حيلة الاستفتاء في تونس: انقلاب آخر على المؤسسات

حيلة الاستفتاء في تونس: انقلاب آخر على المؤسسات

25 أكتوبر 2021
خلال تظاهرة مناهضة لقرارات سعيّد بالعاصمة تونس (شاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

مع بقاء الوضع التونسي تحت وطأة التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد منذ 25 يوليو/تموز الماضي، وتبعها بقرارات أخرى منح بموجبها نفسه سلطات تنفيذية وتشريعية واسعة، تتزايد المخاوف من استغلال سعيّد الوضع القائم للذهاب نحو إجراء استفتاء لتعديل الدستور وتغيير نظام الحكم والقانون الانتخابي، بوسائل يصفها البعض باللادستورية، وذلك مع استغلال المزاج الشعبي المساند في جزء منه للرئيس.
وتنطلق المخاوف من أن سعيّد علّق عمل البرلمان ومنح الاختصاص التشريعي لنفسه، عبر الأمر الرئاسي رقم 117 الذي أصدره في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بعدما أعطى نفسه صلاحية الإشراف على السلطة التنفيذية، وعيّن حكومة من دون مصادقة مجلس النواب، لتصبح كل السلطات فعلياً في يده. في المقابل، لا يسمح دستور 2014 بإجراء استفتاء في ظل تجميد عمل البرلمان، فهو لم يكرس الاستفتاء المباشر، ولا يمكّن رئيس الجمهورية من التوجه مباشرة لسؤال الشعب، بل يفرض تدخّل البرلمان بالموافقة على النص التشريعي أو التعديل الدستوري قبل عرضه من قبل الرئيس على الاستفتاء. كما يشير البعض إلى أن أي استفتاء على الدستور يجب أن تسبقه مناقشات ومداولات بين مختلف الأطراف المعنية، في وقت يطرح سعيّد إجراء حوار مع الشباب يقول إنه سيكون مختلفاً عن التجارب السابقة، وسيستبعد منه من يقول إنه "استولى على أموال الشعب أو باع ذمّته إلى الخارج".

لا يسمح دستور 2014 بإجراء استفتاء في ظل تجميد عمل البرلمان

مقابل ذلك، يستند الخبراء المساندون لتوجّه الرئيس بإمكانية إجراء استفتاء من دون العودة إلى مجلس النواب، إلى أن البرلمان تم تعليقه بموجب التدابير الاستثنائية، باعتباره من "أسباب الخطر الداهم"، بحسب تعبير سعيّد، وبالتالي يمكن العودة إلى الشعب صاحب السيادة لاستفتائه، مؤكدين أنه في حال تعارض النص الدستوري مع الإرادة العامة يتم تسبيق الإرادة العامة على النص.

وفي جديد هذا الملف، كلّف سعيّد، يوم الجمعة الماضي، وزارة تكنولوجيات الاتصال، بإحداث "منصات للتواصل الافتراضي في كل المعتمديات في أقرب الآجال، لتمكين الشباب خصوصاً، وكافة فئات الشعب التونسي عموماً، من المشاركة في حوار وطني حقيقي، عبر عرض مقترحاتهم وتصوراتهم في كافة المجالات". وقال سعيّد، خلال لقائه وزير الاتصال نزار بن ناجي، إن "هذا الحوار سيكون نوعاً جديداً من الاستفتاء، ولن يكون استفتاءً بالمعنى التقليدي، إذ سيتم الاستماع إلى مقترحات الشعب التونسي في كل المجالات". وأكد "ضرورة إشراك كل التونسيين في الداخل والخارج في هذا الحوار الوطني والاستماع إليهم والإنصات إلى مطالبهم، إضافة إلى اجتماعات في كل معتمدية بين الأطراف المعنية، ثم يتم تجميع وتوليف المقترحات الصادرة من الشعب". وفسر أن "التصور العام لما سيحصل هو أنه نوع من الاستمارة، وسيصدر كل ذلك في أمر رئاسي" ثم يتم جمع المقترحات المتعلقة بالنظام السياسي والدستور والنظام الانتخابي "وسنعمل أن يكون ذلك في وقت قياسي، نريد اختصار المسافة في التاريخ لنصنع تاريخاً جديداً". وتابع "ثم يمكن المرور إثر ذلك إلى الاستفتاء التقليدي الذي يجب أن يكون محاطاً بكل الضمانات ليحقق إرادة الشعب ولا يكون أداة للدكتاتورية المقنعة"، بحسب توصيفه.

