استمع إلى الملخص
- يعيش إسماعيل في ظروف قاسية، حيث يرتدي نفس الملابس الممزقة منذ عام ويتعرض للضرب والإهانة يومياً، مع نقص في الاحتياجات الأساسية.
- يعبر إسماعيل عن اشتياقه لعائلته ويحاول الحفاظ على صحته النفسية من خلال قراءة القرآن وتعلم العبرية، معتمداً على دعم الأطفال الآخرين.
اعتقل الاحتلال إسماعيل على حاجز "نيتساريم" في 18 نوفمبر 2023
إسماعيل: السجانون يضربوننا ولا يسمحون بالاختلاط مع أطفال القدس
إسماعيل: معي أكثر من عشرة أطفال كلهم من غزة وجلبوا 20 آخرين
ينشر "العربي الجديد" شهادة الأسير القاصر إسماعيل الصيفي المُختطف من غزة لدى الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من عام. ووثّق هذه الشهادة المحاميان خالد محاجنة و(م. أ)، اللذان زارا الأسير الفتى إسماعيل في سجن مجيدو يوم الخميس الماضي. واعتقل الاحتلال إسماعيل أثناء مروره مع أسرته عبر حاجز "نيتساريم" العسكري الذي يفصل جنوب القطاع عن شماله، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ومنذ ذلك الوقت، جرى إخفائه قسراً، حيث تنقّل خلال أول أسبوعين إلى معتقلين عسكريين بالقرب من غزة، ومن ثم نُقِل إلى سجن "مجيدو" شمالي دولة الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 5 ديسمبر/ كانون الأوّل 2023، وأُخفِيَ فيه إلى أن عُرف مصيره بتاريخ 15 يونيو/ حزيران 2024، أي بعد ثمانية أشهر من اعتقاله. وبالرغم من المحاولات القانونيّة الحثيثة على مدار أكثر من ثمانية أشهر للوصول إلى قاصر ومعرفة مصيره، إلا أن إدارة السجون الإسرائيليّة كانت تُماطِل حتى تحديد موعد زيارة له بعد خمسة أشهر من معرفة مصيره، لكن الزيارة تمت فعلياً مساء الخميس 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. والجدير بالذكر أنّ كل الأطفال في سجن مجيدو تصنفهم إسرائيل تحت بند "مقاتلين غير شرعيين".
ووفق شهادة المحاميين خلال الزيارة، دخل إسماعيل مرتدياً بنطالاً رماديّ اللون ممزّقاً وكنزة بيضاء ممزّقة لكثرة ارتدائهما، وفوق الكنزة سترة بلون بنفسجيّ، وهي ملابسه التي لم يغيّرها منذ سنة كاملة، وكان يرافقه ستّة سجّانين يخفون وجوههم بالأقنعة، أربعة يجرّون إسماعيل، واثنان سبقوهم إلى مكان اللقاء. وقال المحاميان إن "المكان عبارة عن غرفة إسمنتيّة يفصل بيننا وبينهم زجاج كاتم للصّوت، ويجرى التواصل عن طريق الهاتف الموصول على الجهتين. كان الطّفل مكبّل اليدين والقدمين، وهنالك حبل طويل يمتدّ واصلًا يديه بقدميه. كان سعيدًا برؤية أشخاص غير الأسرى". وأضاف المحاميان: "قبل أن يباشر الحديث، جرى إعلامه أنّنا أصدقاء خاله أحمد بسيوني، حيث زوّدنا خاله ببعض الذكريات التي ستجعل من إسماعيل يطمئن لهما، حتّى لا يشعر بأنّهما من المخابرات الإسرائيليّة، حيث كانت كلمة السِّر لقبه وهو طفل "سُنْسُن" أو "غيزمو"، في إشارة إلى بطل فيلم كان يشاهده دائمًا وهو طفل. صار يبكي عندما علم ذلك".
هنا تفاصيل الحوار الذي أجراه المحاميان مع الفتى إسماعيل الذي بكى أكثر من مرة عند سماع الأخبار عن مصير عائلته وأقاربه، وروى تفاصيل وظروف الاعتقال المريرة التي عاشها ولا يزال.
