حوار القاهرة: مصالحة فلسطينية تستثني القضايا الرئيسية

حوار القاهرة: مصالحة فلسطينية تستثني القضايا الرئيسية

11 فبراير 2021
يمهد اتفاق الفصائل الطريق أمام إجراء الانتخابات (محمد عبد/ فرانس برس)
+ الخط -

على غير عادة الفصائل الفلسطينية، فقد نجحت في الحوار الوطني الذي عقد لمدة 48 ساعة في القاهرة، وخرجت ببيان مشترك من 15 نقطة، مهّد الطريق أمام إجراء انتخابات المجلس التشريعي، التي أجريت آخر مرة قبل 15 سنة.
ولأن الملفات الفلسطينية ثقيلة، سياسياً وأمنياً، بسبب الانقسام السياسي الذي تجذر منذ 2007 وحتى الآن بين طرفي الانقسام، حركة "فتح" التي تسيطر على الضفة الغربية، وحركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، تم تأجيل ملفات مهمة حتى الشهر المقبل، على أمل أن يتفق الطرفان، اللذان عملا بجد طوال الأشهر الماضية للوصول إلى إنجاح الحوار الذي عقد تحت رعاية المخابرات المصرية، وفي مقرها بالقاهرة.
ورغم الإعلان عن نجاح الحوار الوطني، إلا أن البيان المشترك لم يحظ بإجماع الفصائل الأربعة عشر المجتمعة، حيث تحفظت عليه "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". وأما بالنسبة للانتخابات، فإنه من الواضح أن مشاركة جميع الفصائل في الحوار لا تعني مشاركتها لاحقاً في الانتخابات، إذ قررت حركة "الجهاد الإسلامي" عدم المشاركة في انتخابات "مسقوفة باتفاق أوسلو، الذي أهدر حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته"، بحسب بيانها الذي وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة منه. ولم تقرر "الجبهة الشعبية" المشاركة في الانتخابات من عدمه حتى الآن.
ويرى سياسيون أن رغبة "فتح" و"حماس" في إنجاح الحوار بأي ثمن دفعتهما لتأجيل ملفات سياسية إشكالية معقدة لمناقشتها لاحقاً، مثل الانقسام وإصلاح منظمة التحرير، في إصرار على المضي إلى الأمام، على الرغم مما تحمله من ملفات ملغومة قابلة للانفجار بأية لحظة، والعودة إلى المربع الأول. ويؤكد قانونيون أن بيان الفصائل لم ينجح في إزالة الألغام القانونية من الطريق، بل عمل على تسكينها ليس أكثر، دون أي ضمانات قانونية حقيقية.

أصرت "الجبهة الشعبية" على عقد اجتماع آخر في مارس

ومن أبرز النقاط في البيان المشترك الالتزام بالجدول الزمني الذي حدده مرسوم الانتخابات التشريعية والرئاسية، مع التأكيد على إجرائها في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة دون استثناء، والتعهد باحترام النتائج وقبولها. وكان عباس قد أصدر، في الخامس من يناير/ كانون الثاني الماضي، عدداً من المراسيم حددت مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية في مايو/ أيار المقبل، تليها انتخابات الرئاسة في يوليو/ تموز المقبل، ثم انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في أغسطس/ آب المقبل. كذلك يتمسّك البيان بضمان حيادية الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة وعدم تدخلها في الانتخابات أو الدعاية الانتخابية لأي طرف. وتتولى الشرطة الفلسطينية (دون غيرها) في الضفة وغزة بزيها الرسمي تأمين مقار الانتخابات، ويكون وجودها وفقاً للقانون. كذلك اتفق المجتمعون على إطلاق الحريات العامة وإشاعة أجواء الحرية السياسية، والإفراج الفوري عن كل المعتقلين على خلفية فصائلية أو لأسباب تتعلّق بحرية الرأي.
ويقول القيادي في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" عمر شحادة، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لقد تحفظت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على عدم تضمين البيان موقفاً واضحاً بالتمسك بقرارات المجلسين، الوطني والمركزي، التي تتحلل من اتفاقية أوسلو". ويضيف "في الوقت نفسه يمكن القول إنه من أجل استكمال الوصول للأهداف المرجوة، كما تراها الجبهة، في عقد مجلس وطني جديد على أساس استراتيجية وطنية جديدة تقوم على المقاومة لأننا في مرحلة التحرر الوطني، فقد أصرت الجبهة على عقد اجتماع آخر في مارس/ آذار المقبل، من أجل تحصين الموقف السياسي، وصولاً لعقد مجلس وطني جديد، باعتباره المرجعية العليا للشعب الفلسطيني". ويتابع "ناضلت الجبهة من أجل أن يجرى علاج تحفظ الجبهة الشعبية بالبعد السياسي والتنظيمي والنضالي، وارتباطاً برؤيتنا للمرحلة بأنها مرحلة تحرر وطني. والاجتماع المقرر الشهر المقبل تم بناء على مطالبة من الجبهة وغيرها من الفصائل بضرورة عقده من أجل ضمان وصول الانتخابات والحوارات إلى أهدافها المرجوة بعقد مجلس وطني جديد، في إطار استراتيجية وطنية جديدة". وحول قرار "الجبهة الشعبية" المشاركة في الانتخابات من عدمه، يوضح شحادة أن "الجبهة لم تتخذ قراراً بالمشاركة أو المقاطعة حتى الآن، لأن هذا الأمر مرتبط بقرار مؤسساتها التي ستُقيّم حوار القاهرة ونتائجه بما في ذلك اجتماع آذار المقبل".