ويستند تنظيم الاستفتاءات في تونس إلى دستور 2014، وينظّمها القانون الأساسي للانتخابات والاستفتاء، إذ ينصّ الفصل 3 من الدستور على أن "الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات، يمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين أو عبر الاستفتاء"، وقد أبقى سعيّد على هذا البند خلال إعلانه تعليق الدستور بمقتضى الأمر الرئاسي 117، في 22 سبتمبر الماضي، الذي برر الرئيس استخدامه في إطار البند 80 من الدستور. في مقابل ذلك، تم تعليق البند 50 الذي ينظم باب السلطة التشريعية وعمل البرلمان، والذي ينص على أنه "يمارس الشعب السلطة التشريعية عبر ممثليه بمجلس نواب الشعب أو عن طريق الاستفتاء". وسحب سعيّد صلاحيات البرلمان التشريعية، ومنح نفسه هذا الاختصاص، بمقتضى الأمر 117 الذي ينص على أن "إصدار النصوص ذات الصبغة التشريعية يتمّ في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية، ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي، وذلك بعد مداولة مجلس الوزراء". وعلى الرغم من تعارض الأمر الرئاسي مع الدستور، فإن سعيّد لطالما أجاب معارضيه بأنه لم ينقلب على الدستور، بل إنه يتحرك في إطاره، مستنداً بالأساس على البند 80 منه الذي يمكّنه من اتخاذ التدابير التي يراها في إطار الحالة الاستثنائية.

وتعليقاً على ذلك، قالت أستاذة القانون الدستوري، سلسبيل القليبي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "دستور 2014 لم يكرس الاستفتاء المباشر ولا يتضمّن أي إمكانية لذلك، والدستور لا يمكّن رئيس الجمهورية من التوجه مباشرة لسؤال الشعب، بل يفرض تدخّل المجلس بالموافقة على النص التشريعي أو تعديل الدستور قبل عرضه من قبل الرئيس على الاستفتاء". وبيّنت أن "الفصل 80 لا يعتبر سنداً دستورياً لإجراء استفتاء مباشر"، مؤكدة أن "هذا الفصل لم يتحدث عن الاستفتاء وليس موضوعه أصلاً، بل ينظّم السلطة بطريقة استثنائية خصوصاً من أجل الدفاع عن الدولة".

القليبي: الفصل 80 لا يعتبر سنداً دستورياً لإجراء استفتاء مباشر

وفسرت القليبي مخاوف الأحزاب والنخب من اللجوء إلى الاستفتاء والتحذيرات من ذلك، بالقول "صحيح أن الاستفتاء يعتبر من أهم تجليات الممارسة الديمقراطية، لأن بمقتضاه يعبّر الشعب عن إرادته الحرة في مسألة معينة، ولكن المشكلة تكمن في طبيعة المسألة والسؤال، فإن كان هذا السؤال دقيقاً لا يحتمل التأويل، تكون فيه الإجابة واضحة، بنعم أو لا، كأن نسأل بوضوح هل المواطن مع إجبارية التلقيح أم لا". واستدركت: "مخاطر طرح الاستفتاء على تعديل الدستور بنعم أو لا، تكمن في عدم وضوح السؤال، فالدستور يتضمن فصولاً تدعم الديمقراطية وتضمن الحقوق والحريات ونظاماً معتدلاً، في مقابل وجود فصول أخرى تحتاج لتعديل، وفي هذه الحالة لا يمكن الإجابة بشكل قطعي، لأن الدستور يتضمن إيجابيات وسلبيات".

وشددت على أن "الفرق بين الاستفتاء ومصادقة المجلس النيابي على الدستور، شاسع جداً، لأن عملية المصادقة على النسخة النهائية من الدستور في البرلمان تكون سبقتها ثلاث سنوات من العمل بين مناقشات ومداولات علنية، فضلاً عن التصويت على الدستور فصلاً فصلاً، بينما على عكس ذلك، ففي الاستفتاء لا يتم التداول والنقاش، بل تسبق التصويت حملة للتأثير، على غرار الحملات الانتخابية". وأضافت أنه في الاستفتاء المباشر "لا يختار الشعب السؤال المطروح عليه، لأنه لا يملك ما يسمى بالمبادرة الشعبية، وبالتالي من بيده زمام الأمور هو من سيطرح السؤال، ويحدد صياغته وطريقة طرحه".

