استمع إلى الملخص
- يؤكد الناشطون المدنيون على أهمية العدالة الانتقالية كمقدمة لمصالحة وطنية شاملة، محذرين من تجاهل حقوق المتضررين، ويدعون لتفعيل المحاكم العادلة ومحاكمات علنية لرموز النظام السابق.
- تسعى الجلسات الحوارية للتشارك مع ذوي الضحايا وناشطين لتكوين رؤية مشتركة حول مسار العدالة الانتقالية، مع التركيز على المحاسبة والحقوق الفردية والاعتراف كخطوة نحو المصالحة.
أطلقت "رابطة المحامين السوريين الأحرار" حملات حوارية في عدد من المحافظات السورية، تهدف إلى وضع آليات تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وفق حوار وطني يشمل ممثلين عن معظم مكونات الشعب السوري، ويسعى لتكوين رؤية شاملة، ومسودة توصيات لتقديمها في مؤتمر العدالة الانتقالية، المزمع عقده في دمشق في 17 من الشهر الحالي.
وبعد جلسة حوارية مطولة شهدها المركز الثقافي في مدينة حمص (وسط سورية) الأسبوع الماضي، شارك فيها عدد من الإعلاميين والممثلين، وفي مقدمهم الفنان السوري مكسيم خليل، عُقدت في السويداء (جنوباً) يوم أمس الاثنين جلسة حوارية بالتعاون مع "الحركة الشبابية السياسية"، وحضور ممثلين عن المجتمع المدني والفصائل المسلحة، حيث شهدت الجلسة حواراً جاداً ونقاشاً حاداً حول سردية الحقيقة، ومن يمثلها، وهل هي سردية المنتصر، أم أن العدالة الانتقالية هي حقوق جميع الأطراف والمكونات بغض النظر عن التقسيمات المتعارف عليها في زمن النظام المخلوع.
وفي السياق، يقول الناشط المدني عمر المحيثاوي لـ"العربي الجديد"، إن "العدالة الانتقالية هي المقدمة اللازمة لمصالحة وطنية شاملة بين مكونات المجتمع السوري، وأي محاولة لتخطي حقوق المتضررين من الأحداث السورية، ومنذ بداية الثورة عام 2011، هو بمثابة القفز عن المشكلة، وتأجيل الحل السوري، بل هو الوقود اللازم لإشعال حرب أهلية".
ويشير المحيثاوي، الذي شارك في الجلسة التي عُقدت في السويداء، إلى أن "على المنظمات الحقوقية والقضاء والحكومة المؤقتة أن تسعى جاهدةً لتفعيل المحاكم العادلة، والضابطة العدلية، والبدء بمحاكمات علنية لرموز النظام السابق، وللأفراد الذين تلطخت أياديهم بالدم السوري". ويرى في هذا الحوار الذي تبنته "رابطة المحامين السوريين الأحرار"، والتوصيات الناتجة منه للمؤتمر العام المزمع عقده في دمشق، خطوة رئيسية ومهمة في طريق الضغط لتحقيق العدالة الانتقالية.
من جهته، يشير ممثل نقابة محامي حمص المركزية المحامي عمار عز الدين، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذه الجلسات الحوارية تهدف إلى التشارك مع ذوي الضحايا من جميع الأطراف، ومع ناشطين مدنيين وإعلاميين وحقوقيين وممثلين عن مكونات الشعب السوري، من أجل تكوين رؤية مشتركة حول مسار العدالة الانتقالية". ويضيف: "نحن في مشاركتنا هنا في السويداء، وبعد حوار مطوّل مع عدد من النشطاء والحقوقيين، وضحايا النظام البائد من معتقلين وذويهم، خرجنا بتوصيات ورؤى تصب في هدف العدالة الانتقالية، وشكل هذه العدالة وطرق تطبيقها، لتُضاف إلى باقي التوصيات في معظم المحافظات السورية، من أجل الدراسة والتحضير للمؤتمر العام". ويلفت إلى أن نقابة المحامين المركزية، ورابطة المحامين السوريين الأحرار، وعدداً كبيراً من منظمات المجتمع المدني، تسعى من خلال هذا الحوار، ومن المؤتمر الختامي، للخروج بورقة قانونية، توضع في عهدة وزارة العدل، وتمثل رؤية السوريين لمسار العدالة الانتقالية.
وتساءل الناشطون المدنيون في حوارهم عن "حدود المحاسبة، والحقوق الفردية، وما دور العدالة الانتقالية في محاسبة رموز الفساد، وهل يُمكن المسامحة مع سارقي قوت الناس من مديري دوائر وأقسام فاسدين، وكيف يُمكن محاكمة الركائز الاقتصادية للنظام البائد، خصوصاً أن الواقع الحالي يُظهر إعادة تدوير للعديد من رموز الفساد". بينما اتجه البعض من المحاورين للمطالبة بتعويض معنوي عن السنوات التي قضاها في المعتقلات، وعن العقبات والضغوط التي واجهت أسرهم خلال سنوات الاعتقال.
وفي السياق، يتساءل الناشط المدني عمر صبرا، في حديثه مع "العربي الجديد"، عمّن يعيد له السنوات التي قضاها بين الملاحقة والاعتقال، وعن دراسته التي حُرمها، مؤكداً أن "للتسامح حدوداً، وقد يبدأ من اعتراف الطرف الآخر بالجريمة، أو المشاركة، أو السكوت عن الجريمة في حد أدنى، وقبوله بالمحاسبة والعدالة"، مضيفاً أن "هذا الاعتراف والاعتذار قد يكون المقدمة اللازمة للمصالحة الاجتماعية والسلم الأهلي".
إلى ذلك، يقول المدير التنفيذي لـ"رابطة المحامين السوريين الأحرار" المحامي سامر الضيعي، إنه "بعد انتصار الثورة وسقوط النظام، دخلنا في مرحلة انتقالية جديدة، تهدف إلى بناء الدولة وترميمها والاستقرار، وتحمل معها إرثاً كبيراً من الانتهاكات التي ستقف عائقاً في وجه المصالحة الاجتماعية والسلم الأهلي". ويضيف لـ"العربي الجديد": "علينا أن نضع خريطة طريق لأجل توصيف هذه الانتهاكات والجرائم ضمن الحفاظ على السلم الأهلي، الذي يبدأ من منح حقوق الضحايا، من خلال المحاسبة، ومن خلال تأهيل المجتمع السوري للقبول بالعدالة الانتقالية، ومن ثم المصالحة"، مشيراً إلى أن "العدالة الاجتماعية هي إظهار الحقيقة أولاً والمحاسبة، وهذا لا يعني القبول بسردية المنتصر فقط، بل قراءة واسعة لجميع السرديات وفي كل المحافظات، ومن جميع مكونات المجتمع السوري".
ومن المقرر أن تُعقد في سورية خلال الأيام القليلة التي تسبق المؤتمر العام للعدالة الانتقالية العديد من الجلسات المماثلة، حيث ستستضيف كل من مدينة صافيتا بريف طرطوس، ومركز محافظة اللاذقية جلستين، فيما يجري التنسيق لعقد مزيد من الجلسات قبل موعد المؤتمر.