"حماس وتحديات النظام الإقليمي الجديد: ما العمل؟"

27 يناير 2025
لحظة إعلان وقف إطلاق النار في غزة، خانيونس 15 /1 /2025 (بشار طالب/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه حركة حماس تحديات كبيرة في ظل إعادة تشكيل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، مما يتطلب تطوير رؤية واضحة لموقعها وموقع القضية الفلسطينية ضمن التحالفات المتغيرة، مع التركيز على تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.

- تعاني حماس من ضعف الدعم العربي، حيث تقتصر الدول العربية غالبًا على البيانات الدبلوماسية، مما يبرز أهمية تصحيح تصورات حماس حول الدعم الإقليمي، مع بعض الأمل في التحركات الدبلوماسية القطرية والجزائرية وتفاعل الشارع العربي.

- تحتاج حماس إلى توسيع تحالفاتها الدولية وتطوير خطابها التحرري لتشكيل ائتلاف عالمي لدعم فلسطين، مع تشجيع الصين على لعب دور سياسي أكبر، مما قد يساهم في تآكل مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية.

يطرح التوصل إلى اتّفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في قطاع غزّة، بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية حماس (15/1/2025)، تساؤلاتٍ عديدةً بشأن سياسات الأخيرة في المرحلة المقبلة، وكيفية إدراكها تحديات ما بعد هذا الاتّفاق، سواء على الصعيد الداخلي أم الخارجي. في إطار تحليل رؤية حماس للتطورات في إقليم الشرق الأوسط، بعد 470 يومًا من حرب الإبادة على قطاع غزّة، واستكشاف كيفية تعامل حماس مع تحديات النظام الإقليمي (الجاري إعادة تشكيله حاليًّا، على قدمٍ وساق)، ثمة خمس ملاحظات هي:

التحدي الأول؛ ضرورة تطوير رؤية حماس لموقعها (وموقع قضية فلسطين عمومًا)، من النظام الإقليمي الجديد، وتحالفاته وتفاعلاته المتغيّرة، التي قد تعطي وزنًا أكبر لفكرة دعم "الدولة الوطنية" وترسيخ مؤسساتها، كما تجلّى مؤخرًا في تطورات الساحتين اللبنانية والسورية، ما يعني احتمال تقلّص مساحة المناورة أمام حماس، وفصائل المقاومة الفلسطينية إجمالًا، ما يستوجب أن تضغط كلّ الأطراف الفلسطينية من أجل معالجة أزمة المشروع الوطني الفلسطيني الممتدّة، عبر تعجيل السير نحو "وحدةٍ وطنيةٍ ناجزةٍ"، بغية تجاوز الانقسام القائم بين الضفّة الغربية وقطاع غزّة؛ فالوحدة الوطنية هي أهمّ أوراق القوّة الفلسطينية للتأثير في المعادلات العربية والإقليمية والدولية، التي تبقى "ضاغطةً" على الشعب الفلسطيني، لا سيّما في هذه المرحلة الحرجة، التي قد تشهد إعادة طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب "صفقة القرن"، بتعديلاتٍ طفيفةٍ (أو واسعةٍ)، ما يعني تصاعد الضغوط الأميركية/الإسرائيلية على القوى الفلسطينية، مع احتمال عودة أفكار/أطروحات "تجديد" السلطة الفلسطينية وإصلاحها، وتنشيط الخطاب الدبلوماسي الأميركي/الدولي حول "حلّ الدولتين"، لكن من دون أي التزامٍ دوليٍ صريحٍ بإنشاء دولةٍ حقيقيةٍ (أيّ على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس)، مع احتمال دعم واشنطن المخططات الإسرائيلية لضم أراضي الضفّة الغربية، ما يؤكد قيمة الوحدة الوطنية الفلسطينية، في التصدي لمخططات "اليوم التالي" في قطاع غزّة والضفّة الغربية، على حدٍّ سواء، التي تؤشر إلى أنّ القادم أصعب، على ضوء ما كشفته مجريات حرب الإبادة في غزّة، وتكثيف حملات سلطات الاحتلال (بالتعاون مع قطعان المستوطنين)، على الضفّة الغربية، خصوصًا على المخيّمات.