- كيف حالك يا إسماعيل، نحن المحاميان خالد محاجنة و م. أ.، صديقان عزيزان لخالك أحمد، وهو يبحث عنك منذ أكثر من سنة، يحاول الوصول إليك، هل أنت بخير؟
يا الله إنّني أنتظر هذه الزيارة منذ مدة، أنا سعيدٌ جداً.. كيف خالي أحمد وأهلي؟ كيف عائلتي؟ هل هم بخير؟
- عائلتك بخير والدتك وإخوتك ينتظرونك في منطقة "مواصي خانيونس وسط غزة"، أخواك إبراهيم ومحمّد يرسلان إليك السّلام ويشتاقان إليك، والدتك زاهرة وإبراهيم يعتذران منك بسبب إصرارهما عليك بمغادرة شمال قطاع غزة إلى الجنوب، أخبرانا أنك كنت متردداً في المغادرة، ويعتقدان أنّهما السبب في اختطافك.
أجاب وهو يبكي: لا بأس، أخبروهما أنّني أسامحهما، هذا ما أراده الله، الحمد لله أنّهم بخير، هذا خبر عظيم، أسرتي لا تزال على قيد الحياة!" مسح دموعه، وأكمل: ماذا عن صديقي يوسف؟ وعمّي ضياء؟ ماذا عن عمّتي رنا ودعاء؟ خالتي فدى؟ جدّتي جميلة؟ هل هم بخير؟
- الجميع بخير لا تقلق. (لم نخبره أنّ عمه الذي يحبه استشهد حتى نحافظ على نفسيّته). الجميع بخير، عمّك ضياء يوجه لك التحايا ويقول لك إنّك بطل وصديقك يوسف غادر إلى مصر للعلاج وكلّ يوم يسأل عنك، أخبرنا خالك أحمد أنّه قام بإعطائك أغراض الكمبيوتر الخاصّة به قبل سفره، هل تذكر؟
انهمرت دموعه وأجاب: يا الله اشتقت لهم، ومتحمّس لرؤيتهم مجدداً، خالي أحمد حبيبي، سلموا عليه.
- كنّا نستدعي الذكريات معه حتى يطمئن ويتأكّد أننا معه. الكل بخير، والكل في انتظارك، الزيارة تأخرت بسبب مصلحة السجون، الآن أخبرنا أنت ماذا حصل معك؟
لا أعرف من أين أبدأ، اعتقلوني أثناء مروري من حاجز "نيتساريم" وسط قطاع غزة بينما كنت أمشي رفقة أمّي وعائلتي، اقتادوني نحو مكان مجاور للحاجز، فيه كاميرات وإضاءة عالية جداً، عرّوني بالكامل، ثم اقتادوني إلى جهة غير معلومة، كانوا يضربونني ويشتمونني طوال الوقت، وصلت إلى مكان أخبروني أنّي في مكان سريّ بالقرب من غزة وأنا هُنا للتحقيق معي بصفتي أسير حرب، سألوني هل أنتمي إلى حماس؟ أو فتح أو جهاد إسلامي؟ أخبرتهم أنّني لا أنتمي إلى أيّ فصيلٍ عسكريّ، ثم سألوني إذا كان أحد من أعمامي أو أقاربي من جهة أمّي ينتمون إلى تنظيمات؟ أجبت بأنّه لا علاقة لنا من قريبٍ أو بعيد بأيّ فصيل سياسيّ، وقلت لهم طالما أنا طفل فماذا تريدون منّي؟ ضربني على ظهري أحد المحقّقين، وقال لي: إنت هون عنا أسير حرب ما في عليك تهمة وممكن تضل عنا ونفتحلك ملف بعد نهاية الحرب. بعد هذا التحقيق، جلبوا لي هذه الملابس التي أرتديها ولم تتغير منذ سنة، ألبسوني ووضعوني مع أسرى آخرين، كنّا معصوبي الأعين، مربّطي الأيدي والأقدام، ووجوهنا للأسفل، كان الكثيرون من حولِنا يُضربون، وأنا صدقًا كنت خائفاً. بقيت في هذا المعتقل أسبوعين، ومن ثمّ نقلوني في أوّل شهر ديسمبر/ كانون الأوّل إلى سجن مجيدو هنا، عرِفت أنّني في شمال البلاد بالقرب من جنين.