وأكدت القليبي أن "الديمقراطية لا يمكن اختزالها في التصويت، فصحيح أن التصويت مهم، لكن عندما يكرس إرادة الشعب، وعندما يكون مسبوقاً بمداولات ومناقشات لتبادل وجهات النظر في فضاء مفتوح، بحضور ممثلين عن كل الأطراف، وبأن يدلي الجميع بدلوه، ويحاول كل طرف إقناع الآخر بوجهة نظره وموقفه".

وفي السياق نفسه، اعتبر رئيس "الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية"، شاكر الحوكي، أن "اللجوء إلى الاستفتاء أو جمع تواقيع عدد من نواب البرلمان المجمّد لتمرير التعديلات المزمع إدخالها على دستور 2014، أمور باطلة دستورياً، باعتبار أن مسألة الاستفتاء مسألة دستورية أساساً". وأضاف، في تصريح صحافي "أن دستور 2014 لا يسمح بإجراء الاستفتاء في ظل تجميد عمل البرلمان وعدم عودته للعمل الطبيعي"، مضيفاً أن "الذهاب في هذه الخطوة يعد انقلاباً وخروجاً عن الشرعية إذا أراد رئيس الدولة فعلاً اللجوء إلى الاستفتاء من داخل مضامين دستور 2014".

البوغمامي: الاستفتاء خارج الأطر القانونية هو تعسف

من جهته، قال المحلل السياسي أيمن البوغانمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الاستفتاء يمكن أن يكون آلية ديمقراطية شرط أن يكون مؤطراً قانونياً، بمعنى أن الاستفتاء خارج الأطر القانونية هو تعسف، وهذا ما أجمع عليه التونسيون بين 2011 و2013 عندما قالوا إن الدستور لا يجب أن يمرر بقوة الأغلبية على حساب الأقلية، بل أن يكون محل توافق، لأن الاستفتاء تعبير عن غلبة الأغلبية على حساب الأقلية". واعتبر أن هناك "وعياً بشأن ذلك لدى التونسيين ليس بالجديد، فمشاكل الاستفتاء في العالم معروفة، ففي فرنسا يسمى بالمنطق البونابرتي (نسبة لنابليون بونابرت) أو المنطق القيصري الذي يعتمده القائد للمرور فوق رؤوس النخب بعد انتصارات عسكرية حققت له الشعبية".

وتابع أن "المصوتين لا يجيبون على السؤال، بل يتفاعلون مع شعبية القائد، وبالتالي لا يصبح موضوع التصويت هو السؤال بل السائل، وهو الإشكال الذي نتخوف منه في حالة تمرير مقترح تعديل الدستور، أو وضع دستور آخر من دون حوار أو تشاور مع النخب الرئيسة في البلاد". وشدد على أن "النخب تعلم جيداً مخاطر ذلك ولم تُخفِ توجسها، ولكن هناك جزءاً صغيراً من النخب لا يتجرأون على قول ذلك لأسباب عدة". وشدد على أن "هناك مساراً دستورياً يجب احترامه، على غرار عرض الاستفتاء على المحكمة الدستورية للبت في دستورية التعديل أو المقترح".

وكان النائب المستقيل من حركة "لنهضة" سمير ديلو، قال في تصريح إذاعي سابق، إنه "ليس ضد تغيير الدستور، لكن الإشكال يكمن في كيفية القيام بذلك"، مضيفاً "إن كان الأمر سيستقرّ على الاستفتاء الذي يعتبر رجوعاً للشعب، فهذا يتطلب شروطاً وأهمها أن يحترم الاستفتاء الدستور والأجسام الوسيطة (الأحزاب والجمعيات والمنظمات) وأن يضمن الشفافية". وحذّر من أن ''الاستفتاء قد يتحوّل إلى عملية تحايل، في حال عدم مراعاة هذه الشروط".

تقارير عربية
التحديثات الحية

المساهمون