يتعلّق التحدّي الثاني بكيفية تعامل حركة حماس، وفصائل المقاومة الفلسطينية عمومًا، مع وضعية الضعف الشديد في "الإطار العربي"، ومؤسسات جامعة الدول العربية؛ إذ يظهر مدى العجز حتّى عن تنفيذ قرارات القمة العربية الإسلامية في الرياض (11/11/2023)، بشأن كسر الحصار على غزّة، وإجبار دولة الاحتلال على إدخال قوافل الغذاء والدواء والوقود، ناهيك عن تغيّر مضمون أغلب السياسات العربية تجاه قضية فلسطين، والاكتفاء بممارسة "دبلوماسية البيانات/الخطابات"، والاستنكاف عن بلورة استراتيجية عربية حقيقية لدعم أهالي غزّة وقضية فلسطين، بما في ذلك بلورة توجّه رسمي عربي لزيادة البدائل والخيارات، بدلًا من استمرار الرهان على التسوية، بوصفها خيارًا استراتيجيًّا عربيًّا وحيدًا.

تصحيح تصوّرات حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية عمومًا، بشأن حدود "الدعم الإقليمي المتوقّع"، خصوصًا في ظلّ مرحلةٍ انتقاليةٍ يمر بها النظام الإقليمي

ويبدو أن هذا التحدي قد يبقى قائمًا لشهورٍ عدّةٍ (ربّما سنواتٍ)، على ضوء تساوق دولٍ عربيةٍ عدّةٍ مع التوجّهات الأميركية لما يسمّى "اليوم التالي" في قطاع غزّة، وترقب عواصم عربية زيادة أدوارها، ولو عبر تسريع التطبيع مع إسرائيل.

وعلى الرغم من خطورة هذه المعطيات ثمّة عاملان قد يخففان جزئيًّا من سلبية المواقف الرسمية العربية من قضية فلسطين؛ أحدهما تميّز أداء الدبلوماسيتَين القطرية والجزائرية، وتطوّر خطابيهما الداعمين بوضوح للحقّ الفلسطيني، ومحاولاتهما التأثير في المواقف العربية والدولية من حرب غزّة. والآخر تفاعل الشارع العربي مع مأساة غزّة، وتنظيم التظاهرات والفعاليات المتضامنة، حيثما سمحت السلطات العربية بذلك (خصوصًا في الأردن واليمن والمغرب)، واستمرار قطاعاتٍ من الشعوب العربية في الحملات الشعبية العربية لمقاطعة منتجات الشركات، والعلامات التجارية التابعة للدول الداعمة لإسرائيل، ما يعني أن هذه المواقف الشعبية/ الطلّابية العربية تكشف عن إمكاناتٍ هائلةٍ، وطاقاتٍ كامنةٍ، لا يمكن تجاهل تأثيرها المستقبلي المُحتمَل على الموقف الرسمي العربي، شريطة استمرار المقاومة الفلسطينية، وحدوث تحولاتٍ في الموقف الرسمي العربي، تحت وطأة تغييراتٍ داخليةٍ في هذه النظم (بفعل تعامد ثلاثة عوامل؛ تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية الداخلية، وتفاقم مأساة الشعب الفلسطيني، وتغوّل/توسّع الدور الإسرائيلي في لبنان وسورية، وإقليم الشرق الأوسط عمومًا).