ويرى أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" وعرّاب حوار القاهرة جبريل الرجوب، في تصريحاته من القاهرة لتلفزيون فلسطين الرسمي أمس الأول، أن "العملية الديمقراطية ستنهي الانقسام". وقال "اليوم (الثلاثاء) طوينا الانقسام، وسنستبدله بروح المحبة والصدق في التعامل مع بعضنا البعض. ونحن كفلسطينيين بوحدتنا وبعمقنا العربي سنصل لإقامة دولتنا الفلسطينية بعاصمتها القدس، مرتكزة على الوحدة وسياستنا المقرة بقرارات الشرعية الدولية، وبوحدتنا سنحاصر الاحتلال ونحاصر (بنيامين) نتنياهو وحكومته الفاشية".
لكن الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين يرى أن "حوار القاهرة قام بتأجيل القضية الأهم، والتي عبرت عنها النقطة العاشرة في البيان، والتي نصت على تشكيل لجنة بالتوافق، تقدم تقريرها للرئيس، الذي يحيله لحكومة ما بعد انتخابات المجلس التشريعي للتنفيذ لمعالجة إفرازات وترسبات الانقسام. أي أن الانقسام برمته، الذي من المفترض أن تكون الانتخابات مدخلاً لإنهائه تم تأجيله إلى ما بعد الانتخابات، وهذا هو اللغم الأكبر". 

عصام عابدين: بيان القاهرة لم ينجح في إزالة أي لغم قضائي
 

ويقول شاهين، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "ما هي إفرازات وترسبات الانقسام؟ في الواقع هي وجود مؤسسات لسلطتين، في الضفة الغربية تسيطر عليها حركة فتح، وفي قطاع غزة تسيطر عليها حركة حماس. هذا الواقع سوف يبقى قائماً إلى ما بعد تشكيل الحكومة بعد الانتخابات. وهنا الخطر الأكبر الذي يتهدد الانتخابات، والذي لا تتوفر ضمانات بأن الانتخابات ستؤدي إلى إنهاء هذه الحالة، لأنها ستبقى مؤجلة". ويوضح "ربما تكون هذه الثغرة الكبرى في حوار القاهرة والبيان الذي صدر عنه، والذي يشير إلى أن هناك توجهاً لذات المنحى الذي حكم حالة حوارات المصالحة طيلة السنوات الماضية، والذي يقوم على تأجيل الملفات الشائكة والخلافية، وترحيلها إلى فترات لاحقة، وهو السبب الذي أدى إلى استمرار الانقسام. نحن أمام مشهد مكرر". ويعتبر أن "هذه الانتخابات ستؤدي إلى نظام من الهيمنة والمحاصصة بين طرفي الانقسام، فتح وحماس، وستضمن الانتخابات استمرار الوضع القائم، ليس أكثر".
أما على الصعيد القانوني فلا يبدو المشهد أقل تعقيداً، وتغذيه الاعتصامات والاحتجاجات اليومية لنقابة المحامين الفلسطينيين المستمرة منذ نحو شهر، ضد قيام عباس بإصدار قرار بقانون، عدل بموجبه قانون السلطة القضائية، لإحكام قبضته عليها، كما أكدت نقابة المحامين أكثر من مرة. ويرى  المختص في الشؤون القانونية والحقوقية المحامي عصام عابدين أن "المراسيم التي أصدرها عباس لها قوة القانون، وهي أعلى وأقوى من البيان الذي صدر عن حوار الفصائل في القاهرة". ويعتبر، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "بيان القاهرة لم ينجح بإزالة أي لغم قضائي. كل ما جرى هو تقاسم حصص على حساب عدالة القضاء ونزاهته".
ويتابع عابدين أن "مجلس القضاء الأعلى، الذي جاء بقوة السلطة التنفيذية، برئيسه القاضي عيسى أبو شرار، الذي تطالبه الاعتصامات اليومية للمحامين بالرحيل بسبب وجوده غير الشرعي ما زال موجوداً". ويتساءل "كيف ستعزز الحريات والسلطة التنفيذية تفرض أجواء بوليسية على القضاء؟".
ونصّت النقطة الرابعة، في بيان القاهرة، على أنه "تُشكل محكمة قضايا الانتخابات بالتوافق مع قضاة من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وتتولى هذه المحكمة حصراً دون غيرها من الجهات القضائية متابعة كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية والقضايا الناشئة عنها... إلخ". وهدفت هذه النقطة لإبعاد شبح المحكمة الدستورية عن العملية الانتخابية، لأنها محكمة تم تعيين قضاتها من عباس لأهداف سياسية، وقامت بحل المجلس التشريعي السابق بقرار في عام 2018. وحول هذا الأمر، يقول عابدين "هذا لا يغير من حقيقة وجود مجلس قضاء أعلى جاء بناء على السلطة التنفيذية، ويسلط سيف التقاعد القسري على القضاة الذين لا يخضعون لأوامره، ولا يغير من حقيقة وجود محكمة دستورية تم تشكيلها لأهداف سياسية. لكن الجديد هو أن عباس يقدم ضماناً، وكأنه يقول للمحكمة الدستورية ومجلس القضاء الأعلى ألا يفعلا أي شيء. هذا ما حصل. لكن فعلياً لا يوجد ما يمنع أي مواطن أو محامٍ من أن يقدم طعناً يتعلق بالانتخابات أمام المحكمة الدستورية والمحاكم الأخرى، لا سيما الإدارية التي شكلها عباس قبل أربعة أيام من مرسوم الانتخابات. وحينها من السهل أن تقول السلطة التنفيذية إننا لسنا من قدم هذا الطعن".

تقارير عربية
التحديثات الحية