- هل وجّهوا إليك تهمة؟ هل قابلك أحد من المحكمة؟
لم يوجّهوا إلي تهمة، كانت هنالك محكمة لي في 23 يونيو/حزيران 2024، كانت محكمة عن طريق الفيديو، أخبروني بأنّه لا تهمة لاعتقالي، وجرى تمديد اعتقالي لفترة غير محدودة، هل من المنطقيّ أن أُسجَن من دون تهمة؟ عرضوني على محكمتين الفترة بينهما ستة أشهر، لكن القرار نفسه، لا تهمة، فقط موجود هنا وفق قانون "مقاتل غير شرعي"، أنا طفل! كيف صرتُ مقاتلًا؟
- لا، إنّه أمر غريب، لكن لا تقلق سنفعل ما بوسعنا حتّى تخرج من هنا. كيف هي ظروف اعتقالك وأوضاعك الصحيّة؟
أعيش في غرفة داخل السجن وكلنا من غزّة، يوجد معي أكثر من عشرة أطفال من غزة، ومساء أمس، جلبوا عشرين طفلًا آخرين من غزّة، كلهم بنفس عمري وهنالك من هو أصغر منّي، نعيش في "خليّة" لوحدنا، رقم الغرفة 7، وهناك غرفة أخرى للأشبال رقمها 4. بالنسبة لملابسنا، فكما ترى، ملابسنا ممزقة ولم نقم بتبديلها منذ أكثر من عام، طلبت منهم فرشاة أسنان أعطوني واحدة وأستخدمها لتنظيف أسناني كلّ يوم، أنام على سريرٍ خاصّ بي ولديّ ثلاثة أغطية استخدمها، هنالك أطفال ينامون على الأرض من دون أغطية، يبدو أنني محظوظ، كنت من أوائل من دخلوا سجن مجيدو، لهذا السبب لديّ سرير. أنا أستحمّ كلّ يوم، لكن لا يوجد أدوات تنظيف خاصّة، يعطوننا كميّات قليلة من الشامبو والصابون، أستخدمها في تنظيف جسدي، وأقص شعري دائمًا، أخاف أن أمرض. ثمّة عدوى موجودة في السجن، اسمها "جرب" أصابتني في منطقة حساسة، لكن الحمد لله سيطرت عليها، ولا داعي للقلق. أمّا بالنسبة لأكلنا، فنأكل في وجبة الفطور طول الوقت لبن، وبالنسبة لوجبة الغذاء يجلبون لنا رزًا بطحينيّة، كميات قليلة لا تكفي لسدّ الجوع، لكنّها تبقينا أحياء، لقد فقدت الكثير من وزني، ونشرب من مياه المرحاض. أحب يوم الاثنين كثيرًا، حيث يكون هذا اليوم هو الأفضل غذائيًا، نفطر صباحًا بيضاً، وعلى الغداء فلافل، وعلى العشاء نأكل رز بطحينيّة. يا الله أحبّ هذا اليوم كثيرًا، بالمناسبة غرفتي تعتبر أفضل غرفة وأنظفها.
- كيف يتعامل معكم السجّانون؟ هل تتعرّضون للضرب والتعنيف؟
طبعاً هنالك ضرب، أولاً، لا يسمحون لنا بالاختلاط مع أطفال القدس والضفة الغربية والداخل، بعدما وصلت إلى هنا، تعرّفت على طفل اسمه "عمر محاجنة" غادر أمس الأربعاء، أخبرني أنّه من أم الفحم، أرجو منك أن توصِّل سلامي له. أمّا بالنسبة لبقية الأطفال، فكلهم من غزة وأسماء من أعرفهم: أحمد سمارة، همام السموني، أحمد خريس، محمد أبو سحلول، محمد العرابيد، فادي شهوان، محمد الشنّي، حسن الجزار، طفل من عائلة أبو سيف، وآخر كان معي في المدرسة من عائلة النجّار، حسب ما أعرف، هنالك أكثر من أربعين طفلًا من غزّة هنا، كلّنا اختطفونا من غزّة بعد السابع من أكتوبر.
