "إذا كانت لديهم آراء مختلفة فيطرحونها ويتم التشاور معهم، لكن القائد هو الذي يفصل في نهاية المطاف"، مشيراً إلى أن قضايا مثل التفاوض تطرح للنقاش في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، والمؤيدون والمعارضون يدلون بآرائهم "وهذه الآراء ترفع إلى القائد وهو من يتخذ القرار النهائي".
وعزا الدبلوماسي الإيراني موقف المرشد من التفاوض الإيراني مع أميركا مع إدارة ترامب إلى إصدار الأخير مذكرة تنفيذية الثلاثاء الماضي ضد إيران، قائلاً إن هذه المذكرة تمثل موقفاً مزدوجاً لترامب في ظل دعوته إلى التفاوض مع طهران، ومؤكداً أن ذلك دفع خامنئي إلى اتخاذ هذا الموقف الصارم والحديث عن أن الإدارة الأميركية غير جديرة بالثقة. وعما إذا كان المرشد الإيراني قد حظر فقط التفاوض المباشر وليس المباحثات غير المباشرة، أكد فرجي راد أن هذا الحظر يشمل الصنفين من التفاوض، مستبعداً أن تكون هناك مفاوضات في الأفق ما لم تغير الإدارة الأميركية مواقفها، ومشيراً إلى أن الطرف الإيراني "يشعر أن الجانب الأميركي بهذا السلوك بصدد فرض إرادته عليه".
ونفى الدبلوماسي السابق أن تكون طهران قد تلقت رسائل من واشنطن دفعتها إلى التشدد في موقفها من التفاوض، معتبراً أن حديث خامنئي أواخر الشهر الماضي بشأن إمكانية عقد صفقة مع أميركا كان بمثابة ضوء أخضر للحكومة في حال "أرسلت أميركا علامات تظهر رغبتها في الوصول إلى صفقة منصفة، لكن بعدما أظهر ترامب أنه بصدد التعامل مع إيران بتنمر من خلال إصداره مذكرته قام القائد بإغلاق باب التفاوض". وراجت دعوات خلال اليومين الأخيرين على شبكات التواصل الاجتماعي الإيرانية لاستقالة الرئيس الإيراني بعد إغلاق باب التفاوض مع أميركا لتطبيق أحد أهم وعوده برفع العقوبات الأميركية. لكن رئيس موقع الدبلوماسية الإيرانية، علي موسوي خلخالي، استبعد قيام الرئيس الإيراني بالاستقالة، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى تصريحاته الداعمة لكلمة خامنئي بشأن رفض التفاوض مع أميركا، مشدّداً على أن "الاستقالة غير مطروحة ومن يطرح ذلك بعيد عن الواقع".
أحمد زيد أبادي: أي اتفاق نووي لا بد أن ينال رضا أميركا وإسرائيل
لا مواجهة عسكرية... راهناً
وبشأن مستقبل الأزمة بين طهران وواشنطن في ظل إقصاء التفاوض بينهما، رأى موسوي خلخالي أنها لا تتجه إلى مواجهة عسكرية في الوقت الراهن، لأن الإدارة الأميركية الحالية "ليست من دعاة الحرب وتسعى إلى خفض التوترات العسكرية"، مضيفاً أن "أبواب التفاوض لم تغلق بالكامل لكن ظروف التفاوض غير مواتية". وأكد أن تصريحات خامنئي جاءت رداً على قيام ترامب بإعادة فرض الضغوط القصوى على إيران، لافتاً إلى أن هذه المذكرة لا تعبّر عن توجه إيجابي تجاه طهران، وهو يتعارض تماماً مع ما أعلنه ترامب عن رغبته في التفاوض. مع ذلك فإن الطرفين الإيراني والأميركي، حسب موسوي خلخالي: "لديهما دافع كافٍ للتفاوض، إذ إن طهران تريد رفع العقوبات ويجب أن ننتظر أنها ماذا ستفعل لتحقيق ذلك، كما أن الإدارة الأميركية أيضاً ترى أن إيران دولة مؤثرة في المنطقة، وتسعى إلى معالجة الملف النووي". وتوقع أن يُفتح باب الحوار في نهاية المطاف "لكن السؤال هو عن أنه متى وفي أي ظروف"، مشيراً إلى وجود "عدم الثقة العميق لدى الطرف الإيراني من نوايا الجانب الأميركي وكل شيء أصبح رهين المستقبل وتطوراته وأنه كيف ستتخذ الخطوات الأولى للتفاوض".
حول ذلك، اعتبر الخبير الإيراني أحمد زيد أبادي، أن أمام إيران مسارين بعد رفضها التفاوض مع الإدارة الأميركية، المسار الأول هو التسريع في حوارها مع أوروبا لدرجة يتمخض عنه اتفاق قبل لجوء الشركاء الأوروبيين إلى استخدام آلية فض النزاع المنصوص عليها في الاتفاق قبل 18 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، حين تنتهي صلاحية استخدام الآلية في هذا اليوم، وبعده لا يمكن لأطراف الاتفاق اللجوء إليها. وعليه أضاف زيد أبادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن اتفاقاً كهذا إن أبرم "لا بد من أن ينال رضا أميركا وإسرائيل لأن الاتحاد الأوروبي لا يجد فائدة في اتفاق يعارضه ترامب وقادة إسرائيل". مع العلم أن تفعيل آلية فض النزاع يعيد فرض العقوبات الدولية والقرارات الدولية على إيران والتي ألغيت بموجب الاتفاق النووي.
أما المسار الثاني، وفق زيد أبادي، فهو اليأس من أوروبا والتوجه نحو تغيير الاستراتيجية النووية، مع الاستعداد لمواجهة جميع تبعاتها بما فيها المواجهة العسكرية، مشيراً إلى أنه إذا تقرر اتخاذ هذا المسار "فلن يكون هناك أي مكان لحماة التفاوض في الحكومة". كما رأى الخبير الإيراني المحافظ علي رضا تقوي نيا أن الأميركيين والإسرائيليين "يسعون إلى الترويج أنه إن لم يكن هناك تفاوض فالخيار البديل هو تفعيل آلية فض النزاع والمواجهة العسكرية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "لديهما قراءة خاطئة بشأن أوضاع إيران، إذ يريان أن الجمهورية الإسلامية قد ضعفت وأنه حان وقت ابتزازها والتفاوض على عناصر قوتها على طاولة التفاوض". ومضى الخبير الإيراني قائلاً: إذا لم تحذر أميركا وإسرائيل في مواقفهما وسلوكهما فالظروف الأمنية في المنطقة ستصبح مختلفة تماماً بوجود إيران النووية.