يتعلّق التحدّي الثالث بأهمّية إدراك حركة حماس، وفصائل المقاومة الفلسطينية إجمالًا، حدود ما يمكن أن تقدّمه جبهات الإسناد (اللبنانية واليمنية والعراقية) في المرحلة القادمة، على ضوء أمرين؛ أحدهما الدوافع والكوابح الداخلية في حسابات هذه الجبهات، التي تعوق خوضها "صراعًا مفتوحًا" مع سياسات المحور الأميركي الإسرائيلي، لا سيّما بعد تعرض هذه الجبهات لاستهدافٍ إسرائيليٍ أميركيٍ مؤثّرٍ (مع وجود دعمٍ بريطاني أيضًا)، خصوصًا تداعيات ما حدث مع حزب الله في الشهور الأخيرة. والثاني احتمال تصاعد الصراع الإيراني مع محور واشنطن/تل أبيب، في عهد الرئيس دونالد ترامب، ما قد يدفع طهران إلى تغليب اعتبارات تجنب "مواجهةٍ مفتوحةٍ"، عبر اتباع سياسة "التحوط الاستراتيجي"، وربما "تهذيب" خطابها المساند لحركات المقاومة الفلسطينية.

التحدّي الرابع؛ تصحيح تصوّرات حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية عمومًا، بشأن حدود "الدعم الإقليمي المتوقّع"، خصوصًا في ظلّ مرحلةٍ انتقاليةٍ يمر بها النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، وتشهد حالةً من ضعف تماسك النظام في مواجهة الضغوط الأميركية الإسرائيلية. فعلى الرغم من صلابة موقف أنقرة في قضايا إقليميةٍ عدّةٍ، واحتمال تصاعد الخلافات التركية الإسرائيلية (في ملفات سورية ولبنان وفلسطين وغاز شرق المتوسط)، فالمؤكّد أن ثمّة فرقًا كبيرًا بين حسابات الدول الإقليمية، بمصالحها وهوياتها المستقرّة نسبيًّا، وحسابات حركات المقاومة والتحرّر الوطني، ما يقتضي فهمًا فلسطينيًّا أفضل لطبيعة الدعم التركي (الذي يأتي ضمن مقاربةٍ بنائيةٍ/اقتصاديةٍ/قانونيةٍ/إنسانيةٍ).

التحدي الخامس؛ أهمّية توسيع تحالفات حركات المقاومة الفلسطينية وعلاقاتها الخارجية، وتطوير خطابها الوطني التحرّري، على نحوٍ يساهم في إعادة موضعة قضية فلسطين عربيًّا وإقليميًّا وعالميًّا، خصوصًا بعد أن كشفت محصّلة التفاعلات الإقليمية والدولية بعد حرب غزّة عجز الأطر الرسمية الأممية والدولية والإقليمية والعربية عن وقف هذه الحرب الإسرائيلية/الأميركية على المدنيين العزّل، ما يؤكد الحاجة الملحّة إلى تشكيل "ائتلافٍ عالميٍ، شعبيٍ ورسميٍ، من أجل فلسطين"، على نحوٍ يزيد من تأثير التظاهرات، في العواصم العالمية، على صنّاع القرار في الدول الداعمة لإسرائيل، لوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل وعزلها ومعاقبتها.

على الرغم من احتمال استمرار واشنطن في دعم حروب إسرائيل، وتعزيز سياسة "إعادة رسم الخرائط"، على نحوٍ يهدّد مصالح القوى غير الغربية في إقليم الشرق الأوسط، خصوصًا الصين، فإن ثمّة حاجةً فلسطينيةً وعربيةً وإقليميةً لتشجيع بكين على الاضطلاع بأدوارٍ سياسيةٍ أكبر، تتوازى مع مصالحها الاقتصادية الكبيرة في المنطقة، علمًا بأن المقاومة الفلسطينية قد نجحت في إعادة قضية فلسطين إلى الأجندتين الإقليمية والدولية، ما يعني أمرين؛ تآكل مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، واحتمال تحسن "استقلالية" النظام الإقليمي وتماسكه، في مواجهة سياسات الهيمنة الأميركية/الإسرائيلية.

المساهمون