يسمحون لنا بالخروج إلى الساحة كل يوم لمدّة نصف ساعة، فهي المدّة المخصّصة للأسرى الغزيّين، وهي مدّة أقل من مدّة بقية الأسرى التي تتجاوز الساعة، وتكون فترة خروجنا هي الأخيرة، حتى لا نقابل أحدًا من الأسرى غير الغزيّين. خلال هذه الفترة في ساعات المساء، نذهب للاستحمام، ونستغلها لقصّ شعرنا وتخفيفه، والمهم أن تعرفوا هنالك مرض منتشر بين الأسرى، لا أعرف ما هو، لكنّ هنالك مرضاً غير الجرب. يأتي السجّانون لعدِّنا ثلاث مرات في اليوم الواحد، يدخلون غرفنا، نجلس على الأرض على هيئة الرّكوع، نضع أيدينا فوق رؤوسنا، ورؤوسنا بين أقدامنا، كلّ يومٍ يدخلون على الأسرى وينهالون عليهم بالضّرب، أمّا اليوم وفي ساعات الصّباح الباكرة، فدخلوا علينا بقنابل الغاز المسيل للدموع من أجل إيقاظنا، هذا العقاب الجماعي شبه يومي، لا أريد أن أحكي غير ذلك، أريد أن أحافظ على علاقة طيّبة مع السجّانين "للنجاة".
يقول المحامون: "إسماعيل دبلوماسيّ جدًا وذكي، وهو مطمئن. بينما كان يتحدّث معنا، قال له أحد السجّانين هيّا أسرع، الزيارة على وشك أن تنتهي، التفّ على السجّان، وقال بتهكّم: اصبر قليلًا ما بك مستعجل؟ أنا هنا منذ أكثر من سنة، أعطِني كم دقيقة فقط، ثم التفت إلينا".
- أكمل يا إسماعيل
التعامل معنا يختلف عن تعامل بقيّة الأسرى، الإهانة دائمًا حاضرة، يضربون الجميع على الوجه والظهر، دائمًا يدخلون لضربنا وشتمنا، أنا أحاول أن أحافظ على نفسي وطاقتي وصحّتي، لا أريد لهم أن ينهالوا عليّ بالضّرب، إلّا أنّني أتعرّض للضرب رفقة الأطفال، وفي نفس الوقت نحاول أن نحمي أنفسنا، في النهاية نحن أطفال ولا طاقة لنا، لكن ضربهم لنا مقتصر على الصفع على الوجه والظهر، وعندما يدخلون، يُمنع علينا رفع رؤوسنا عن الأرض. هذا هو التعامل اليومي، حتّى صار بالنسبة لنا أمرًا مقبولًا، لأنّه جزء من الواقع، ويتعاملون معنا بقذارة.
- كيف تقضي وقتك هنا؟
أقرأ القرآن، وأتعلّم العبريّة، وألعب قليلًا مع رفقائي في الغرفة، نحن الغزيّون ندعم بعضنا بعضاً هنا، نسند بعضنا ونستمع لبعض لتجاوز الضغط الذين نعيشه. هذه البلوزة التي أرتديها أخذتها من صديق لي في السجن، وصديقي استعارها من صديقنا الثالث، تبادلنا الملابس حتّى أظهر بهذا الشكل اللائق أمامكم نوعًا ما.
- قاطعه السجّان وأخبرنا أنّ الزيارة انتهت، يقول المحامون في شهادتهم.
أخبروا إخوتي أنني أحبهم وأشتاق إليهم جدًا، قولوا لأمّي أن تكون من الصابرين وأنّي بخير، وبإذن الله دياب أخي شهيد عند الله، وأرسلوا تحياتي وحبي وأشواقي لكل العائلة، ولصديقي العزيز يوسف عوّاد، وسلّموا على عمّاتي، وعلى خالي أحمد وخالتي وجدّتي، أحبّهم جدًا.
وآخر جملة قالها: "سأعيش على تفاصيل هذه الزيارة"، ثم غادرنا بابتسامة عجيبة، يضيف المحامون.